شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 125 ) باب: تركُ الأذان والإقامة في العيدين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
.عن جابِرِ بنِ سَمُرَةَ قال: صَلَّيْتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم العِيدَيْنِ، غَيرَ مرَّةٍ ولا مَرَّتَيْنِ، بِغَيْرِ أَذَانٍ ولَا إِقَامَةٍ.
الشرح:
قال المنذري: باب: تركُ الأذان والإقامة في العيدين.
والحديث أخرجه مسلم في صلاة العيدين (2/604).
والعيد سمي عيداً، لعوده وتكرّره، وقيل: لعود السُرور فيه، وقيل: تفاؤلاً بعوده على مَن أدركه، كما سُميت القافلة حين خروجها، تفاؤلاً لقفولها سالمة، وهو رجوعها وحقيقتها الراجعة.
وصلاة العيد شعيرة ظاهرة من شعائر أهل الإسلام.
وقد اختلف العلماء في حكم صلاة العيدين على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها سُنة مُؤكدة. وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي.
والقول الثاني: أنها فرض كفاية، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وأبو سعيد الإصطخري من الشافعية.
القول الثالث: أنها واجبةٌ على كل مسلم، فتجب على كل ذكر بالغ عاقل، ويأثم من تركها من غير عذر. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله، ورواية عن الإمام أحمد.
وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني رحمهما الله.
انظر: المجموع (5/5)، المغني (3/253)، الإنصاف (5/316)، الاختيارات (ص 82).
قال الكاساني: والصحيح أنها واجبة، وهو قول أصحابنا انتهى.
ولا تجب صلاة العيد على المسافر، ولا على أهل البوادي، كما تجب عليهم صلاة الجماعة.
كما أن الحاج في منى لا يُخاطب بها، ولا يؤمر بأدائها.
واستدل مَنْ قال بوجوبها بأدلة عدة، منها:
1- قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر:2.
قال ابن قدامة في (المغني): المشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد اهـ.
وذهب بعض العلماء إلى أنّ المراد من الآية الصلاة عموماً، وليست خاصة بصلاة العيد، فمعنى الآية: الأمر بإفراد الله تعالى بالصلاة والذبح، فتكون كقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:162).
وهو اختيار ابن جرير (12/724)، وابن كثير (8/502).
فعلى هذا لا دليل في الآية على وجوب صلاة العيد.
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالخروج إليها، حتى النساء.
فقد روى البخاري (324) ومسلم (2/605): عن أُمِّ عطِيَّةَ -رضي اللَّهُ عنها- قالَتْ: أَمَرَنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ والأَضحى: الْعَوَاتِقَ والْحُيَّضَ وذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ، ويَشْهَدْنَ الْخيرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ. قال: «لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا».
والْعَوَاتِق جمع عَاتِق، وهي مَنْ بلَغتْ الْحُلم أَو قارَبَتْ , أَو استحقَّت التَّزْوِيج. وذَوَات الْخُدُور: هن الأبكار.
فالحديث يدل على وجوب صلاة العيد، وهو أقوى من الاستدلال بالآية السابقة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها النساء العواتق وذوات الخدور أن يخرجن إلى صلاة العيد، بل أمر الحيّض أنْ يخرجن إلى صلاة العيد، ولكن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكدها.
3- قوله صلى الله عليه وسلم : «وجب الخروج على كل ذاتِ نطاق في العيدين» رواه أحمد والطيالسي.
إذا وجب الخروج على كل من تملك حجابا تخرج به، فكيف بالرجال؟!
4 – كذلك استدلوا على وجوبها: بمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها دون تركها ولو مرة.
وأنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يصلى التطوع بجماعة، ما خلا قيام رمضان وكسوف الشمس وصلاة العيدين، فإنها تؤدى بجماعة، فلو كانت سُنة ولم تكن واجبة، لاستثناها الشارع كما استثنى التراويح وصلاة الكسوف.
قال النووي في المنهاج: فإذا قلنا: فرض كفاية، فامتنع أهلُ موضعٍ من إقامتها، قُوتلوا عليها كسائر فروض الكفاية، وإذا قلنا: إنها سُنة لم يقاتلوا بتركها، كسنة الظهر وغيرها، وقيل: يقاتلون لأنها شعارٌ ظاهر انتهى.
وقال الشيخ ابن باز في (مجموع الفتاوى) (13/7) عن القول بأنها فرض عين، قال: «وهذا القول أظهر في الأدلة، وأقرب إلى الصواب» اهـ.
وكذا قال الشيخ ابن عثيمين: «والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين، وأنه يجب على كل ذكر أنْ يحضر صلاة العيد، إلا من كان له عذر» اهـ. (مجموع الفتاوى) (16/214).
وينبغي العلم بأنها لا تجب على المسافر، ولا على أهل البوادي كما تجب عليهم صلاة الجماعة.
كما أن الحاج في منى لا يُخاطب بها، ولا يؤمر بأدائها.
إلا أنها شعيرة ظاهرة، وهي من شعار أهل الإسلام، فلا ينبغي تركها.
قوله «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين» أي: في حال كثير، وسنوات متعددة.
قوله: «بغير أذان ولا إقامة» فيه دليل: على أنه لا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين.
قال النووي: وهو إجماع العلماء، وهو المعروف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، ونقل بعض السلف فيه شيءٌ خلاف إجماع من قبله وبعده انتهى.
قال الترمذي: وفي الباب عن جابر بن عبد الله وابن عباس.
والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ألا يؤذن لصلاة العيدين، ولا لشيء من النوافل.
قال الحافظ العراقي: وعليه عمل العلماء كافة.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا نعلم في هذا خلافا ممن يعتد بخلافه، إلا أنه روي عن ابن الزبير أنه أذن وأقام. قال: وقيل: إن أول من أذن في العيدين زياد انتهى.
وقد روى مسلم أيضا (2/604) عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ قال: شَهِدْتُ مَع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ يومَ العِيدِ، فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قبلَ الْخُطْبَةِ، بغيرِ أَذَانٍ ولا إِقامةٍ.
وفي الرواية الأخرى عنه عند مسلم أيضا: لا أَذَانَ للصَّلاةِ يومَ الْفِطْرِ حين يَخْرُجُ الإِمَامُ، ولا بعدَ ما يَخرُجُ، ولا إِقَامَةَ ولا نِدَاءَ، ولا شَيءَ، لا نِدَاءَ يومَئِذٍ ولا إِقَامةَ.
وروى البخاري (960) ومسلم (2/604) عن ابْنِ عبَّاسٍ وعن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ الأَنْصارِيِّ قالا: لم يَكُنْ يُؤَذَّنُ يومَ الْفِطْرِ ولا يومَ الأَضْحَى.
فهذه أدلة من السُنة النبوية الصحيحة، على أنه لا أذان لصلاة العيد ولا إقامة، ولا ينادى لها بشيء.
وذهب بعض العلماء إلى أنه ينادى لها بقول: الصلاة جامعة، قياساً على صلاة الكسوف!
وهو قياس في مقابلة الحديث، فلا يعتد به.
قال ابن قدامة رحمه الله: «وقال بعضُ أَصحابِنا: يُنَادى لها: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ، وهو قولُ الشَّافعي. وسُنَّةُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ» اهـ.
وقول جابر «ولا شَيءَ» يدل على أنه لا ينادي لها بشيء.
225- باب: صلاة العيدين قبل الخطبة
431.عن ابن عباسٍ قال: شَهِدْتُ صلاةَ الْفِطرِ مع نبِيِّ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأَبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ، فكلُّهُم يُصلِّيها قبلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يَخْطُبُ، قال: فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيه حينَ يُجَلِّسُ الرِّجَالَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَقْبلَ يَشُقُّهُمْ، حتى جاءَ النِّساءَ ومعهُ بِلَالٌ، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} (الممتحنة:12)، فَتَلَا هَذه الْآيَةَ حتَّى فَرَغَ مِنها، ثُمَّ قال حينَ فَرَغَ منها: «أَنْتُنَّ على ذلك» فقالَت امْرَأَةٌ واحِدَةٌ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُها مِنْهُنَّ: نعم يا نَبِيَّ اللَّهِ، لَا يُدْرَى حينَئِذٍ منْ هي، قال: «فَتَصَدَّقْنَ» فَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ، ثُمَّ قال: هَلُمَّ فِدًى لكُنَّ أَبِي وأُمِّي، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الْفَتَخَ والْخَوَاتِمَ في ثَوْبِ بِلَالٍ.
الشرح:
قال المنذري: باب: صلاة العيدين قبل الخطبة.
والحديث أخرجه مسلم في صلاة العيدين (2/602).
وأخرج البخاري (961) نحوه عن جابررضي الله عنه .
قوله: «شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب» قال النووي: فيه دليل لمذهب العلماء كافة: أن خُطبة العيد بعد الصلاة.
قال القاضي: هذا هو المتفق عليه من مذاهب علماء الأمصار، وأئمة الفتوى، ولا خلاف بين أئمتهم فيه، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده، إلا ما روي أن عثمان في شطر خلافته الأخير، قدّم الخطبة؛ لأنه رأى من الناس من تفوته الصلاة. وروي مثله عن عمر، وليس بصحيح، وقيل: إنّ أول من قدمها معاوية، وقيل: مروان بالمدينة في خلافة معاوية، وقيل: زياد بالبصرة في خلافة معاوية، وقيل: فعله ابن الزهري في آخر أيامه.
وخطبة العيد سنة مؤكدة مستحبة، ولا يجب الجلوس لها، لحديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة قال: «إنَّا نخطب، فمنْ أحبّ أنْ يَجلس فليجلس، ومنْ أحبَّ ألا يجلس فليذهب» رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
ولم يرد في افتتاح خطبة العيدين بالتكبيرات شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما ورد عن التابعين وغيرهم.
قوله: «يجلس الرجال بيده» أي: يأمرهم بالجلوس.
قوله: «فقالت امرأة واحدة، لم يجبه غيرها منهن: يا نبي الله، لا يدري حينئذ من هي» هكذا وقع في جميع نسخ مسلم «حينئذ» وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ. قال هو وغيره: وهو تصحيف، وصوابه: لا يدري «حسن» من هي، وهو حسن بن مسلم روايه عن طاوس عن ابن عباس، ووقع في البخاري على الصواب من رواية إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق: «لا يدري حسن».
ويحتمل تصحيح «حينئذ» ويكون معناه لكثرة النساء، واشتمالهن ثيابهن، لا يُدرى من هي؟
قوله: «فنزل النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء النساء ومعه بلال» قال القاضي: هذا النزول كان في أثناء الخطبة، وليس كما قال إنما إليهن بعد فراغ خطبة العيد، وبعد انقضاء وعظ الرجال، وقد ذكره مسلم صريحا في حديث جابر، قال: «فصلى ثم خطب الناس، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن» فهذا صريح في أنه أتاهن بعد فراغ خطبة الرجال.
قال النووي: وفي هذه الأحاديث استحباب وعظ النساء، وتذكيرهن الآخرة، وأحكام الإسلام، وحثهن على الصدقة، وهذا إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، وخوف على الواعظ أو الموعوظ أو غيرهما.
وفيه: أنّ النساء إذا حضرن صلاة الرجال ومجامعهم، يكن بمعزل عنهم خوفا من فتنة أو نظرة أو فكر ونحوه.
وفيه: أنّ صدقة التطوع لا تفتقر إلى إيجاب وقبول، بل تكفي فيها المعاطاة؛ لأنهن ألقين الصدقة في ثوب بلال، من غير كلام منهن ولا من بلال، ولا من غيره، وهذا هو الصحيح في مذهبنا، وقال أكثر أصحابنا العراقيين: تفتقر إلى إيجاب وقبول باللفظ كالهبة، والصحيح الأول، وبه جزم المحققون.
قوله: «فدى لكنّ أبي وأمي» هو مقصور بكسر الفاء وفتحها، والظاهر أنه من كلام بلال.
قوله: «فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال» الفتخ هو بفتح الفاء والتاء المثناة فوق، وبالخاء المعجمة، واحدها فتخة كقصبة وقصب. واختلف في تفسيرها ففي صحيح البخاري:عن عبد الرزاق قال: هي الخواتيم العظام، وقال الأصمعي: هي خواتيم لا فصوص لها، وقال ابن السكيت: خواتيم تلبس في أصابع اليد، وقال ثعلب: وقد يكون في أصابع الواحد من الرجال، وقال ابن دريد: وقد يكون لها فصوص وتجمع أيضا فتخات وأفتاخ.
والخواتيم: جمع خاتم، وفيه أربع لغات: فتح التاء وكسرها، وخاتام وخيتام.
وفي هذا الحديث من الفوائد: جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها، ولا يتوقف ذلك على ثُلث مالها، قال النووي: هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال مالك: لا يجوز الزيادة على ثلث مالها، إلا برضاء زوجها.
ودليلنا من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسألهن:أستأذنَّ أزواجهن في ذلك، أم لا؟ وهل هو خارج من الثلث، أم لا؟ ولو اختلف الحكم بذلك لسأل.
وأشار القاضي إلى الجواب عن مذهبهم: بأن الغالب حضور أزواجهن، فتركهم الإنكار يكون رضاء بفعلهن. وهذا الجواب ضعيف أو باطل؛ لأنهن كن معتزلات، لا يَعلم الرجال من المتصدقة منهن من غيرها، ولا قَدر ما يتصدّق به، ولو علموا، فسكوتهم ليس إذناً.
لاتوجد تعليقات