رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 24 يناير، 2016 0 تعليق

إحياء التراث تشارك الكويت فرحتها باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية

وليد الربيعة: الهدف لبرنامج عواصم الثقافة الإسلامية يعد هدفًا نبيلاً؛ حيث يربط الحاضر بالماضي في إطار رؤية حضارية لدورها

الشيخ النجدي: دين الله -تعالى- وسطٌ عدل بين الغُلو والجفاء، وبين الإفراط والتفريط، وهذا هو الصراط المستقيم

هناك نصوصا كثيرة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تحذّر من الغلو والتطرف

 

في إطار مشاركتها في فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية، أقامت جمعية إحياء التراث الإسلامي الأربعاء الماضي 20 يناير، ملتقى ثقافياً شمل عرضًا لفيلم وثائقي عن تاريخ الجمعية وإنجازاتها، وكذلك معرضًا للصور الفوتوغرافية استعرض أهم المشاريع الخيرية للجمعية داخل الكويت وخارجها، وأخيرًا محاضرة للدكتور: محمد الحمود النجدي، تحت عنوان (الإسلام دين الوسطية – لا تطرف وتشدد، ولا تساهل وتهاون).

     من ناحيته بيَّن وليد الربيعة -أمين سر الجمعية- في كلمته الافتتاحية للملتقى، أن الهدف لبرنامج عواصم الثقافة الإسلامية في نطاق المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة يعد هدفًا نبيلاً؛ حيث يربط الحاضر بالماضي في إطار رؤية حضارية إلى الدور الفاعل للثقافة الإسلامية في عالم اليوم.

     وأكد الربيعة على مكانة الأمة الإسلامية وأن الله اختصها بأمانة إخراج الناس من ظلمات الضلال والكفر، إلى نور الإسلام والخير، مشيرًا إلى إدراك سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم- هذه الغاية، فحملوا مشاعل الهدى، ليضيئوا بها دياجير الظلمات في مجاهل هذا الكون.

منهج إحياء التراث

     ثم بين الربيعة منهج جمعية إحياء التراث الإسلامي الذي يدعو إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومنهج السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم بإحسان، والدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص الدين لله، وإحسان العمل له كما في قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (الذاريات:56).

ثم أكد على تفعيل الجمعية لمعنى تعاون المسلمين على البر والتقوى وتلاقيهم على الخير، واعتصامهم بالكتاب والسنة، ونشر الخير والفضيلة، والعدل، والإحسان، عملا بقوله تعالى {وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}.

     كما أكد على دور الجمعية في إبراز فضائل التراث الإسلامي، ودوره في تطوير الحضارة الإنسانية، بما قامت به من تجميع المخطوطات والكتب الإسلامية من جميع أنحاء العالم وتوثيقها وتنظيمها في مكتبة جامعة، فضلا عن تشجيع العلماء والباحثين في مجال الدراسات الإسلامية والعمل على نشر بحوثهم ونتاج عملهم.

ثم ختم الربيعة كلمته بالتأكيد على أن جمعية إحياء التراث الإسلامي كان لها إنجازات نفع الله بها خلقا كثيرا منذ تأسيسها إلى يومنا هذا داخل الكويت وخارجها بوصفها منارة كويتية للعمل الخيري.

الإسلام دين الوسطية

     وفي محاضرته التي ألقاها بهذه المناسبة الشيخ محمد الحمود النجدي، أكد فيها على أن الإسلام منهج وسط في كل شيء: في الاعتقاد، والتعبد والتنسك، والأخلاق والسلوك، والمعاملة والتشريع، وهذا المنهج هو الذي سمّاه الله {الصراط المستقيم}، وهو منهج متميز بخلاف أصحاب الديانات الأخرى من {المغضوب عليهم} ومن {الضالين} الذين لا تخلو أديانهم ومناهجهم من غلوٍ أو تفريط.

     فدين الله -تعالى- وسطٌ عدل بين الغُلو والجفاء، وبين الإفراط والتفريط، وهذا هو الصراط المستقيم الذي أُمرنا أنْ نسأل الله -تعالى- أن يهدينا إليه، كلَّ يومٍ في صلاتنا بقولنا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ< صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْـمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}(الفاتحة:6-7).

 والذين أنعم الله عليهم قد بيَّنهم الله تعالى بقوله: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} النساء: 69.

- وأما المغضوب عليهم والضالون فهم: اليهود والنصارى، كما صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم  في الحديث الصحيح، الذين فارقوا الصراط المستقيم تارة بالغلو والإفراط، وتارة بالجفاء والتفريط، وقد خاطبهم الله -تعالى- بقوله: {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْـحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} المائدة: 77.

قال الطبري: «يقول: لا تُفْرطوا في القول فيما تَدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل، فتقولوا فيه: هو الله، أو هو ابنه، ولكن قولوا: هو عبدُ الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه» (التفسير: 6/316).

نصوص تحذيرية

     ثم بين الشيخ أن هناك نصوصاً كثيرة جاءت في التحذير من هذا الداء العضال - وهو الغلو - على سبيل العموم، سواء كان ذلك في جانب العقيدة أم العبادة أم غيرهما، يقول الله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ} المائدة: 77، ويقول -سبحانه-: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ} النساء: 171.

 فهاتان الآيتان وإنْ كان الخطاب موجهاً فيهما إلى أهل الكتاب، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم  تدخل فيهما تبعاً؛ لأنها قد نُهيت عن اتخاذ سبيلهم طريقا، والسير على منوالهم، واتباع نهجهم، وهذا واضح غاية الوضوح لمن تتبع الأدلة واستقرأها.

      وقد بوب البخاري -رحمه الله- في صحيحه: باب ما يكره من التعمق والتنازع والغلوّ في الدين والبدع، لقوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحَقِّ}المائدة: 77، واستدلال البخاري بالآية ينبني على أنّ لفظ أهل الكتاب للتعميم، ليتناول غير اليهود والنصارى، أو يحتمل على أنّ تناولها مَن عدا اليهود والنصارى بالإلحاق.

 نصوص السنة

ثم بين الشيخ أن هناك نصوصا كثيرة من الأحاديث النبوية الصحيحة التي تحذّر من الغلو منها على سبيل المثال:

1- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم  غداة جمع (المزدلفة): «هلمَّ القط لي الحصى» فلقطت له حصيات من حصى الخذف، فلما وضعهن في يده قال: «نعم، بأمثالِ هؤلاء، وإياكم والغُلو في الدِّين، فإنما أَهلك مَنْ كان قبلكم الغُلو في الدين» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وهو صحيح.

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وهذا عامٌ في جميع أنواع الغُلو في الاعتقادات والأعمال، وسبب هذا اللفظ العام: رمي الجمار، وهو داخل فيه، مثل الرمي بالحجارة الكبار بناء على أنها أبلغ من الصغار، ثم علّله بما يقضي مجانبة هديهم، أي: هدي مَن كان قبلنا، إبعاداً عن الوقوع فيما هلكوا به، وأنّ المشارك لهم في بعض هديهم يُخاف عليه من الهلاك. انتهى (تيسير العزيز الحميد ص 275) ونحوه في الاقتضاء (1/289).

وكم في المسلمين اليوم مَن يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقع في الغلو برميه بالحصى الكبار، فيغلو في دينه، ويؤذي إخوانه المسلمين.

 2- وقال صلى الله عليه وسلم : «هَلَك المتنطعون» قالها ثلاثاً. رواه مسلم. والمتنطعون: المتعمّقون المُغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. قاله النووي في شرح مسلم: (16/220).

 3- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن هذا الدين يسرٌ، ولن يُشاد الدِّين أحدٌ إلا غَلَبَه، فسدّدوا وقاربوا وأبْشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء عن الدُّلجة» أخرجه البخاري.

قال ابن حجر: «والمعنى: لا يتعمق أحدٌ في الأعمال الدينية، ويترك الرفق، إلا عَجَز وانقطع، فيُغلب». (الفتح: 1/94).

 4- وعن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «اقرؤوا القُرآن، ولا تأكلوا به، ولا تَستكثروا به، ولا تَجفوا عنه، ولا تَغْلوا فيه» أخرجه الإمام أحمد.

     قال المناوي: «ولا تغلوا فيه» تجاوزا حدَّه؛ من حيث لفظه أو معناه، بأن تتأولوه بباطل، أو المراد: لا تبذلوا جهدكم في قراءته، وتتركوا غيره من العبادات، فالجفاء عنه: التقصير، والغلو: التعمق فيه، وكلاهما شنيع، وقد أمر الله بالتوسط في الأمور، فقال: {وَلَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا}.  «ولا تأكلوا به، ولا تَستكثروا به» أي: لا تجعلوه سبباً للإكثار من الدنيا، ومن الآداب المأمور بها: القصد في الأمور، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.

وقال الطّيبي: يُريد لا تجفوا عنه بأنْ تتركوا قراءته، وتشتغلوا بتأويله وتفسيره، ولا تغلوا فيه بأنْ تبذلوا جهدكم في قراءته وتجويده، من غير تفكر، كما في الحديث الآخر: «لم يَفْقه مَن قَرأ القُرآن في أقلَّ من ثلاث». فيض القدير: (2/64).

 التفريط والإسهال

     ثم أشار الشيخ إلى أن القرآن والسنة حذرا أيضًا من التفريط والتساهل، مبينًا أن هناك نصوصا كثيرة وردت في هذا الشأن منها: قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} الكهف: 28، وقوله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرتَا عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَـمِنَ السَّاخِرِينَ} الزمر: 56، قال الطبري: يقول: على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به، وقصَّرت في الدنيا في طاعة الله. (24/19).

 وقال  صلى الله عليه وسلم : «أما إنه ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريط على مَن لم يُصلِّ الصلاة، حتى يجيءَ وقت الصلاة الأخرى...» رواه مسلم (1/473).

قال بعض السلف: ما أمرَ الله -تعالى- بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريطٍ وتقصير، وإما إلى مجاوزةٍ وغلو، ولا يبالي بأيهما ظَفر.

 قال ابن القيم -رحمه الله-: «وقد اقتُطع أكثر الناس إلا أقلَّ القليل في هذين الواديين: وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدِّي، والقليل الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابه» (إغاثة اللهفان 1/116).

وبهذا تعلم غُربة من ثبت على الوسطية، وقلّتهم في كل زمانٍ ومكان.

نسأل الله -تعالى- بمنّه وكرمه أنْ يجعلنا من الأمة الوسط، وأن يعافينا من هذين المرضين والانحرافين، إنه سميع قريب مجيب.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك