احتمالات تمدد داعش إلى شرق أفريقيا
التحالف بين (داعش) وحركة (شباب المجاهدين) سيكون له تداعيات سلبية أهمها تهديد حركة الملاحة الدولية
اتجهت حركة الشباب للإفادة من تنظيم (داعش) في الاعتماد على التمويل الذاتي، عقب تشديد الإجراءات الأمنية على التدفقات المالية العابرة للحدود
منذ أن تم مقتل أمير حركة الشباب المجاهدين أحمد عبدي (غودني) من قبل طائرات أمريكية قصفت على موكبه تحت جنح الظلام في الواحد من سبتمبر عام 2014م أثناء رجوعه من مؤتمر عقده الرجل مع بعض أعضائه، أصاب صفوف الحركة ما يمكن وصفه بالتصدع الذي أرجع المراقبون سببه إلى الهزيمة النفسية التي لحقت كثيرا من أعضائها بسبب مقتل زعميهم الأسطوري الذي أوصل الحركة إلى أقوى مرحلة وصلتها جماعة جهادية، وقلة نشاط الأمير الجديد وعدم إلمامه ببعض القضايا الإدارية.
وعلى خلفية هذه القضية يبدو أن التمدد الداعشي في شرق أفريقيا قد بدأ فعلا؛ إذ إن هناك جناحاً انفصل عن حركة الشباب معلنا انضمامه إلى داعش، ولم تكد دينامية الاندماج والالتئام ترسو، وتستقر حالة الاستقطاب، مع تسيد المشهد الجهادي في القارة لثلاث قوى رئيسة وهي: (بوكو حرام، وحركة الشباب، وجماعة مالي)، التي لا تقل كل منها خطورة عن الأخرى، حتى عادت من جديد حالة التفاقم آخذة أبعادا خطيرة، على خلفية إعلان أبو بكر البغدادي للخلافة ودعوته جميع الجماعات الجهادية إلى الالتحاق بها والعمل تحت مظلتها.
مؤشرات التقارب
ربما يفرض أي تحالف محتمل بين (داعش) وحركة (شباب المجاهدين) في الصومال تداعيات سلبية عديدة أهمها تهديد حركة الملاحة الدولية، في ظل وجود بيئة مواتية لانتشار الجماعات المتشددة في الصومال، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى مؤشرات عدة داعمة لتشكيل هذا التحالف المحتمل، ويمكن حصرها فيما يأتي:-
1- تدفق المقاتلين: تكشف تقارير سرية عديدة عن وجود ما لا يقل عن 68 مقاتلا صوماليًّا يتصدرون خلايا ووحدات تنظيم (داعش) في العراق وسوريا؛ حيث تزايد تدفق المقاتلين الصوماليين على (داعش) في الآونة الأخيرة عقب التفكك الذي لحق صفوف الحركة مؤخرا بعد مقتل زعيمهم.
2- تصعيد القيادات: انضم بعض أعضاء حركة (شباب المجاهدين) إلى صفوف (داعش)، وشاركت في العمليات القتالية للتنظيم في سوريا والعراق، وهو ما دفع الأخير إلى تصعيد تلك القيادات لتحتل مكانها في التنظيم على غرار القيادي أبو أيوب الصومالي الذي أعلنت قوات الشرطة العراقية، في منتصف يونيو 2014م، نجاحها في القضاء عليه في عملية عسكرية في العراق؛ حيث وصفت السلطات الأمنية العراقية تلك العملية العسكرية أنها إحدى أهم عمليات استهداف القيادات المركزية لـ(داعش).
3- الدعم الأيديولوجي: على الرغم من إعلان حركة (شباب المجاهدين) في الصومال تبعيتها العقائدية لتنظيم (القاعدة) بقيادة أيمن الظواهري، إلا أن هناك مؤشرات عديدة توضح العداء المستحكم بين (القاعدة) و(داعش)، وفي هذا الصدد أعلن أحمد عبدي (غودني) زعيم الحركة الذي تم اغتياله في أحد خطاباته المسجلة، تأييده لمنهج تنظيم (داعش) في مواجهة من أطلق عليهم (غير المؤمنين) معلنًا دعمه لتأسيس دولة إسلامية في العراق وسوريا، وعقب اغتيال (غودني)، دعا تنظيم (داعش) قيادات الحركة إلى الدفاع عن حدود الدولة الإسلامية؛ مما يعكس تماما وجود توافق أيديولوجي بين التنظيمين.
4- محاكاة التمويل: اتجهت حركة الشباب للإفادة من نهج تنظيم (داعش) في الاعتماد على التمويل الذاتي، ولاسيما عقب تضاؤل الموارد المالية لتنظيم (القاعدة)، وتشديد الإجراءات الأمنية على التدفقات المالية العابرة للحدود؛ حيث كشف تقرير لصحيفة (فايننشيال تايمز)، في منتصف يونيو 2014، عن أن الحركة نجحت في تعزيز استقلالها المالي عن (القاعدة) بالاعتماد على عمليات الاختطاف والقرصنة وتصدير الفحم إلى دول الجوار.
أسباب التحالف
يرجح المراقبون أن يجد التحالف بين (داعش) والجماعات الجهادية في شرق أفريقيا زخمًا متصاعدًا في الفترة المقبلة، في ظل الضغوطات العسكرية التي تعانيها هذه الحركات برا وجوا، من قبل قوات أميصوم في الصومال، فضلا عن طائرات بدون طيّار الأمريكية التي تحلق فوق سماء أفريقيا ليل نهار، وباتت تراقب تحركات هذه الجماعات؛ ولهذا يُمكن الإشارة إلى دوافع عدة رئيسة لتعزيز التحالف بين الطرفين تتمثل في:
- تتشابه أهداف كلٍّ من تنظيم داعش والجماعات الجهادية العاملة في شرق افريقيا كحركة (شباب المجاهدين وبوكو حرام) في سعيهما لكسر الحصار الدولي المفروض عليهما من خلال إيجاد منافذ ومساحات جديدة للحركة بعيدة عن مناطق التمركز المحورية، ولاسيما بعد أن خسرت الحركة مدنا مهمة، وكافة المناطق المهمة في جنوب الصومال، وانسحاب عناصرها إلى المناطق الطرفية والريفية تمهيدًا للعودة لتكتيكات حرب العصابات في مواجهة القوات الصومالية وبعثة الاتحاد الإفريقي (أميصوم) بالتزامن مع الضربات العسكرية التي يوجهها التحالف الدولي ضد (داعش) في العراق وسوريا.
- بعد اغتيال زعيم الحركة أحمد عبدي (غودني)، تغير هيكل القيادة في التنظيم بتولي أحمد عمر أبو عبيدة الحركة، ووفقًا لتقرير نشرته مجلة (إيكونوميست)، في 9 أكتوبر 2014، فإن أبو عبيدة يُعد من القيادات الداعمة للتحالف المرن بين الحركة والتنظيمات العابرة للإقليم، وعدم التقيد بالتبعية العقائدية لتنظيم (القاعدة). ولعل قيام بعض خلايا الحركة في كينيا باختطاف 5 تجار كينيين، في منتصف أكتوبر 2014، ردًّا على اغتيال (غودني)، يؤكد مدى اهتمام قيادة التنظيم بالنشاط العابر للحدود، وتدعيم شبكات الترابط بين التنظيمات في مختلف أرجاء الإقليم.
نموذج حكومة بونتلند
أخيرا تجدر الإشارة هنا إلى النموذج الفريد الذي لعبته بونتلند حكومة وشعبا في حربهم ضد حركة الشباب. كانت مفاجأة من العيار الثقيل عندما وصل جيش من حركة الشباب إلى جبال (غلغلا) في بونتلند شمال شرق الصومال بقوارب في أوائل شهر مارس الماضي؛ حيث لم يكن أحد يخال بأن حركة الشباب التي تمر في أصعب مراحلها ترسل جيشا بهذه العُدة والعتاد إلى بونتلند ليقارع الحكومة المرتدة على حسب قول المتحدث باسم حركة الشباب (علي طيري). وأيضا لم تنتبه حكومة بونتلند بهذا الحجر المطروح نحوهم-أيا كانت الجهة التي طرحت- إلا بعد أن رأى أهالي قرية (عرمد) هذه القوات وهم ينزلون من قواربهم مسلحين بشتى أنواع الأسلحة.
تساءل كثير من المراقبين عن طبيعة الهجوم الذي شنته حركة الشباب على حكومة بونتلد، كما أن هناك أسئلة محيرة بخصوص الحادث، ماذا عسى أن تنجز حركة الشباب في بونتلند ما لم تنجزه في مقديشو أو في كسمايو أو في الأماكن القريبة؟ ثم كيف يستطيع أن يبحر قارب بهذه السهولة يحمل جيشا بهذا الحجم 250جنديا، مع علمنا بأن المياه الإقليمية للصومال مليئة بالسفن الحربية الأمريكية، فضلا عن طائرات (درون) التي تحلق السماء آناء الليل وأطراف النهار، دون أن ترى هذه القوات؟
وبغض النظر عن دلالات هذا الهجوم وملابساته الذي ربما سيكون مقالا مستقلا، إلا أنه يبدو أننا نحتاج إلى التأسي والأخذ بذلك المثال الفريد في نوعه من التضامن وتضافر الجهود على كل من يهدد الأمن القومي في كل بقعة وأي مدينة من المدن الصومالية.
لاتوجد تعليقات