رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 أغسطس، 2010 0 تعليق

وعيـد اللـه وعقوباته لليهود في القرآن الكريم والسنة النبوية (3)

 

 

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وآله وصحبه, ومن اهتدى بهداه, وبعد:

قد ذكرنا في الحلقات السابقة, شيئا من وعيد الله تعالى وعقوباته التي أنزلها باليهود, في القرآن الكريم, والسنة النبوية المطهرة, بسبب عصيانهم لربهم تعالى, وكفرهم بنعمه, ومخالفتهم رسله, وبغيهم وعدوانهم, وللكافرين والفاسقين أمثالها, وما ربك بظلام للعبيد.

 

ومن ذلك أيضا:

5 – تحريم بعض الطيبات عليهم بسبب ظلمهم:

من العقوبات التي عاقب الله تعالى بها اليهود : تحريم بعض الطيبات عليهم بعد أن كانت حلالا عليهم؛ وذلك بسبب بغيهم وظلمهم , وقد بين الله تعالى ما حرمه عليهم في كتابه, فقال: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} (الأنعام: 146).

ففي هذه الآية بيان لما حرمه الله تعالى عليهم من الطيبات, جزاء ظلمهم وتعديهم على حرمات الله, وتضييقا عليهم, فلم يحرمه الله لخبثه وضرره, وإنما حرمه عليهم على وجه العقوبة والتأديب والردع, فحرم عليهم (كل ذي ظفر)، وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقوق الأصابع والحافر, كالإبل والنعام والبط, كما قال ابن عباس وغيره ( انظر الطبري 9/638 ).

{ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} كما حرم عليهم شحوم البقر والغنم , وليس جميع الشحم, بل شحم الألية والثرب - وهو الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء والكليتين – وأباح لهم: شحم الظهر, والحوايا وهو المباعر, وما اختلط بعظم.

ثم قال تعالى {ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} أي: ما حرمناه عليهم مما ذكرناه في الآية, إنما حرمناه عقوبة لهم منا على أعمالهم السيئة, وبغيهم وتطاولهم على حدود ربهم.

{وإنا لصادقون} في خبرنا هذا, وفي كل ما نقول ونفعل ونحكم به.

قال قتادة: إنما حرم الله عليهم ما ليس بخبيث,؛ عقوبة لهم, وتشديدا عليهم.

ثم حذرهم من الكفر والطغيان فقال: {فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين}أي: إن كذبك يا محمد هؤلاء اليهود وأمثالهم فيما أخبرناك من أنا حرمنا عليهم بعض الطيبات عقوبة لهم, فقل لهم: صحيح أن الله تعالى ذو رحمة واسعة, ورحمته وسعت كل شيء, ومن رحمته أنه لا يعاجل المسيء بالعقوبة, إلا أن بأسه إذا نزل بالعصاة من خلقة, والمصرين على الآثام والذنوب, لا يرد ولا يؤخر عنهم.

ومثل الآيات السابقة: قوله تبارك وتعالى في سورة النساء: {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا   وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما} (النساء: 160 – 161).

فيخبر تعالى فيها أيضا أنه حرم عليهم طيبات كانت لهم حلالا, وقال: {طيبات} إشارة إلى أنه لم يحرم عليهم كل الطيبات, بل حرم بعضها, ثم ذكر أنواعا من سيئاتهم التي أوجبت لهم تلك العقوبة:

فأولا: بسبب ظلمهم واعتدائهم, ثم بصدهم الناس عن سبيل الله الحق, ومنعهم عن الهدى, وبأخذهم الربا، وقد نهاهم الله عنه, وبأكل أموالهم بالحيل والشبه والرشوة.

قال العلماء: لما عاملوا خلق الله بالربا والظلم, ومنعوهم العدل، عاملهم الله بجنس عملهم, فحرم عليهم بعض الطيبات, ومنعهم منها تأديبا: {وما ربك بظلام للعبيد}.

ثم بين تعالى جزاءهم في الآخرة, فقال {وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما} أي: هيأنا لهم في الآخرة عذابا مؤلما موجعا؛ جزاء بغيهم وظلمهم.

وقد أنصف الله تعالى من يستحق الإنصاف منهم بعد ذلك وبشرهم بالثواب الجزيل, فقال: {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما}.

والراسخ في العلم هو الثابت عليه, المتمكن فيه والمتقن له, والمتبصر الذي عرف حقائقه, فلا تؤثر فيه الأهواء ولا الشبهات.

والمؤمنون بالله واليوم الآخر, وبك وبما أنزل إليك, وما أنزل من قبلك, والمقيمون للصلوات الدائمون عليها, والذين يعطون زكاة أموالهم, فهؤلاء سنعطيهم أجرا عظيما, ولا نضيع أجرهم.

 

6 – عقوبة المسخ:

من العقوبات التي أنزلها الله تعالى باليهود, عقوبة المسخ إلى صورة القردة والخنازير, نعوذ بمولانا الكريم من سخطه وغضبه.

قال الله تعالى: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين * فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} (البقرة: 65 – 66).

قال الحافظ ابن كثير: ولقد علمتم  يا معشر اليهود ما أحل من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله, وخالفوا عهده وميثاقه, فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت, والقيام بأمره إذ كان مشروعا لهم, فتحيلوا على اصطياد الحيتان (الأسماك ) في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت, فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة , نشبت بتلك الحبائل والحيل, فلم تخلص منها يومها ذلك, فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت, فلما فعلوا ذلك, مسخهم الله إلى صورة القردة, وهي أشبه شيء بالأناسي في الشكل الظاهر وليست بإنسان حقيقة, فكذلك أعمال هؤلاء وحيلتهم.

 

وهذه القصة مبسوطة في سورة الأعراف حيث يقول تعالى: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حياتهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} (الأعراف: 163).

قال قتادة: فصار القوم قردة تعاوى, لها أذناب بعد ما كانوا رجالا ونساء, فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم , فيقولون: يا فلان ألم ننهكم ؟! فيقولون برؤوسهم: أي بلى.

وعن أبي العالية: {كونوا قردة خاسئين} يعني: أذلة صاغرين.

وعن مجاهد وقتادة والربيع وأبي مالك نحوه انتهى مختصرا.

وقال سبحانه: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل} (المائدة: 60).

لما قدح اليهود في المؤمنين, وعابوا عليهم ما ليس بعيب, قال سبحانه {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون} (المائدة: 59)، والحقيقة أن العيب فيكم, وأن أكثركم فاسق خارج عن طاعة الله تعالى.

ثم أخبر تعالى عن شناعة ما كانوا عليه من صفات, فقال: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} من الذي نقمتم به علينا, {من لعنه الله} أي: أبعده عن رحمته, وهي الصفة الأولى.

{وغضب عليه} أي: سخط عليه وعاقبه بسبب كفره, وانهماكه في معصية الله, وهي الصفة الثانية.

{وجعل منهم القردة والخنازير} أي: مسخ بعضهم قردة, وبعضهم خنازير, لتعديهم حدود الله عز وجل, ومخالفتهم أمره, وهي الصفة الثالثة.

قال بعض المفسرين: عنى الله تعالى بالقردة أصحاب السبت؛ وبالخنازير كفار مائدة عيسى عليه السلام.

وقال آخرون: إن المسخين كانا في أصحاب السبت؛ لأن شبانهم مسخوا قردة, ومشايخهم مسخوا خنازير.

{وعبد الطاغوت} أي: عُبّاد الشيطان, وكل ما عبد من دون الله من شهوة أو هوى فهو طاغوت, وهي الصفة الرابعة.

{أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل} أي: الموصوفون بما سبق من الأوصاف, شر الناس مكانا ومنزلة عند الله تعالى, في الدنيا والآخرة, وأضلهم عن الصراط المستقيم, الموصل إلى جنات النعيم, فكيف يعيبون على أهل الإسلام ويعيرونهم؟!

أما قول مجاهد: ما مسخت صورهم! ولكن مسخت قلوبهم! وإنما هو مثل ضربه الله كقوله: {كمثل الحمار يحمل أسفارا}!.

قال الحافظ ابن كثير (1/70 ): قول غريب, خلاف الظاهر من السياق, في هذا المقام وفي غيره.

وقال: بل الصحيح أنه معنوي وصوري. انتهى.

قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه, فالمسخ الذي حصل لهم كان حقيقيا لصورهم وأبدانهم, لدلالة ظواهر الآيات الكريمة عليه, وعليه عامة أهل التفسير, ولما ورد أيضا في الأحاديث النبوية الصحيحة.

كما سنبينه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك