رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: كنون العتيبي 22 يوليو، 2018 0 تعليق

أم ملدم ..في طيات البلايا رحمات

 

     إن الله -جل وعلا- رحيم كريم جعل لنا في طيات البلايا رحمات، وفي خلال المحن منحا وهبات، أجر كبير وألطاف ندركها وألطاف تخفى على قلوبنا الضعيفة، لكننا بيقين ندرك أن أمره كله خير، وإن كان ظاهره تعبا وأذى، وهنا وقفات مع أم ملدم؛ فربما كانت في نظرنا قاسية، لكننا لو علمنا أنها لن تذهب إلا بذنوبنا ويبدلنا الله بها أجرًا وعافية لعذرناها.

     أم ملدم اسم للحمى كما ورد في بعض الأحاديث النبوية؛  فقد عاد صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة؛ فقال لها: «كيف تجدينك؟»؛ فقالت: بخير، إلا أن أم ملدم قد برحت بي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «اصبري فإنها تذهب خبث ابن ادم كما يذهب الكير خبث الحديد». الترغيب. ص: ٣٤٤٠.

     فتأملوا الرحمة، إنها رغم أذاها طهر للعبد من خبث الذنوب؛ لذا نهى الشارع الحكيم عن سبها؛ فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب، أو أم المسيب؛ فقال: «ما لك يا أم السائب - أو يا أم المسيب - تزفزفين؟» قالت: الحمى لا بارك الله فيها! فقال: «لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم، كما يذهب الكير خبث الحديد» . رواه مسلم، قال ابن أبي الدنيا: كانوا يرجون في حمى ليلة كفارة ما مضى من الذنوب؛ لذا ربما دعا أحدهم أن تصيبه حمى لا تقعده عن جهاد ولا جماعة ويفرح بالبلاء، كما يفرح أحدنا بالعافية، بل أحبها بعضهم حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه : ما من مرض يصيبني أحب إلي من الحمى؛ لأنها تدخل في كل عضو مني، وإن الله يعطي كل عضو قسطه من الأجر، ومثل هذا لا يقوله أبو هريرة برأيه، وقال أحد الصالحين «إن في العلل لنعماً ينبغي للعقلاء أن يعلموها تمحيص للذنب، وتعرض لثواب الصبر، وإيقاظ من الغفلة، وادكار للنعمة في حال الصحة، واستدعاء للتوبة، وحض على الصدقة»، وصدق من قال: «يعرف المرء إذا لم يصب بنكبة ما موقع العافية؟».

     ورغم هذا؛ فمن المشروع أن يتداوى المرء منها، وأحسن دواء لها الماء، كما قال  البخاري -رحمه الله- باب (الحمى من فيح جهنم)، وذكر حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحمى من فيح جهنم؛ فأطفؤها بالماء»؛ ولأن المرض ربما يمنع العبد من أداء شيء من العبادات والنوافل التي يحافظ عليها؛ ولأن الله رحيم كريم؛ فقد كتب لعبده أجرها كاملا، كما لو كان فعلها في عافيته، يقول صلى الله عليه وسلم : «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله -تعالى- له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما». رواه البخاري، وقال اللهُ -تعالى-: «إذا ابتليتُ عبدي المؤمنَ، فلم يَشكُني إلى عُوَّادِه أطلقتُه من إِساري، ثم أبدلتُه لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمِه، ثم يستأنِفُ العملَ» ص. الجامع ٤٣٠١. ، ومع ذاك الكرم الإلهي فإنه حري بالمؤمن أن يسأل الله العافية؛ لأنه لايدري إذا ما ابتلي أيصبر؛ فيؤجر أم يجزع؛ فيأثم، وكما قال أحد الصالحين: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر، نسأل الله أن يمن علينا بأجر في عافية، وعفو، ورضوان، وأن يشفي كل مريض، ويعافي كل مبتلى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك