رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 6 فبراير، 2012 0 تعليق

ارتفعت إلى 92 مليار دولار والحبل على الجرار – فاتورة الغذاء العربي تتضاعف

حذر تقرير دولي من خطورة ارتفاع حجم الطلب العربي على الغذاء في الدول العربية من 61.4 مليار دولار عام 2008 إلى 92.4 مليار دولار عام 2020، وهو أمر قد يعرض موازنات عدد من الدول العربية للخطر كون أوضاعها الاقتصادية يعاني مشكلات هيكلية.

       وقالت مؤسسة «الماسة كابيتال»: إن فاتورة الغذاء العربي مرشحة للتضاعف في ظل ارتفاع نسبة الطلب على الغذاء مع ازدياد عدد سكان المنطقة مما يستدعي مزيدًا من الإنتاج الغذائي لتلبية هذا الطلب المتزايد.

       ولا يعد تزايد عدد السكان هو السبب الوحيد في ارتفاع قيمة الفاتورة الغذائية باعتبار أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 59% بين مارس 2007م نفس الشهر عام 2008 فيما يتعلق بالسلع الغذائية بشكل عام رغم أن أسعار الزيوت والسمن قد شهدت طفرة كبيرة وصلت لحد 106% فيما سجلت أسعار الحبوب ارتفاعًا بمقدار 83%.

       وأوضح التقرير أن غياب التكنولوجيا وافتقاد مساحات واسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وشح المياه قد أداء الدور الأهم في زيادة حدة الأزمة رغم إشادته بسعي عدد من الدول العربية ومنها قطر والسعودية والإمارات ومصر وليبيا والكويت لإيجاد حل لهذه المشكلة وزيادة الاعتماد على إمكانياتها الذاتية لتسوية الأزمة سواء عبر تنشيط الاستثمارات في هذا القطاع بضخ استثمارات لتأجير أراض زراعية في بلدان أفريقية وبناء احتياطيات غذائية استراتيجية واعتماد سياسات محددة للأمن الغذائي.

عنق الزجاجة

       ورصد التقرير وجود خطط لاستصلاح مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية يتجاوز نحو 45 مليون هكتار وهو مشروع قد ينجح في تجاوز المنطقة حالة عنق الزجاجة في تدبير احتياجاتها الغذائية وقصر الاعتماد على الخارج بنسب أقل.

       وحث التقرير البلدان العربية على ضرورة الاهتمام بتكنولوجيا الغذاء وأساليب زراعة البذور ودوران المحاصيل المهجنة وعمليات المعالجة بعد الحصاد وتحسين عمليات الري وتعزيز الواعي حيال أنماط الطقس فضلاً عن الدوران السريع للمحاصيل.

       وطالب التقرير كذلك بضرورة تشجيع القطاع الخاص سواء في عمليات النقل المتعدد الوسائط أم التبريد أم الزراعة أم التخزين أم الأبحاث والأغذية المعالجة باعتبار ذلك عاملاً محوريًا في سياسات الأمن الغذائية.

       ورغم الأهمية الشديدة التي أولها التقرير لدور التكنولوجيا في الأمن الغذائي إلا أنه أشار لدور لا يقل أهمية للمنظمات الدولية مثل البنك الدولي أو الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي في الحفاظ على الأمن الغذائي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خلال تأمين وسائل سهلة ومتنوعة للأفراد والمؤسسات والحكومات الإقليمية للاستثمار.

ظواهر سلبية

       وإذا كان هذا التقرير قد وضع يديه على المشكلات الهيكلية الخاصة بالاقتصاد العربي التي ألقت بظلالها على هذه الأزمة الغذائية فإن التقرير لم يرصد عددًا من الظواهر السلبية التي تعانيها استراتيجية العالم العربي لتقليل الفجوة الغذائية والحد من فاتورة الغذاء العربي فالحديث عن مشاريع عربية لزراعة ملايين الأفدنة في بلدان أفريقية مثل السودان وأوغندا والاستفادة من فائض المياه في هذه البلدان لم تحقق نتائج جيدة حتى الآن، فمثلاً مصر التي أعلنت منذ ما يقرب من خمس سنوات مساعيها لتأجير ما يقرب من مليوني فدان في السودان وأوغندا لم تبدأ حتى الآن في زراعة هذه الأراضي بشكل فعلي ناهيك عن أن هناك تشكيكًا في قدرة مصر على تقليل الفجوة الغذائية من وراء زراعة ملايين الأفدنة في بلدان الجوار حيث شكك كثير من الخبراء الزراعيين في جدوى هذه المشروعات، كما بين د. زيدان هندي الأستاذ بكلية الزراعة جامعة عين شمس عدم نجاح مثل هذه الاستثمارات في تحقيق أهدافها، أكد على أهمية الاعتماد على الإمكانيات الذاتية للبلدان لاسيما أن هناك مناطق في مصر تستطيع وعبر استخدام تكنولوجيا متقدمة أن تحقق إنتاجيات عالية في محصول استراتيجي مثل القمح في حالة وجود إرادة سياسية قادرة على عدم مثل هذه التوجهات الاستراتيجية.

       ونبه إلى أن استصلاح مساحات شاسعة من الأراضي في الداخل تستتبعه نهضة شاملة وإيجاد مجتمعات جديدة قادرة على تخفيف الضغط على المدن الكبرى في مصر، معتبرًا أن زيادة مساحات الأراضي المنزرعة قمحًا ستوفر حلولاً كثيرة لأزمة الفجوة الغذائية وارتفاع فاتورتها المالية.

تراجع كبير

       وبنظرة دقيقة على الوضع في عدد من البلدان العربية نجد أن هناك سياسات في عدد منها تتناقض مع ما ذهب إليه التقرير فهناك تراجع في ميزانيات مراكز البحوث العلمية في القطاع الزراعي خصوصًا في كل من مصر وليبيا واليمن حيث تراجعت موازنات مراكز البحوث الزراعية في مصر بنسبة 28% خلال العامين الماضيين وهو ما تكرر بنسب متفاوتة في اليمن وليبيا وهو ما يضعف جهود تضييق الفجوة في ظل الاهتمام الكبير بسد هذا العجز.

       وتضاف إلى ذلك التأثيرات السلبية لما أطلق عليها ثورات الربيع العربي؛ حيث أسهمت هذه الأحداث في إصابة عدد من البلدان بأزمات اقتصادية فمثلاً دولة مثل سورية كانت من البلدان القليلة التي كانت تحقق اعتمادًا كبيرًا على إنتاجها في توفير احتياجاتها الغذائية غير أن الأوضاع الاقتصادية والأحداث السياسية خلقت واقعًا صعبًا لأزمة الاحتياجات الغذائية وجعلت سورية تتوسع في الاعتماد على الخارج في توفير احتياجاتها مما شكل ضغوطًا صعبة على ميزان المدفوعات.

       وإذا كان مقبولاً قيام بلدان الخليج العربي باستخدام الوفرات المالية في معالجة هذه المشكلة فمثلاً السعودية لجأت إلى شراء إنتاج نحو مليوني طن من القمح من الولايات المتحدة الأمريكية لتسليمها في توقيت معين لضمان مضاعفة مخزونها من الحبوب للحفاظ على ثبات الأسعار عام 2014م فإن مثل هذه الوفرات المالية ليست متاحة لجميع البلدان العربية خصوصًا البلدان ذات الأوضاع الاقتصادية المعقدة ولاسيما أنها تواجه صعوبات تدبير ميزانيات مالية لاستصلاح الأراضي فضلاً عن توفير احتياجاتها من المياه في ظل حالة الجفاف التي ضربت عددًا من البلدان والهدر الشديد في إمكانياتها المائية نتيجة النحر والتصحر ولاشك أن مثل هذه الأوضاع تشكل نوعًا من الضغط على القطاع الزراعي وهو ما ينتقده الدكتور نادر نورالدين أستاذ المحاصيل بكلية الزراعة جامعة القاهرة والذي وصف سياسات تحقيق الأمن الغذائي في بلدان العالم العربي بالقصور، مشيرًا إلى عدم وجود استراتيجية متكاملة لتحقيق هذا الهدف بشكل يعمق من اعتماد العالم العربي على البلدان الخارجية في توفير احتياجاتها الغذائية بنسبة تفوق 75%.

       ولفت إلى أن تداعيات هذا الأمر لا تقتصر على نقص الإمدادات الغذائية بل إنها تضع الدول العربية في مأزق شديد في حالة حدوث أزمة عالمية في القمح كما وقع في روسيا عام 2007م التي ضاعفت من فاتورة الغذاء العربي.

بل إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يرهن القرار السياسي العربي لمثل هذه الاحتياجات، مشددًا على أهمية مضاعفة موازنات مراكز البحوث        الزراعية في بلدان المنطقة وايلاء أهمية كبيرة للتكنولوجيا الزراعية ودعم مشاريع قومية لسد هذا العجز وتوسيع استثمارات القطاعين العام والخاص في هذا المجال بوصف ذلك السبيل الوحيد لسد هذه الفجوة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك