رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أيمن الشعبان 16 سبتمبر، 2014 0 تعليق

الأرض المقدسة.. حقائق وعبر (6-14) يوشع عليه السلام

الحمد لله الذي فضل بعض الأماكن واصطفاها، وقدم بعض البقاع واختارها، والصلاة والسلام على من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى، وبعد:

بعد أن خذل بنو إسرائيل موسى، ورفضوا الجهاد لفتح بيت المقدس، عاقبهم الله بالتيه أربعين سنة، وتوفي موسى في فترة التيه، ليقود بني إسرائيل نبي الله يوشع بن نون عليه السلام، فتى موسى في قصته مع الخضر.

     تغير الجيل الذي خذل موسى وقعد عن الجهاد، وجاء بعده جيل موحد صالح مطيع لله، فسار بهم نبي الله يوشع لفتح بيت المقدس، وكانت من أحصن المدائن سورا وأعلاها قصورا وأكثرها أهلا، فحاصرها ستة أشهر.

وبعد أن حاصروا المدينة المقدسة، واحتدمت المعركة بين الجيشين، واقتربت الشمس من الغروب يوم الجمعة، وإن دخل عليهم المغيب لدخل بغياب الشمس يوم السبت، فلا يتمكنون معه من القتال.

نظر يوشع إلى الشمس فقال لها: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئا، فحبست وحصلت معجزة لم تحصل عبر التاريخ إلا ليوشع وفي تلك الأرض المقدسة، وفتح بيت المقدس.

وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس».(1).

     والقصة بتمامها فيها عبر وفوائد ودرر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتا ولم يرفع سقوفها، ولا رجل اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريبا من ذلك فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم فجاءت يعني النار لتأكلها، فلم تطعمها فقال: إن فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده فقال: فيكم الغلول فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب فوضعها فجاءت النار فأكلتها. زاد في رواية: فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفناوعجزنا فأحلها لنا».(2).

    وهنا التفاتة جميلة لطالبي النصر والتمكين، التي أسبابها كلها معنوية كما في كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة؛ إذ طلب يوشع ألا يشارك معه في فتح بيت المقدس، كل من تعلق قلبه بالدنيا، أو انشغل فكره وعقله بأمر من شؤونها، لذلك يقول النووي في شرحه على مسلم(3): إن الأمور المهمة ينبغي ألا تفوض إلا إلى أولي الحزم وفراغ البال لها، ولا تفوض إلى متعلق القلب بغيرها؛ لأن ذلك يضعف عزمه، ويفوت كمال بذل وسعة فيه.

قال عياض، اختلف في حبس الشمس هنا، فقيل: ردت على أدراجها، وقيل: وقفت، وقيل: بطئت حركتها. وكل ذلك محتمل، والثالث أرجح عند ابن بطالوغيره.(4).

     قال الألباني: وأيها كان الأرجح، فالمتبادر من الحبس أن الغرض منه أن يتمكن النبي يوشع وقومه من صلاة العصر قبل غروب الشمس، وليس هذا هو المراد، بل الغرض، أن يتمكن من الفتح قبل الليل؛ لأن الفتح كان يوم الجمعة، فإذا دخل الليل دخل يوم السبت الذي حرم الله عليهم العمل فيه(5).

     وعندما فتحها يوشع أمره الله سبحانه أن يأمر بني إسرائيل حين يدخلون بيت المقدس، أن يدخلوابابها سجدا ويقولون حط عنا ذنوبنا،فخالفوا ودخلوا متعالين متكبرين، يقول ربنا سبحانه: {وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ } ( الأعراف:161).

{وادخلوا الباب سجدا} أي: خاضعين لربكم مستكينين لعزته، شاكرين لنعمته، فأمرهم بالخضوع، وسؤال المغفرة، ووعدهم على ذلك مغفرة ذنوبهم والثواب العاجل والآجل.(6).

يقول عليه الصلاة والسلام: «قيل لبني إسرائيل {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً، وَقُولُوا حِطَّةٌ} فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا: حبة في شعيرة».(7).

     ويقول سبحانه في موضع آخر: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ(58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } ( البقرة:58-59).

      {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} منهم، ولم يقل فبدلوا؛ لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا {قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} فقالوا بدل حطة: حبة في حنطة، استهانة بأمر الله، واستهزاء وإذا بدلوا القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى، ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله بهم، قال: {فَأَنزلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} منهم {رِجْزًا} أي: عذابا {مِنَ السَّمَاءِ} بسبب فسقهم وبغيهم.(8).

بهذا كلما حقق بنو إسرائيل الاستجابة لأنبيائهم، أثابهم الله سبحانه بالاستقرار والأمن والأمان والخيرات، وإذا خالفوا عاقبهم وحرمهم من الانتفاع الديني والدنيوي من الأرض المقدسة المباركة.

الهوامش:

1- السلسلة الصحيحة برقم 202.

2- متفق عليه.

3- (12/51).

4- فتح الباري لابن حجر.

5- السلسلة الصحيحة ( 1/398).

6- تفسير السعدي.

7- صحيح الجامع برقم 4430.

8- تفسير السعدي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك