
القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية – لكلِّ مجتهدٍ نصيب
هذه إحدى قواعد باب الاجتهاد الأصوليّة، وأصلها قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -: «إذا حكمَ الحاكمُ، فاجتهدَ فأصابَ، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأَ، فله أجرٌ».
والمعنى أنّ المجتهد لا بدّ أن يُؤجر، بأجرين إن كان مُصيبًا؛ لأنّ له أجر الصواب وأجر الاجتهاد، وبأجر واحد إن كان مخطئاً، هو أجر الاجتهاد فقط.
وهذا كلُّه مشروطٌ بما إذا كان مؤهّلاً لأن يجتهد في فنِّه، لا أن يقتحمه جاهلاً؛ لأن من تقحّم مجالاً من مجالات العلم متطفّلاً عليه، دون أن يكون له تأهيلٌ سابق، فقد أتى منكراً، وهو مأزورٌ غير مأجور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «من تَطَبَّبَ ولا يُعلم منه طِبٌّ، فهو ضامنٌ».
قال الخطّابي: «لا أعلم خلافاً في أنّ المُعالِج إذا تعدّى فتَلِفَ المريضُ كان ضامناً، والمُتعاطي علمًا أو عملاً لا يعرفُه متَعَدٍّ...».
وعن جابر -رضي الله عنه - قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجر فشَجَّه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمُّم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء! فاغتسل فمات! فلمّا قَدِمْنا على النبي -صلى الله عليه وسلم - أُخبر بذلك، فقال: «قتلوه قتَلَهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنّما شفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر -أو يعصب- على جُرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده».
فهذا كلُّ يدلُّ على أنّ من تجاوز حدوده، وتعاطى ما لا يحسنه من الصنائع والعلوم، فلا يُؤجر على فعله، ولا يُعفى عنه، بل يُكلَّف ضمان الأضرار التي ترتّبت على دعواه، وعلى تشبُّعه بما لم يُعطَ.
معنى القاعدة:
كلُّ من كان أهلاً للاجتهاد وتقدير الصواب في مجالٍ ما، فإنّ له نصيبًا من الثواب والأجر ولا بدّ، إذا صلحت نيّته لله -تعالى-، لأنّه لا يكون ثوابٌ إلا بنيّة.
من تطبيقات القاعدة:
1- قد تُنتقد المؤسسات الخيريّة في باب تقديراتها للأنصبة والحصص التي تفرضها شهريًّا للأسر المتعفِّفة وأهل الحاجات، ولن تعدم دوماً داعياً إلى الزيادة أو النُّقصان، ولا شكّ أن الانتقاد بهدف التصويب جيّد ومطلوب، أما الإهدار والانتقاص فلا يجوز، لأنّ التقديرات تُقرّر بناء على البحث والتفتيش والتنقيب من مؤهَّلين ومتخصِّصين، وهؤلاء يجوز لهم إبداء الرأي وتقرير ما يرونه مناسباً، وهم مأجورون في خطئهم وصوابهم.
2- لا بدّ من تحديث الأنظمة التقنيّة والإداريّة باستمرار في المؤسسات الخيريّة، وكذلك بقاء المؤسّسة على صلة بالسوق، وملاحظة ارتفاع الأسعار ونزولها، وشُحّ السّلع الأساسيّة وتوفّرها، لأنّ هذا كلّه ينعكس على صحّة تقديرها؛ للإنفاق الدَّوريِّ بالسّلب أو الإيجاب، وقد تنتقل إلى دائرة المؤاخذة والتقصير إذا بالغت في إهمال ذلك والإعراض عنه.
لا بدّ من الحفاظ عند محاولات النّقد والتصويب، على الحدّ الأعلى من الأخلاقيّات الأخويّة، لأنّ المؤهَّل إذا أخطأ، فغاية أمره أنّه سُلب الأجرَيْن واستقرّ له الأجر، ومثل هذا لتصويب عمله سبيلٌ غير سبيل علاج تصرُّفات المعتدين والمقصّرين والمهملين.
لاتوجد تعليقات