رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.وليد خالد الربيع 24 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الحكمــــة ضالـــة المؤمـــــن- الرَّأْيُ كَثِيرٌ، وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ

قال ابن عاشور: «وأولو العزم : أصحاب العزم، أي المتصفون به، والعزم: نية محققة على عمل أو قول دون تردد. والعزم المحمود في الدين: العزم على ما فيه تزكية النفس وصلاح الأمة

يربي الإسلام المؤمنين على الجزم واليقين، والبعد عن الأوهام ، أوالريب والتردد سواء في مجال العقيدة أم في العبادات أم في المعاملات أم في القضاء أم حتى في الأخلاق .

ففي العقيدة لابد من اليقين والاعتقاد الجازم بما يؤمن به المسلم من أركان الإيمان كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا }(الحجرات: 15).

قال الشوكاني: «أي: لم يدخل قلوبهم شيء من الريب ولا خالطهم شك من الشكوك».

     ومن شروط كلمة التوحيد (اليقين) كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة»، وقال صلى الله عليه وسلم  لأبي هريرة: «من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة».

     وفي العبادات لابد من نية جازمة قبل الدخول في العبادة، فلا تصح النية المعلقة أو المترددة، وشكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم  الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: «لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا»، متفق عليه؛ فنهى عن العمل بالشك حتى يقوم الدليل الجازم على وجود الحدث.

وفي المعاملات الجزم في صيغة العقود؛ مما يدل على إرادة التعاقد والرضا بآثاره.

وفي القضاء يشترط في الدعوى أن تكون بصيغة جازمة، وكذلك جواب المدعى عليه في حال إقراره أو إنكاره لابد من أن يكون جازما، وشهادة الشاهد لابد أن تكون جازمة أيضا، وحكم القاضي لابد أن يكون جازما.

وفي نقل الأخبار لابد من التيقن فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}(الحجرات: 6).

قال الشيخ ابن سعدي: «الواجب عند خبر الفاسق  التثبت والتبين، فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصدق، وإن دلت على كذبه كذب، ولم يعمل به».

      وقال حذيفة لأبي مسعود: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول في «زعموا»؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «بئس مطية الرجل زعموا»، جاء في شرح الأدب المفرد : «فقه الحديث: إن الإخبار بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي أن يكون لخبره سند وثبوت، ويكون القائل على ثقة من ذلك، لا مجرد حكاية على ظن وحسبان، وفي المثل: (زعموا: مطية الكذب).

فالحزم مطلوب والتردد مذموم، والحزم هو اتخاذ القرار بفعل أو ترك. من قولهم: حَزَمَ أَمْرَهُ: أَخَذَ الأَمْرَ بِشِدَّةٍ وَضَبَطَهُ. ويقال: حزَم في رأيه أو في أمره: ضبطه وأتقنه وأظهر عزيمتهَ فيه،  ويقال:الحَزْم قبل العَزْم .

فبعض الناس يكون عاجز الرأي، فاتر العزم، كثير التردد، لايحزم أمره، ولا يأخذ قراره، وهذا مذموم في عرف الناس، مخالف لهدي الإسلام.

     فقد قال الله -تعالى- موجها نبيه الكريمصلى الله عليه وسلم : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}(آل عمران: 159). قال قتادة: «أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم  إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ، ويستقيم على أمر الله ، ويتوكل على الله». وقال ابن عطية : «الحزم جودة النظر في الأمر وتنقيحه والحذر من الخطأ فيه، والعزم قصد الإمضاء; والله تعالى يقول:{وشاورهم في الأمر فإذا عزمت} فالمشاورة وما كان في معناها هو الحزم . والعرب تقول : قد أحزم لو أعزم». قال ابن عاشور: «والتقدير: فإذا عزمت فبادر ولا تتأخر وتوكل على الله؛ لأن للتأخر آفات ، والتردد يضيع الأوقات». وقال ابن رجب: فالعبد يحتاج إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه في تحصيل العزم، وفي العمل بمقتضى العزم بعد حصول العزم، قال الله:{فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.

وتأمل توجيه الله -تعالى- ليحيى -عليه السلام-؛ حيث قال له:{يا يحيى خذ الكتاب بقوة}.

     قال ابن كثير: «أي : تعلم الكتاب {بقوة} أي: بجد وحرص واجتهاد، {وآتيناه الحكم صبيا} أي: الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير، والإكباب عليه، والاجتهاد فيه وهو صغير حدث السن». وأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم  بالتأسي بأصحاب الحزم فقال تعالى: {فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}. قال ابن عباس: «ذوو الحزم والصبر».

     وقال ابن عاشور: «وأولو العزم : أصحاب العزم، أي المتصفون به، والعزم: نية محققة على عمل أو قول دون تردد. والعزم المحمود في الدين: العزم على ما فيه تزكية النفس وصلاح الأمة، وقوامه الصبر على المكروه وباعثه التقوى، وقوته شدة المراقبة بألا يتهاون المؤمن عن محاسبته نفسه».

     وعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مَهْرَانَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «الرَّأْيُ كَثِيرٌ، وَالْحَزْمُ قَلِيلٌ». يشير -رضي الله عنه- إلى أن الأقوال كثيرة، والأفكار متعددة، ولكن الرأي الصواب، والنظر العميق، والفهم الدقيق، بعد الدراسة والمشورة قليل، وهذا حال كثير من الناس كثير الكلام، قليل الحزم، ضعيف العزم .

قيل للمهلب بن أبي صفرة: بم نلت ما نلت؟ قال: «بطاعة الحزم وعصيان الهوى».

وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى حسين: «الحزم أن تشاور ذا رأى ثم تطيعه». وسئل عمرو بن العاص: «ما الحزم؟ قال: أن تنظر فرصتك وتعاجل ما أمكنك».

     فعلى المسلم أن يكون ذا رأي سديد،  وعزم صادق، إذا عرض له أمر، نظر فيه من كل جوانبه، ووازن بين مصالحه ومفاسده، واسترشد بهدي الشرع المطهر، واستشار العاقل المؤتمن، واستخار الله -تعالى- في أمره، واستعان به في تحقيق مطلوبه، ثم أقدم على مراده موجها إليه عزمه، كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز» أخرجه مسلم.

قال الشيخ ابن سعدي: فمتى حرص العبد على الأمور النافعة واجتهد فيها وسلك أسبابَها وطرائقَها، واستعان بربه في حصولها وتكميلها، كان ذلك كمالَه وعنوان توفيقه.ومتى فاته واحدٌ من هذه الأمور الثلاثة؛ فاته من الخير بحسبها.

فمَن لم يكن حريصًا على الأمور النافعة، بل كان كسلان عن النافع له في أمور دينِه ودنياه؛ لم يدرك شيئًا.

فالكسل أصل الخيبة والفشل؛ فالكسلان لا يدرك خيرًا، ولا ينال مكرمة، ولا يحظى بِدِين ولا دنيا.

ومن كان حريصًا لكن على غير الأمور النافعة -إما على أمور ضارة، أو أمور مفوِّتة للمنافع والكمال-، كان ثمرة حرصه الخيبة وفوات الخيرات، وحصول الشرور و المضرَّات».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك