رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 يوليو، 2019 0 تعليق

شرح كتاب الجنائز من صحيح مسلم – سؤال الملكين للعبد إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ (1)

 

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قال: قال نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ؛ وتَوَلَّى عنه أَصْحَابُهُ؛ إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ: قال: يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ؛ فيَقُولَانِ لهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ قَال: فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ؛ قَال: فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنْ الْجَنَّةِ. قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا». قال قَتَادَةُ: وذُكِرَ لنا أَنَّهُ «يُفْسَحُ لَهُ في قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، ويُمْلَأُ عَليهِ خَضِرًا إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ». الحديث أخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها (4/2200) وبوب عليه النووي التبويب السابق.

     وأخرجه البخاري في كتاب الجنائزِ؛ باب ما جاء في عذاب القَبْرِ (1374) وزاد: «وأَمَّا المُنافقُ والْكافِرُ؛ فيُقالُ له: ما كنتَ تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ؟ فيَقُولُ: لا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ ما يَقُولُ النَّاسُ، فيُقالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُها مَنْ يَلِيهِ غيرَ الثَّقَلَيْنِ».

قوله: «إن العبد إذا وُضِع في قبره».

     كذا وقع عند الشيخين مختصراً، وأوله عند أبي داود: أنَّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَل نخلاً لبني النجار، فسمع صوتاً ففزع؛ فقال: «مَنْ أصحاب هذه القبور؟» قالوا: يا رسول الله، ناسٌ ماتوا في الجاهلية. فقال: «تعوَّذُوا بالله من عذاب القبر ومن فتنة الدجال». قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: «إن العبد...» فذكر الحديث؛ فأفاد بيان سبب الحديث.

قوله: «وإنّه ليسمع قرع نعالهم».

     زاد في رواية: «إذا انْصرفوا». وفي رواية له: «يأتيه ملكان». زاد ابن حبان والترمذي من طريق أبي هريرة: «أسْودان أزْرقان، يقال لأحدهما: المُنْكر، وللآخر النكير»، وفي رواية ابن حبان: «يقال لهما مُنكر ونكير»، قال الحافظ: وذكر بعض الفقهاء أنّ اسم اللذين يسألان المذنب: منكر ونكير، وأنّ اسم اللذين يسألان المطيع: مبشر وبشير.

قوله: «فيقعدانه».

     زاد في حديث البراء: «فتُعاد روحه في جسده». وزاد ابن حبان والطبراني في الأوسط: عن أبي هريرة مرفوعا: «فإنْ كان مُؤمناً، كانت الصلاةُ عند رأسه، وكان الصيامُ عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعلُ الخيرات من الصّدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه؛ فيُؤتى من قبل رأسه؛ فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يُؤتى عن يمينه؛ فيقول الصيامُ: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره؛ فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه؛ فيقولُ فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قبلي مدخل؛ فيقال له: اجْلس؛ فيجلس قد مُثّلت له الشمس، وقد دنت للغروب...». وحسّنه الألباني في الترغيب (3561).

ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟

     قوله «فيَقُولَانِ لهُ: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ قال: فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ». وفي رواية ابن حبان والطبراني: فيقال له: أرأيتك هذا الذي كان قبلكم؟ ما تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ فيقول: دَعُوني حتى أُصلي؛ فيقولون إنك ستفعل، أخبرنا عمّا نسألك عنه، أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم؟ ماذا تقول فيه؟ وماذا تشهد عليه؟ قال فيقول: محمد؛ أشهدُ أنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله؛ فيُقال له: على ذلك حييت، وعلى ذلك متَّ، وعلى ذلك تُبْعث إنْ شاء الله..».

هذا مقعدك منها

     وزاد ابن حبان والطبراني: «... ثم يفتح له باب من أبواب الجنة؛ فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسروراً، ثم يُفتح له باب من أبواب النار؛ فيقال له: هذا مقعدك وما أعدّ الله لك فيها لو عصيته؛ فيزداد غبطة وسروراً، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا، وينوّر له فيه، ويُعاد الجسد كما بدأ منه؛ فتجعل نسمته في النسيم الطيب، وهي طيرٌ تَعْلق في شجر الجنة؛ فذلك قوله: (يُثبّتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) الآية».

قوله: «فيَقُولَانِ له: ما كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟» وفي البخاري: «ما كنت تقول في هذا الرجل محمد؟». وزاد أبو داود في أوله: ما كنت تعبد؟ فإنْ هداه الله قال: كنتُ أعبد الله. فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟».

ولأحمد من حديث عائشة: «ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟». وله من حديث أبي سعيد: فإنْ كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله؛ فيقال له: صدقت. زاد أبو داود: «فلا يسأل عن شيء غيرهما».

المؤمن أو المُوقن

     وفي حديث أسماء بنت أبي بكر في البخاري في العلم والطهارة وغيرهما: «فأما المؤمن أو المُوقن؛ فيقول: محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا. فيقال له: نم صالحاً».وفي حديث أبي سعيد عند سعيد بن منصور: فيقال له: نم نومة العروس، فيكون في أحلى نومةٍ نامها أحد حتى يبعث.

     وللترمذي في حديث أبي هريرة: ويقال له: نم، فينام نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. ولابن حبان، وابن ماجة من حديث أبي هريرة، وأحمد من حديث عائشة: ويقال له: على اليقين كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله.

انظر إلى مقعدك من النار

     قوله: «فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار» في رواية أبي داود: «فيقال له: هذا بيتك كان في النار، ولكن الله -عز وجل- عصمك ورحمك، فأبدلك الله به بيتا في الجنة؛ فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشّر أهلي، فيقال له: اسكت». وفي حديث أبي سعيد عند أحمد: «كان هذا منزلك لو كفرت بربك». ولابن ماجة من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح: «فيقال له: هل رأيتَ الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحدٍ أنْ يرى الله، فتُفْرج له فرجة قبل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً، فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله».

وفي أواخر الرقاق في البخاري: عن أبي هريرة: «لا يدخل أحدٌ الجنة؛ إلا أُري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا». وذكر عكسه.

يُفسح له في قبره

     قوله: «قال قتادة: وذكر لنا أنه يُفسح له في قبره» وفي رواية: «سبعون ذراعا، ويُملأ خُضراً إلى يوم يبعثون». وكذا للترمذي وابن حبان من حديث أبي هريرة: «فيفسح له في قبره سبعون ذراعا». زاد ابن حبان:» في سبعين ذراعا». وفي حديث البراء الطويل: «فيُنَادي منادٍ من السماء: أنْ صَدَقَ عبدي؛ فأفْرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً في الجنة، وألْبسوه من الجنة، قال: فيأتيه مِنْ روحها وطيبها، ويفسح له فيها مدَّ بصره».

زاد ابن حبان: عن أبي هريرة: «فيزداد غبطةً وسروراً، فيعاد الجلد إلى ما بدأ منه، وتجعل روحه في نَسَم طائر يعلق في شجر الجنة».

     وخرّج الإمام أحمد: عن كعب بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «نَسَمة المؤمن طائرٌ يَعْلق في شَجَر الجنة؛ حتى يُرجعه اللهُ إلى جَسده يوم يبعثه». ومعنى «يعلق» أي: يأكل، وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود مرفوعا:» أرواح الشهداء في جوف طير خضر؛ لها قناديل معلقة بالعرش، تَسْرحُ في الجنة؛ حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل...» الحديث.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك