صفات اليهود في القرآن الكريم والســنة النبوية (17)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله وصحبه والتابعين:
ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وها نحن أولاء نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال سلف الأمة، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه:
13- الحسد
وهو من أخلاقهم المذمومة، ورذائلهم النفسية، وطبائعهم الخبيثة، وهو ذنب إبليس الأول الذي حمله على معصية الله تعالى، ورفض السجود لآدم عليه السلام، فاستحق اللعنة والطرد من رحمة الله تعالى.
وقد حملهم الحسد على ترك الإيمان برسول الله محمد [، والكفر به وبدينه، والنيل من صحابته رضوان الله عليهم؛ حسدا وظلما وعدوانا؛ قال تعالى {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} (البقرة: 109).
فيخبر الله سبحانه عن حسد كثير من أهل الكتاب، ويحذر من عداوتهم في الظاهر والباطن، وأنهم بلغت بهم الحال أنهم ودوا لو أنكم ترجعون إلى الكفر بالله تعالى والشرك، وقد سعوا في ذلك وحاولوا - كما سبق أن أوضحنا – ومكروا وكادوا؛ فرد الله كيدهم في نحرهم، وعصم المؤمنين من شرهم، مع أنهم يعلمون فضل الإيمان بالله سبحانه، وفضل نبي الله [، وفضل المؤمنين من الصحابة رضي الله عنهم، ولكن الحسد أعمى بصيرتهم، وأوردهم الهلاك!
فأمر سبحانه بالإعراض عنهم فقال: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير }.
وقال تعالى أيضا مبينا ما فعله الحسد باليهود، وما جرهم إليه من المنكر العظيم، من ترك الإيمان بالله تعالى وبرسول الله [، واعتاضوا عنه بالإيمان بالجبت والطاغوت، أي: السحر والكهانة، والعياذ بالله سبحانه، قال تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا * أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا * أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا} (النساء: 51 – 54).
فالحسد حملهم على الكفر بالله ورسوله [، والبغض له ولأصحابه، ففضلوا السحر والكهانة وعبادة غير الله، على شرع الله وكتابه، وقدموا طريقة المشركين عباد الأصنام والأوثان، على طريق المؤمنين بالله الموحدين؟! فما أشد عنادهم وتمردهم! وما أعظم حسدهم وبغيهم!
وكيف يمكن أن يفضل العاقل اللبيب دينا قام على الوثنية والشرك والجهل، وتسوية الخالق بالمخلوق، واستباحة المحرمات والخبائث، على الحنيفية السمحة، القائمة على عبادة الرحمن وحده لا شريك، والإخلاص له في السر والعلن، والمستقيمة على صراط الله عز وجل، والاقتصار على الطيبات، وترك الخبائث والمحرمات، والتزام العدل في الأقوال والأفعال؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!!
ولهذا طردهم الله تعالى من رحمته، فقال: {أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} أي: فلن تجد له من يتولاه، ويقوم بمصالحه ويحفظه وينصره، وهذا من الخذلان، نعوذ بالله العظيم من ذلك.
ثم بين تعالى أن اعتراضهم على إيتاء الله النبوة لمحمد النبي [ هو اعتراض في غير محله؛ لأن الأمر ليس لهم، ولا يملكونه، ولو كان الأمر بأيديهم لبخلوا به، وشحوا أشد الشح، ولم يؤتوا الناس شيئا، ولا نقيرا، وهي النقرة التي بظهر نواة التمر، وضربت مثلا للشيء الزهيد.
أم إن الحامل لهم هو الحسد للرسول النبي [ وللصحابة على ما أنعم الله به عليهم من نعمة الإسلام والإيمان، فإن الحسد طبعهم وسجيتهم، ولا غرابة في ذلك! وليس عنهم ببعيد!
وقوله: {فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} أي: قد أنعم الله فيما مضى على خليله إبراهيم وذريته عليهم الصلاة والسلام، بإنزال الكتب، وإيتاء النبوات، فكيف ينكرون إنعامه على محمد النبي [ وأصحابه بالنبوة والكتاب، فكانوا أعلم الناس بالله تعالى وأتقاهم وأخشاهم، أم كيف يجحدون فضله عليهم بالملك العظيم، وبالنصر على أعدائهم ومخالفيهم؟!
ثم قال سبحانه: {فمنهم من آمن ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا} أي: فمنهم من آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وما آتاه الله من فضله، ومنهم من صد عنه وكفر بذلك، وكفى بالنار وجحيمها عقوبة له على كفره وعناده.
ومن صور حسدهم في السنة النبوية: ما بينه النبي [ في حديثه:
1 - فقد روى ابن ماجة في سننه ( 856) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي [ قال: «ما حسدتكم اليهود على شيء، ما حسدتكم على السلام والتأمين».
قال العلماء: إنما حسدوا المسلمين على ذلك، لما علموا فيهما من الفضل والخير والبركة.
فالتأمين وهو قولنا: «آمين» كلمة تعني: اللهم استجب لنا دعاءنا.
وقد جاء في الحديث: أن «من وافق تأمينه تأمين الملائكة، غفر له ما تقدم من ذنبه». رواه البخاري ( 780، 781، 782 ) وغيره.
والموافقة هي الموافقة في القول والزمان، أي: يقولها في محلها بعد الإمام دون غفلة عنها، وهي قول يسير لا كلفة فيه ولا مشقة، وفيها هذا الفضل العظيم من تكفير الذنوب حتى قيل: إنها تشمل الصغائر والكبائر لعموم الحديث.
وكذا السلام؛ فإنه اسم من أسماء الله تعالى، فهو المسلم على عباده، من أنبيائه ورسله والمؤمنين، في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} (النمل: 59).
وهو شعار المسلمين المميز لهم عن غيرهم من الملل، وقد تساهل فيه كثير من المسلمين؛ فتركوا السلام إلا على من يعرفون؟! واستبدلوا به أنواع أخرى من التحيات؟!
وقد ورد الأمر بإفشاء السلام بين المسلمين، قال تعالى: {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} (النور: 61).
فقوله: {من عند الله}، أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم، «مباركة» لما فيها من البركة والخير والنماء «طيبة» لأنها كلام طيب محبوب لله سبحانه، وبه تطيب النفوس، ويحصل التآلف والتحاب والتواد.
وإفشاء السلام علامة الإيمان، ومن أسباب دخول الجنة، وعنوان التواضع.
2 – و من حسدهم أيضا: ما جاء فيما رواه أحمد ( 25029 ): عنها أيضا: أنه قال [: «... إنهم لا يحسدوننا على شيء، كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا الله لها، وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين». وصححه الألباني في الترغيب (515)
وهذا أيضا لما في يوم الجمعة من الفضل والبركة، وكونها عيد المسلمين الأسبوعي، وقد ضلوا عنه هم والنصارى، كما قال النبي [: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم قبل الخلائق» رواه مسلم ( 856 ).
وقال أيضا [: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق الله آدم، فيه قبض، وفيه الصعقة وفيه النفخة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» رواه أحمد ( 4 / 8 ) وأبو داود (1047 ) وابن ماجة ( 3/91، 92 ).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله [: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه؛ خلق الله آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة» أخرجه الترمذي ( 488 ).
وفيه أيضا: «ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو يصلي، يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه» رواه مالك في الموطأ (1/108، 110) وأحمد (2/486 ) وأصحاب السنن إلا ابن ماجة.
وقوله - وهو يصلي - أي: ينتظر الصلاة، كما فسره ابن سلام رضي الله عنه.
وقد حذر النبي [ أمته من هذا الداء الوبيل؛ فعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله [: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين، لا حالقة الشعر، والذي نفسي بيده لن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» رواه أحمد (1/165)، وغيره.
لاتوجد تعليقات