رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 22 يوليو، 2018 0 تعليق

التنويريون وادعاء وسطية الإسلام

 استغل من يسمون أنفسهم بـ(التنويريين) في عالمنا العربي، ظهور الجماعات الجهادية والتكفيرية، من أجل أن يوهموا الناس أنهم يدعون فقط لما أسموه (الاعتدال والإسلام الوسطي) -على حد وصفهم- وأنهم لا يجدون غضاضة في الالتزام بتعاليم الإسلام السمحة! وبدؤوا للوهلة الأولى مدافعين عن المؤسسات الدينية الرسمية، ووصفوها بأنها تحمي الإسلام ومنهاجه الصحيح من الغلو والتطرف؛ ولكن لأن نواياهم مخالفة لما كانوا يقولونه، بدأت تتكشف حقيقة مخططاتهم الرامية لهدم الإسلام وأركانه ركنا ركنا. (تقرير إخباري ـ خالد مصطفى).

استغلال الأزمات السياسية

     لقد استغل هؤلاء الظلاميون الأزمات السياسية التي شهدتها بعض بلدان الربيع العربي، لكي ينفثوا سمومهم، ويكشفوا ما تخفيه صدورهم، وبعد أن كانوا يحتمون بالمؤسسات الدينية الرسمية ويعلون من شأنها أمام الشعوب في هجومهم على التيارات الإسلامية، لم يطيقوا صبرا؛ فتعجلوا الوصول لهدفهم النهائي، وهو القضاء على الدين نفسه, ووجهوا سهامهم ضد هذه المؤسسات، واتهموها بـ(التطرف والإرهاب)، وطعنوا في المناهج التي يدرسونها, وسبوا الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب الفقهية المعترف بها، وسخروا من السلف الصالح، وتفسيراتهم للقرآن والسنة، وأهانوا البخاري ومسلم ووصفوهما بأبشع الاتهامات.

اتهام المؤسسات الدينية

     واتهموا المؤسسات الدينية الرسمية في البلاد العربية بالترويج لفكر هذه الجماعات المتطرفة، وطالبوا بتطهيرها مما أسموه (التخلف والجهل)،  ولم يحدث ذلك من شخص واحد فحسب، بل من أشخاص عدة، ظهروا على شاشات التلفاز في قنوات مرخصة, وأيدهم عدد آخر من أصحابهم بالكلمة والدعوة والمديح، أو على الأقل بالصمت على هذه الترهات، حتى تنتشر وتصبح حديث الناس، وعندما تكلم بعض الدعاة عن هؤلاء المغفلين في بداية ظهورهم، اتهموا بأنهم ضد الحرية وتجديد الخطاب الديني، ومن المؤيدين لداعش، ويريدون العودة لعصور الظلمات! (من مقال).

تصفية حسابات فكرية

     واستغل هؤلاء الغلو والتطرف لدى التيار الجهادي، لتصفية حسابات فكرية مع الدعوة السلفية، التي يطلقون عليها (وهابية)، وراحو ينبذون السلفية، ويتهمونها بكل نقيصة، ويصفونها بأنها  المسؤولة عن غلو التنظيمات الجهادية والتكفيرية وتطرفها، وراحوا يقولون: إن هذا الغلو هو امتداد لهذه الدعوة السلفية الوسطية المعتدلة القائمة على العلم والفقه والاتباع.

نقد عقيدة السلف

     الحقيقة أن هدف هؤلاء التنويريين ليس نقد تلك الجماعات أو الهجوم عليها، لكن الهدف هو نقد عقيدة السلف ومنهجهم، باعتبارها عقيدة الإسلام الصافية النقية، وتمرير هذا النقد الظالم من خلال تلك الجماعات، وهذه التهم الظالمة التي اتهم بها التنويريون الدعوة السلفية  لا تمتلك برهنة علمية، بل غاية ما تعتمد عليه استغلال هذه النماذج السيئة من الجماعات التكفيرية، واستغلال أفعالها المشينة والإجرامية، لربطها بالدين الإسلامي الحنيف، من خلال حملات إعلامية واسعة، تهاجم الدعوة السلفية المباركة، باعتبارها أصل الفكر المتطرف، وهي محاولة بائسة خائبة، ستصطدم بقوة الدعوة السلفية ورسوخها واعتدالها وعلميتها.

العلمانية والتنوير والتجديد

وفي مقال له بعنوان: (العلمانية والتنوير والتجديد)، لماذا يكرهون (الأزهر)؟ بيَّن الشيخ عبد المنعم الشحات حقيقة هذه المخططات قائلاً:

     فـ(العلمانية) أو فصل الدين عن الدولة، أو بالأحرى عن تنظيم حياة الناس، منهج غربي قد يمكن التعايش  به بيْن بعض الأديان، ولكن لا يمكن التعايش به مع الإسلام الذي جاء في القرآن الكريم أول مصادره قول الله -عزوجل- لرسوله[: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}(الأنعام:162-163)، وأطول آية في القرآن تختص بالمعاملات، وهي آية الدين، وفي القرآن أحكام تختص بالبيع والإجارة، والقرض والهبة، فضلاً عن العقوبات التي تعد أخص ما تمارسه الدول مِن صلاحيات.

ودعاة العلمانية يقسِّمونها إلى ثلاث مراتب:

1- علمانية ضد الدين ترفض وجوده: (ومِن أشهرها: المذاهب الإلحادية الدارونية والماركسية)، ويصفون هذه أحيانًا بالعلمانية الفرنسية.

2- علمانية لا دينية: وهي علمانية تنادي بفصل الدين عن الحياة، ولا تمانع مِن وجود الدين، إذا كان دينًا علمانيًّا، أو حرَّفه أتباعه ليوافق العلمانية، وهي النوع الأكثر انتشارًا في أوروبا، ويصفونها أحيانًا بالعالمانية الإنجليزية.

3- علمانية تحترم الدين: وهي الطور الجديد مِن العلمانية، الذي بدأت كثير مِن دول أوروبا في تطبيقه، ولا يختلف عن سابقه في ضرورة فصل الدين عن التشريع في الدولة، ولكنه يسمح للدولة بالاهتمام بذلك الدين العلماني أو المعلمن، بل ويرى توظيفه لتحقيق أهداف اجتماعية وسياسية بما يعني أن هذا النوع مِن العلمانية، لا ينادي بالفصل التام بيْن الدين والسياسة، ولكنه يُخضِع الدين للسياسة بدلاً مِن إخضاع السياسة للدين، وهذه يطلقون عليها العلمانية الأميركية.

منحرفة ومصادمة

     وإذا نظرتَ إلى هذه الأقسام الثلاثة؛ فستجد أنها كلها منحرفة ومصادمة للقرآن الكريم، فضلاً عن السنة النبوية الشريفة، مع أن بعضها أهون شرًّا مِن بعض، ولكن هذا الأقل شرًّا ينقلب إلى الأكثر خطرًا، حينما يستعمله أصحابه لتمرير هذا الباطل؛ فإذا خرج مَن يبين مصادمة العلمانية للإسلام؛ قالوا: أنتم لا تدركون أن العلمانية أنواع، وأننا ندعو إلى النوع الذي لا يضاد الدين، أو النوع الذي يحترم الدين، غير منتبهين إلى أن هذه الأنواع جائرة في حكم الإسلام، غير ملتزمة بالحد الواجب للعبد المسلم، وهو أن يقول للشرع: سمعتُ وأطعتُ.

مصطلح التنوير

     ثم إن هؤلاء متى انكشفتْ حيلتهم، فروا إلى استعمال مصطلحات حسنة، ولكنهم لا يعنون بها، إلا تلك العلمانية القبيحة، ومِن أكثر هذه المصطلحات خداعًا ومجانبة للواقع مصطلح التنوير، وحسبك مِن شر أن يرى بعضهم أن كل مَن ينتسب إلى الدين في ظلام يحتاج إلى تنوير هؤلاء، الذي لا يعدو أن يكون تشويهًا للدين وتحريفًا له.

مصطلح التجديد

     وعلى مسار آخر، وَجد هؤلاء مصطلحًا له أصل شرعي، ويكثر تكراره في كتب التراث، وهو مصطلح (التجديد)؛ فركبوا هذا المصطلح، وهو لا يعني عندهم إلا معنى واحدًا، وهو إخضاع الدين للسياسة، ولكل ما يستجد ويتجدد مِن نظريات، سواء كانت في مجال كيف بدأ الخلق؟ وهو مجال غيبي محض عند المسلمين، أم في مجالات الاقتصاد، أم الاجتماع أم السياسة، وكلما تطورت تلك النظريات، أو انتقلت مِن النقيض إلى النقيض، لزم علماء الدين في حث هؤلاء أن يعيدوا قراءة الدين، أو تأويله أو بالمعنى الصحيح تحريفه.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك