
قواعد نبوية في الأخلاق والمعاملات – «وما تواضعَ أحدٌ للَّـهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ»
- التواضع خلق كريم من أخلاق المؤمنين ودليل محبة رب العالمين جل وعلا وهو الطريق الذي يوصل إلى مرضاة الله وإلى جنته وهو عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة
من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم - العظيمة التي تعد قاعدة من القواعد العظيمة في الأخلاق وفي التعامل مع الآخرين، وديننا دين معاملة، أن الإنسان يتعامل مع الآخرين بخلق راق، بخلق كريم من أخلاق الإسلام، فإن هذا مما يرفع درجته عند الله -تعالى-، فكما أننا مأمورون بالصلاة والصيام والزكاة والحج وسائر العبادات، كذلك نحن مأمورون بأن نتعامل مع الآخرين بأخلاق كريمة وأخلاق حسنة، من أعظم هذه الأخلاق هذه القاعدة التي بين أيدينا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وما تواضعَ أحدٌ للَّهِ إلَّا رفعَهُ اللَّهُ»، فمن أراد أن يرفعه الله في الدنيا، وأن تكون له المكانة العظيمة عند الله -تعالى- في الآخرة فعليه بالتواضع، فالتواضع من أخلاق الإسلام العظيمة.
تحريم الكبر والخيلاء
وقد حرّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان مقابل هذا الخلق وهو الكبر والفخر والخيلاء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - محذرا من الكبر والفخر والخيلاء وأن الإنسان يرى نفسه أرفع من الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرِ»، تخيل مثقال ذرة! يعني أمرا بسيطا جدا من الكبر، أنه يرى أنه أفضل من الناس إما بالنسب أو بالشرف أو بالمنصب أو بالمال. وبعض الناس يرى أنه أفضل بسيارته أو مكانته أو ملابسه أو غير ذلك، كل ذلك يكون مدعاة لأن يتكبر الإنسان على الآخرين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبْرِ»؛ فما بالكم بمن كان قلبه مملوءًا كبرا وفخرا وخيلاء، يتكبر على الناس ويترفع على الآخرين، ويرى أنه أفضل من الناس، بل حتى ولو كان في العلم الشرعي أو القرآن الكريم أو غير ذلك، لا يجوز للإنسان أن يترفع على الآخرين مهما كان يرى، أو أنه يتواضع لله -تعالى-، من تواضع لله رفعه.تواضع نبينا - صلى الله عليه وسلم
وإذا نظرنا في سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الأولين والآخرين، وهو إمام المرسلين، وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وهو خير من وطئت قدمه الحصى، رسول رب العالمين، أقرب الناس إلى الله -تعالى-، مع ذلك ومع ما كان له من الشرف والنسب والمكانة، فهو من أشرف العرب من قريش، ومن أشرف قريش من بني هاشم، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مع ما له من هذه المكانة العظيمة واصطفاء الله له واختياره له بأن يكون رسول رب العالمين، مع ذلك كان متواضعا، يمشي مع الكبير والصغير، يمازح الغني والفقير، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم في مهنة أهله في بيته، ومع أنه رسول رب العالمين ومع ذلك لما سئلت أم المؤمنين -رضي الله عنها وأرضاها- ما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته؟ قالت: كان يقوم في مهنة أهله، يخصف نعله، ويرقع ثوبه، أو كما قالت -رضي الله عنها وأرضاها. النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصف نعله أي يخيط هذه النعل إذا قطعت وهو رسول رب العالمين. ويمر الشهر والشهران والثلاثة ما يوقد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - النار.أما ترضى أن تكون لنا الآخرة؟
ولما جاء عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - مضطجعا في بيته أو في المسجد وقد أثّر التراب على جنب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، كسرى وقيصر تتمتع بالقصور والدور والفرش والنعيم، وأنت رسول رب العالمين تنام على الحصير! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ياعمر، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا وتكون لنا الآخرة؟ إذًا هو رسول رب العالمين ومع ذلك ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرى أنه أفضل الخلق، وهو الذي قال عن نفسه - صلى الله عليه وسلم - «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر»؛ لذلك الإنسان دائما يتواضع لله -تعالى- ولا سيما مع الضعفاء والفقراء والمساكين والمحتاجين، مع العمال وغيرهم. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو الفقراء والمساكين لأن يأكلوا معه، وهذا دليل على تواضعه - صلى الله عليه وسلم . من أراد الرفعة والمكانة، من أراد الدرجات العلا في الجنة، من أراد متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - فعليه بهذا الخلق الكريم من أخلاق الإسلام، أن يتواضع في كلامه، بعض الناس إذا تكلم، يتكلم بكبر وفخر وخيلاء، يتواضع في مشيه، «إن الله لا يحب كل مختال فخور».إنها مشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموضعِ
ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا دجانةَ يومَ أحدٍ أعلمَ بعصابةٍ حمراءَ فنظر إليه رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وهو مختالٌ في مِشيتِه بين الصَّفَّيْنِ فقال: «إنها مشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموضعِ»، مشية المتكبر الله -تعالى- يبغضها إلا في حال القتال والغزو حتى يرى الكفار ما عند المسلمين من القوة والمَنَعَة، أما أن يكون في الأمور العادية فهذه المشية، مشية الكبر والخيلاء وأنه أفضل من الناس وأنه أعلى من الناس، هذه المشية يبغضها الله -تبارك وتعالى-، مهما آتاك الله -تعالى- من جاه أو مال أو منصب أو نسب أو سيارة أو غير ذلك من الأمور لا تترفع على خلق الله، تواضع لله؛ فإنه من تواضع لله رفعه.هذه هي أخلاق ديننا
هذه هي أخلاق ديننا، هذه شريعتنا، أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع الآخرين، وكيف أنه كان يعلمنا هذه الأخلاق الكريمة، الأخلاق العالية، الأخلاق الرفيعة، التي من بينها التواضع والتنازل، وألا يرى الإنسان أنه أرفع من غيره لا بنسب ولا بشرف ولا بمكانة ولا بمال ولا بغير ذلك من الأمور؛ فالناس عند الله -تعالى- سواسية، «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».التواضع في القرآن والسنة
قال الله -تعالى-: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (الفرقان: 63)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54)، وقال عزوجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء: 23- 24)، وقال -تعالى-: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (الشعراء: 215)، وقال -تعالى-: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} (الإسراء: 37) وقال -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان: 18). وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد»، وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملكٍ، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك: دع حكمته». ووصف الله -عز وجل- عباده الذين هداهم للإيمان فقال -سبحانه-: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (المائدة: 54)، قال ابن الحاج رحمه الله: «من أراد الرفعة فليتواضع لله -تعالى-؛ فإن العزة لا تقع إلا بقدرِ النزولِ، ألا ترى أن الماءَ لما نزلَ إلى أصلِ الشجرةِ صعدَ إلى أعلاها فكأن سائلاً سأله: ما صعدَ بِكَ هنا -أعني في رأس الشجرة- وأنت تحت أصلها؟ فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه».
لاتوجد تعليقات