رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: ذياب أبو سارة 29 أكتوبر، 2025 0 تعليق

المؤرخ البريطاني (أرنولد توينبي) نموذجًا.. الحضارة الإسلامية شهادات غربية وأقوال منصفة

  • أرنولد توينبي رغم كونه مؤرخاً غربياً إلا إنه قدّم إشارات مهمة حول مركزية الدين في بناء الحضارات وأن الإسلام بما يحمله من عقيدة التوحيد كان له دور بارز في صناعة حضارة عالمية متميزة
  • برزت الحضارة الإسلامية في فكر توينبي نموذجا للاستجابة الناجحة للتحديات الحضارية معتبراً أن قوة عقيدة التوحيد كانت السبب الرئيس في قدرتها على التحمل والتجدد ومواجهة الصراعات
  • اعتمد توينبي المنهج الوضعي ولم ينطلق من وحي الله ولم يفقه حقيقة التوحيد كاملاً بل نظر إليه عنصرا اجتماعيًا وحضاريًا فقط ولم يدرك أن الإسلام ليس مجرد حضارة دنيوية بل هو الدين الحق الخاتم
  • يعدّ كتاب (الحضارة في الميزان) لأرنولد توينبي من أهم كتبه بعد موسوعة (دراسة التاريخ) وقد تُرجم إلى العربية أكثر من مرة وهو مجموعة مقالات ومحاضرات ألقاها عن الحضارة الغربية ومصيرها ودور الدين في حفظ المجتمعات
  • اتفقت جميع الشخصيات المنصفة المؤثرة على مستوى العالم في مجال الأدب والفكر والاجتماع على قيم أخلاقية جوهرية في رسالة الإسلام مثل: توحيد الله الخالص والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس وتسامح الإسلام مع الشعوب الأخرى وتكريمه للعلم والأخلاق والمبادرة الإنسانية
  • يعدّ توينبي من أبرز المؤرخين الذين أنصفوا الحضارة الإسلامية معترفاً بأن سر عظمتها يكمن في عقيدة التوحيد التي جعلت الأمة الإسلامية رائدة في التاريخ والنهضة
 

تعدّ دراسة الحضارات من أهم ميادين الفكر الإنساني؛ لأنها تكشف عن سنن الله في الأمم والمجتمعات، {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران: 137). ولعل من أبرز من كتب في هذا الميدان المؤرخ والفيلسوف البريطاني أرنولد توينبي (1889-1975م)، صاحب موسوعة (دراسة التاريخ)  (A Study of History)؛ حيث قدّم رؤية شاملة لنشوء الحضارات وانحدارها، وقد تميزت كتاباته بلفت النظر إلى دور الدين في تكوين الحضارات أو سقوطها، وهنا يلتقي بحثنا مع حقيقة الإسلام الكبرى: عقيدة التوحيد التي هي لبّ الحضارة الإسلامية وروحها، ومصدر نهضتها وقوتها.

عقيدة التوحيد في الإسلام

  • ماهية التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، ونبذ الشرك كله. وهو أعظم مقاصد بعثة الرسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25)، وتتلخص أركانه في:
1- توحيد الربوبية: وهو إفراد الله بالخلق والرزق والتدبير. 2- توحيد الألوهية: إفراد الله بالعبادة. 3- توحيد الأسماء والصفات: وهو إثبات ما أثبته الله لنفسه بلا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل. أثر التوحيد في حياة الفرد والمجتمع: من أهم الآثار الإيجابية للتوحيد أنه يحرر الإنسان من العبودية لغير الله، وأنه يبني وحدة الأمة الإسلامية تحت راية «لا إله إلا الله»، وأنه يضع الأساس الأخلاقي والسياسي للحضارة من خلال قيم العدل، والمساواة، والإيثار، وغيرها من القيم والأخلاق الإسلامية التي تحقق النفع للفرد والمجتمع.
  • صلة التوحيد بالحضارة الإسلامية:
لا شك أن التوحيد هو جوهر الرسالة الإسلامية وأساس الحضارة؛ إذ انطلقت من عقيدة التوحيد حركة البناء للحضارة الإسلامية سياسيا وفكريا وعلميا؛ كما إن عقيدة التوحيد قادت إلى وحدة الأمة، وأسهمت في قيام نهضة أخلاقية وعلمية وفكرية ذات أثر باقٍ في التاريخ العالمي. فالتوحيد يُعزز من مسؤولية الإنسان في إعمار الأرض وفق نظام أخلاقي يوازن بين الروح والمادة، ويرفض الخرافات والعبثية، ويدعو لاحترام العقل والانفتاح العلمي والإبداع، وهو ما جعل الحضارة الإسلامية متماسكة وقوية. ولعل من أبرز الأمثلة على دور التوحيد في مرحلة النشأة والامتداد، أن الحضارة الإسلامية انطلقت من الجزيرة العربية بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فوحّدت بين العرب، وجعلت التوحيد أساسها العقدي والتشريعي في التعامل مع الآخر. فالحضارة الإسلامية، هي النموذج الحضاري المتكامل الذي تمحور حول عقيدة التوحيد؛ فجعلها متماسكة ذاتيا، وقادرة على الاستمرارية والتجديد رغم التحديات.
  • من خصائص الحضارة الإسلامية:

  • ربانية المصدر: تستمد قوانينها وقيمها من الوحي (الكتاب والسنة).
  • الشمولية: حيث جمعت بين الدين والدنيا، وبين الروح والعقل، وبين العلم والعمل.
  •  العالمية: لأنها خاطبت البشر جميعاً، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
  • الاعتدال والوسطية: حيث لا رهبانية ولا مادية محضة في الإسلام؛ بل توسط واعتدال.
ولعل من أبرز ثمراتها في أوج قوتها: التقدم العلمي، والعدل الاجتماعي، وازدهار الاقتصاد، وحماية الأقليات، ونشر العلم واللغة.
  • توينبي وموقفه من الحضارة الإسلامية:
 
  • أدرك المؤرخ البريطاني توينبي أن عقيدة التوحيد في الإسلام تعدّ جوهر الإيمان ومحور الحضارة الإسلامية؛ فهي تتميز بالتركيز على وحدانية الله ورفض الشرك، وهو ما أشار إليه باعتباره أعمق أسس القوة الحضارية الذاتية للإسلام، كما تناول تأثير الإسلام على الحضارة العالمية، وأشار إلى أن المسلمين أعادوا للشرق الأوسط شخصيته الثقافية بعد هيمنة الثقافة اليونانية والرومانية عليه، وأن المدن الإسلامية أصبحت مركزاً للحضارة والنهضة، وأقرّ توينبي بأن عقيدة الإسلام تقوم على التوحيد الخالص وهو أكثر العقائد اتفاقاً مع المنطق، وأن الإسلام لم ينتشر بالقوة بل بخصائصه الذاتية ووضوح مبادئه.
وذكر أن الحضارة الإسلامية أسهمت إسهاما كبيرا في نقل العلوم والفلسفة، ولا سيما من خلال جهود الترجمة.
  • ويرى توينبي أن الحضارة الإسلامية استجابت لتحديات كونية (الجفاف، والصحراء)، وبشرية (كالغزو والاستعمار الثقافي والعسكري)، وذلك من خلال قوة التجديد العقائدي، والتكافل الاجتماعي، والعقلانية الدينية في الإسلام؛ كما وقفت الاستجابة الحضارية الناجحة للإسلام بالمرصاد أمام محاولات الإخضاع الرومانية والفارسية مثلاً، وأعادت للشرق الأوسط هويته وشخصيته الثقافية.
  • وقد قارن توينبي الحضارة الإسلامية بالحضارة الغربية، وأكد أن الأولى بقيت حيّة وسليمة الجوهر رغم التحديات الكبرى؛ وذلك بسبب التماسك الذاتي الناتج عن عقيدة التوحيد والاتساق بين الفكر والعمل؛ من حيث المساواة والعدالة؛ فيما أشار إلى الحضارة الغربية على عكس ذلك؛ فقد اتسمت في كثير من تاريخها-بحسب قوله- إلى ممارسات استعمارية وظلم ونهب للشعوب، وأنها اعتمدت على القهر والقوة؛ كما أكد  أن الغرب لم يصمد أخلاقيا أمام إغراء السيطرة، وظل ينهب خيرات الشعوب، وينتحل الإنجازات، ويعاني اليوم من أعراض الانحلال التي مرت بها حضارات سابقة، أما الإسلام فيعيد التأكيد على وحدانية اللهورقيه الحضاري.
  • من جانب آخر أوضح توينبي أن من شروط التعامل الإسلامي مع شعوب البلاد المفتوحة الاتسام بالاعتدال والمعاملة الكريمة؛ إذ لم يُفرض الإسلام بالقوة بل دُعي إليه بالحجة، مع الحرية في دفع الجزية بدل اعتناق العقيدة، واعتبرت نظرته الفلسفية أن الحضارة ليست كياناً محكوماً عليه بالانهيار الحتمي؛ بل يمكن للبشرية أن تعيد بعثها إذا حافظت على القيم الروحية، وفهمت رسالتها الكونية كما فعل المسلمون تاريخياً.
  • وبذلك قدّم توينبي رؤية منصفة وعميقة للحضارة الإسلامية، معتبراً أن عقيدة التوحيد هي سرّ بقائها واستمرارها وتفردها في التاريخ الإنساني إلى جانب دعوتها للقيم الإنسانية والعدل، في مقابل عجز الحضارة الغربية عن تجاوز أزماتها الأخلاقية والمادية.
 
  • الحضارة في الميزان:
يعدّ كتاب «الحضارة في الميزان» لأرنولد توينبي من أهم كتبه بعد موسوعة (دراسة التاريخ)، وقد تُرجم إلى العربية أكثر من مرة، والكتاب في مجمله عبارة عن مجموعة مقالات ومحاضرات، ألقاها توينبي عن الحضارة الغربية ومصيرها، وعن دور الدين في حفظ المجتمعات، ويرى أن الإسلام عقيدة توحيدية قوية، صنعت حضارة عالمية عظيمة، وأن سر قوتها كان في وحدانية الله وما تبعها من وحدة إنسانية وأخلاقية؛ كما يقرّر أن انهيار المسلمين جاء من الابتعاد عن هذا التوحيد. ويحذر الغرب من مصير مماثل إذا استمر في القطيعة مع الدين.
  • خلاصة الكتاب فيما يخص الإسلام والتوحيد:

1- مركزية الدين في الحضارة:

يؤكد توينبي أن الدين هو العنصر الأساسي في تكوين الحضارات الكبرى، وأن المادية البحتة لا تستطيع أن تنشئ حضارة مستمرة، ويرى أن الإسلام أبرز نموذج لحضارة قامت على أساس ديني قوي (عقيدة التوحيد).

2- الإسلام قوة حضارية عالمية:

يشيد توينبي بدور الإسلام في توحيد شعوب وأعراق مختلفة تحت مبدأ واحد: «لا إله إلا الله»، ويقرر أن التوحيد صنع مجتمعاً متماسكاً، قادراً على مقاومة التفتت الذي أصاب الحضارات الأخرى.

3- التحذير للغرب:

ويبين توينبي أن الحضارة الغربية تتجه نحو الانهيار؛ لأنها انفصلت عن الدين، وأن الغرب إذا أراد النجاة فعليه أن يستفيد من تجربة الحضارة الإسلامية القائمة على التوحيد والربانية.

4- القرآن والتاريخ:

        كما يشير توينبي إلى أن القرآن منح المسلمين رؤية واضحة للتاريخ وللوجود، ونحن نرى أن هذا القول صحيح إذا كان الدين هنا يقصد به أصل الأديان السماوية التي لم يتم تحريفها وجعلهم ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم جزءًا من رسالة إلهية عالمية.

5- نقد المسلمين المتأخرين:

يعترف توينبي بأن المسلمين حين ضعف تمسكهم بالدين، وانغمسوا في التقليد والجمود، فقدوا قوتهم الحضارية. ويؤكد أن الانحراف عن العقيدة الصافية هو ما أدى إلى تراجع الحضارة الإسلامية، لا ضعف المبدأ ذاته.
  • أبرز كتبه ومؤلفاته:

  • دراسة للتاريخ: موسوعة تاريخية كبرى تتألف من 12 مجلدًا، صدرت بين 1934 و1964، وتعد أشهر أعماله تحليلًا متعمقًا لنشأة الحضارات وسقوطها.
  • العالم والغرب: كتاب يناقش فيه العلاقة بين الحضارة الغربية والحضارات الأخرى ومواضع الاشتباك والتأثير.
  • الحضارة في الميزان: يناقش فيه نظرية الحضارة وتحدياتها وأزماتها مقارنة بين الشرق والغرب.
  • تاريخ البشرية: نظرة شاملة حول تاريخ الإنسانية وعلاقة الإنسان بالأرض عبر العصور.
  • بحث في التاريخ: نسخ مختصرة من موسوعته الضخمة عن فلسفة التاريخ، وما زالت تُعد مرجعًا مهمًا.
  • محاضرات أرنولد توينبي: نصوص لمحاضراته التي ألقاها خلال زياراته إلى دول عربية عدة، ولا سيما مصر.
  • فلسطين.. جريمة ودفاع: كتاب سياسي يتناول القضية الفلسطينية من منظور تاريخي؛ هذا إلى جانب العديد من المقالات والدراسات والمحاضرات التي تُرجم كثير منها إلى العربية، وتناولت قضايا الشرق الأوسط، التاريخ الإنساني، وفلسفة الحضارات.
ومن الجدير بالذكر أن هنالك العديد من الشخصيات الغربية المنصفة التي عبّرت عن إعجابها أو احترامها للإسلام ورسالة التوحيد، وشهدت للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - بمواقفه وأخلاقه العظيمة عبر التاريخ؛ بعضهم كتب شهادات قوية ما زالت تُقتبس وتُستخدم في الحوار حول صورة الإسلام في الغرب حتى اليوم.

الشخصيات الغربية المنصفة وأبرز مقولاتهم:

  • خصص (توماس كارلايل) الفيلسوف والمؤرخ الإسكتلندي في كتابه «الأبطال» فصلاً كاملاً للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتب: «إنه كان عظيم الصدق عميق القلب، مفعماً بالرحمة والشفقة، صادقاً، لا يعرف الرياء أو الزيف».
  • ويقول الشاعر والفيلسوف الألماني يوهان غوته: «سوف نقبل جميعًا دين الإسلام عاجلاً أم آجلاً؛ هذا هو الدين الحقيقي. إذا دُعيت مسلمًا فلن أجد في الأمر مشكلة، فأنا أقر بذلك عن اقتناع.».
  • وكذلك عالم الفلك والمؤرخ الأمريكي (ميخائيل هارت): «إن اختياري لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ليكون أول الرجال في قائمة أعظم الشخصيات تأثيرًا في التاريخ، قد يندهش بعضهم له، أو قد يواجهونه بالاعتراض، لكنه كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على الصعيدين الديني والدنيوي.».
  • وهذا (جورج برنارد شو) الأديب والمسرحي البريطاني يقول: «إذا كان هناك دين يملك القدرة على حكم العالم الحديث بحلول منتصف هذا القرن، فهو الإسلام؛ فقد أصبحت ديانته تلائم كل المراحل والعصور، وأراه دين المستقبل».
  • وكذلك المؤرخ الإنجليزي الشهير (إدوارد جيبون) يقول : «إني أؤمن بإله واحد ومحمد رسول الله» وأشاد بأثر النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - على الإنسانية وقوة رسالته.. بلا شك أن الإسلام بوحدته الخالصة ونظامه المبني على العدالة والإنسانية، قد لاقى النجاح في كل ما تطمح إليه البشرية...».
  • كما أشار (وليام درابر) في كتابه عن تطور الفكر في أوروبا، إلى أن شخصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - تمثل نموذج الكمال الإنساني في الخُلق والشجاعة والحكمة.
  • ويبين (روبرت بريفولت عالم الاجتماع البريطاني) أن نهضة أوروبا الحقيقية انطلقت حين احتكت بالثقافة الإسلامية في الأندلس، مؤكدًا أن إسهامات المسلمين هي أساس اليقظة الأوروبية.
  • كما كتب (لورد هادلَي رئيس الجمعية الإسلامية البريطانية) عن تحولاته الفكرية والإيمانية، وأنه وجد في الإسلام الراحة والسكينة التي لم يبلغها قبل، قائلاً: «كنت في كهف مظلم فأخرجتني الشمس إلى رحابة الإسلام».
  • أما أعظم الأدباء والكتاب المفكرين الروس (ليو تولستوي) فيقول: «إذا قارنا الإسلام بالمسيحية، فإن الإسلام أعلى وأفضل، فقد أنارني كثيرًا».
  • ويقول (برتراند راسل): «قرأت الإسلام وأدركت أنه سيكون دين العالم كله والبشرية جميعًا».
وهكذا اتفقت جميع تلك الشخصيات المؤثرة على مستوى العالم في مجال الأدب والفكر والاجتماع على قيم أخلاقية جوهرية في رسالة الإسلام، مثل: توحيد الله الخالص، والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الناس، وعن تسامح الإسلام مع الشعوب الأخرى وتكريمه للعلم والأخلاق والمبادرة الإنسانية. ولا شك أن هذه الأصوات تعكس زاوية إنصاف تاريخية مهمة في الحوار المعاصر حول الإسلام والنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتشير إلى إشادة واضحة بصفاء توحيد الإسلام وعمق رسالته الحضارية، وتجعلها شواهد مهمة على إعجاب وتقدير غربي عريق للفكر الإسلامي وأخلاقيات رسالة التوحيد.

 

أرنولد توينبي في سطور:

  • مولده ونشأته: ولد في لندن عام 1889م، وتلقى تعليمه في أكسفورد، ثم عمل أستاذاً للتاريخ والعلاقات الدولية، وقد خدم في وزارة الخارجية البريطانية، وكان مستشاراً في مؤتمر السلام بعد الحرب العالمية الأولى.
  • من أبرز مؤلفاته: (دراسة التاريخ) في 12 مجلداً، و(الحضارة على المحك)، و(البشرية والعالم الأم)، وغيرها.
  • فكرته المركزية: يرى أن الحضارات تمر بمراحل (نشوء ونمو وانحدار  وسقوط)، وأن ما يميزها هو كيفية استجابتها لـ«التحديات»؛ فإذا نجحت الأمة في الاستجابة كان لها البقاء، وإن عجزت سقطت.
  • موقفه من الدين: يعدّ الدين العنصر الأعمق في تكوين الحضارات، وأن الانفصال عن الدين سبب رئيس في انحدارها، وصرّح بأن الحضارة الغربية مهددة بالسقوط؛ لأنها تنكرت للدين والأخلاق.

خلاصة القول:

       يعدّ أرنولد توينبي من أبرز المؤرخين الذين أنصفوا الحضارة الإسلامية، معترفاً بأن سر عظمتها يكمن في عقيدة التوحيد التي جعلت الأمة الإسلامية رائدة في التاريخ والنهضة، وأبقت الحضارة الإسلامية إسهامها العلمي والحضاري مرتبطاً بهذه العقيدة الأخلاقية الجوهرية. كما برزت الحضارة الإسلامية في فكر توينبي نموذجًا للاستجابة الناجحة للتحديات الحضارية، معتبراً أن قوة عقيدة التوحيد كانت السبب الرئيس في قدرتها على التحمل والتجدد ومواجهة الصراعات، وعلى الرغم من ذلك، كانت له بعض الانتقادات؛ إذ رأى أن التحولات السياسية - كالتحول من مكة إلى دولة المدينة - ربما مثلت بداية فقدان للبُعد الروحي، وهو ما اعتبره من منطلق مسيحي ضيق، وقد تلقى نقداً علمياً لتفسيره هذا من باحثين معاصرين، وكان يرى أن المسلمين بعد القرن السادس الهجري دخلوا مرحلة «الجمود»، لكنه أغفل أن التراجع كان بسبب الانحراف عن التوحيد الصحيح، وانتشار البدع والخرافات والتقليد الأعمى. كما اعتمد المنهج الوضعي، ولم ينطلق من وحي الله، ولم يفقه حقيقة التوحيد الإسلامي كاملاً؛ بل نظر إليه عنصرا اجتماعيا وحضاريا فقط، ولم يدرك أن الإسلام ليس مجرد حضارة دنيوية؛ بل هو دين الحق الخاتم.
  • وفي المقابل دعا توينبي الغرب لمحاكاة نظرة الإسلام لوحدانية الله والعودة إلى الروح الأخلاقية الشاملة، بدلاً من التركيز على الفردية والمادية، ويرى أن قوام نجاح أي حضارة يكمن في التوازن بين المادة والروح، وهو ما بلغته الحضارة الإسلامية بفضل التوحيد.
  • ويتبين لنا مما سبق أن أرنولد توينبي، رغم كونه مؤرخاً غربياً، إلا إنه قدّم إشارات مهمة حول مركزية الدين في بناء الحضارات، وأن الإسلام بما يحمله من عقيدة التوحيد كان له دور بارز في صناعة حضارة عالمية متميزة.
وعلى الرغم مما اعترى الحضارة الإسلامية من ضعف وتحديات على مر العصور والأزمان إلا إنه ستظل شامخة لأنها قامت على التوحيد الخالص، وما أصابها من ضعف إنما هو بقدر ما ابتعدت عن التوحيد واتبعت غير سبيل المؤمنين، وصدق الله -تعالى-: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} (النور: 55).  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك