رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 6 أكتوبر، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الحِجَامةُ للمُحْرِم

 

  • الحِجامةُ وَسيلةٌ مِن الوَسائلِ الطِّبِّيةِ الَّتي تُستعمَلُ في استخراجِ الدَّمِ الفاسدِ مِن الجسمِ للتَّداوي وتعدّ الحجامة من الطب النبويّ
  • في الحديث جواز الحجامة للمحرم ولا فدية عليه وأنّ خُروج الدم من المحرم لا يضر إحرامه ولا شيء عليه
  • يشرع العِلاجِ للمُحرِمِ مِن كلِّ ما يعرَض له مِن عِلَّةٍ في جَسَدِه بما يُرْجى دفْعُ مَكروهِها عنه مِن الأدويةِ المُباحةِ
 

عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/863) باب: جواز الحجامة للمُحرم، ورواه أيضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، ورواه البخاري بلفظ: «احْتَجَمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - وهو مُحْرِمٌ بلَحْيِ جَمَلٍ، في وسَطِ رَأْسِهِ».في هذا الحديثِ يُخبِرُ الصحابي عبداللهِ ابنُ بُحَينةَ - رضي الله عنه - وهو ابن مالك وبحينة هي أمّه. أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - قد احتَجَم وهو مُحْرم، أي: وهو مُتلبِّسٌ بالإحرامِ للحجِّ أو العُمرةِ، وكانت الحِجامةُ في وسَطِ رَأسِه -صلى الله عليه وسلم .

وَسيلةٌ مِن الوَسائلِ الطِّبِّيةِ

        والحِجامةُ وَسيلةٌ مِن الوَسائلِ الطِّبِّيةِ الَّتي تُستعمَلُ في استخراجِ الدَّمِ الفاسدِ مِن الجسمِ للتَّداوي، وتعدّ الحجامة من الطب النبويّ، وتُستخدم لعلاج العديد من الأمراض والمشكلات الصحيّة، وذلك من خلال جذب كميّة من الدم باستخدام كاسات الهواء من المكان المصاب إلى الجلد، ثمّ يتم إخراج هذا الدم الفاسد إلى خارج الجسم، وبالتالي ينقطع عن الدورة الدمويّة فيخفّف بذلك من الألم والالتهاب الحاصل في المكان.

الحِجَامة وسط الرّأس

        والحِجَامة وسط الرّأس: تعالج الصداع الكُلي في الرأس، وتتخلص من الشقيقة، وتقلل من الحساسيّة والتهابات الجيوب الأنفيّة، وتعالج أمراض العيون والتهاباتها، والتهابات الأذن الوسطى والداخليّة، وتحمي من اضطرابات المتعلقة بجهاز الدوران، وتنشط الذاكرة وتزيد من التركيز والنشاط، وتخلّص من الأمراض العقليّة والعصبيّة، وتعطي الهدوء والراحة للأعصاب، وتعالج مشكلات الأسنان، وتتخلص من التهابات العصب، وتحمي من ارتفاعات ضغط الدم، والشلل النصفي، والنزيف المهبلي، وتخلص من الضغوطات النفسيّة والتعب، والأرق، والإجهاد، وتحسن تدفق الدم عبر الدماغ، ومن ثم تزيد من التركيز والنشاط، وقد بيّن كثيرٌ من العلماء فضل الحِجامة وأماكنها، كالإمام ابن القيم في (زاد المعاد)، ولنا كتاب في الحجامة مطبوع.

قولُه: «بلَحْيِ جَمَلٍ»

        هو مكانٌ على طَريقِ مكَّةَ، يَبعُدُ عن المدينةِ قُرابةَ سَبعةِ أميالٍ، أي: (12 كم) تقريبًا، وروى البخاري: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أنَّ النّبيَّ -صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحْتَجَمَ وهو صَائِمٌ»، فيُخبِرُ عبداللهِ بنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم - احتجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحتجَمَ أيضًا وهو صائمٌ. وظاهِرُ الحديثِ: أنَّه -صلى الله عليه وسلم - وقَعَ منه الأمرانِ المذكورانِ مُفترِقَينِ، وفي رِوايةِ البخاريِّ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - احتَجَمَ وهو مُحرِمٌ في رَأسِه مِن شَقيقةٍ كانتْ به. والشقيقة نَوعٌ مِن صُداعٍ يَعرِضُ في مُقدَّمِ الرأسِ وإلى أحدِ جانبَيهِ، وكان احتجامُه -صلى الله عليه وسلم - وهو مُحرِمٌ. وورد الحثّ على الحجامة في أيام من الشهر أحاديث، منها: ما أخرجه أبو داود: من حديث أبي هريرة رفعه: «مَنْ احْتَجم لسَبْع عشرة، وتِسْع عشرة، وإحْدَى وعشرين، كان شفاءً مِنْ كلّ داء».

فوائد الحديث

  • جواز الحجامة للمحرم ولا فدية عليه، وأنّ خُروج الدم من المحرم لا يضر إحرامه ولا شيء عليه، ومثله جواز إجْراء الجراحة للمُحرّم ولا شيء عليه، ومَشروعيَّةُ العِلاجِ للمُحرِمِ مِن كلِّ ما يعرَض له مِن عِلَّةٍ في جَسَدِه، بما يُرْجى دفْعُ مَكروهِها عنه مِن الأدويةِ المُباحةِ.
  • وكذا جواز قلع الضرس ونحوه للمحرم، ولا شيء عليه.
  • وفيه: جواز التدواي للمحرم بما لا طيب فيه، ولا شيء عليه.
  • أنّ اللهُ -عزَّ وجلَّ- قد بيَّنَ وكذا رَسولُه - صلى الله عليه وسلم - ما يَحِلُّ للمُحرِمِ فِعلُه، وما يَحرُمُ عليه، ونَقَلَ ذلك الصَّحابةُ الكرامُ -رضي الله عنهم- أجمعينَ.

باب: مُدَاواةُ المُحْرِم عَيْنيه

       عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَلَلٍ، اشْتَكَى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالرَّوْحَاءِ اشْتَدَّ وَجَعُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَسْأَلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنْ اضْمِدْهُمَا بِالصَّبِرِ، فَإِنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ ضَمَّدَهُمَا بِالصَّبِرِ. الحديث أخرجه مسلم في الحج (2/863) باب: جواز مُداوة المُحرّم عينيه.

       في هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ نُبَيْهُ بنُ وَهْبٍ أنَّهم خَرَجوا مُحْرِمينَ بالحجِّ ومَعَهم أَبانُ بنُ عُثمانَ بنِ عفَّانَ - رضي الله عنه -، وكان أميرًا على الحجَّاجِ، فلمَّا وَصَلوا إلى مِنطقةِ مَللٍ، وهي إلى الغربِ مباشرةً من حَوضِ وادي العَقيقِ غربَ المدينةِ، وتَبعُدُ عنها قُرابةَ 50 كم في هذه المِنطَقةِ بدأَ عُمرُ بنُ عُبيدِ اللهِ في الشِّكايةِ مِن وَجعِ عَينَيْه. ثُمَّ لَمَّا وَصَلوا إلى مِنطَقةِ الرَّوْحاءِ، زادَ وجَعُ عَينَيْه ممَّا يَقتَضي المُداواةَ، والرَّوحاءُ: موضِعٌ بينَ الحرَمَينِ، على بُعدِ 80 كيلومتراً منَ المدينةِ، فأرسَلَ إلى أبانَ بنِ عُثمانَ يَسألُه عن حُكمِ التَّداوي في العَينِ للمُحرِمِ، فأرسَلَ إليه أَبانُ بنُ عُثمانَ بالإِجابةِ، وهي: أنَّ أباه عُثمانَ بنَ عفَّانَ - رضي الله عنه - رَوى عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ المُحرِمَ إذا اشْتَكى عَينَيْه ضَمَّدَهما، أي: شَدَّهما بالعِصابةِ معَ تَقْطيرِ الصَّبِرِ في العَينَينِ، والصَّبِرُ: عُصارةٌ جامدةٌ لشَجرٍ مُرٍّ، والمَقصودُ أنْ يَخلِطَ الصَّبِرَ بالماءِ، فيَقطُرَه في عَينَيْه، أو يَكتحِلَ بهِ، أو يَضعَه عَلى عَينيْه، والصَّبِرُ ليس بطِيبٍ، فلا يُمنَعُ منه المُحرِمُ.

فوائد الحديث

  • في الحديث جواز تَضميدُ العَينِ وغَيرِها بالصَّبِرِ ونحوِه للمُحْرِمِ، وقد اتفق العلماء على جواز تضميد العين وغيرها بالصّبر ونحوه ممّا ليس بطيب، ولا فدية في ذلك، فإنّ احتاج إلى ما فيه طيب جاز له فعله وعليه الفدية، واتفق العلماء على أنّ للمُحرم أنْ يكتحل بكحلٍ لا طيب فيه، إذا احتاج إليه ولا فدية عليه فيه، وأما الاكتحال للزّينة فمكروه عند الشافعي وآخرين، ومنعه جماعة منهم أحمد وإسحاق، وفي مذهب مالك قولان كالمذهبين، وفي إيجاب الفدية عندهم بذلك خلاف.
  •  الحَجُّ رُكنٌ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لِمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وقد حُظِرَ على المحرِمِ بعضُ المباحاتِ الَّتي كانتْ حَلالًا له قبلَ الإحْرامِ، وفي الحجِّ مَشقَّةٌ تَقتَضي التَّيسيرَ، ومِنَ التَّيسيرِ أنْ يُباحَ له المُداواةُ بالمُباحاتِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك