رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 مارس، 2016 0 تعليق

موضة العصر: التشبه بالكفار والفُجار (2)

دلت الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم، والسنة النبوية الصحيحة على حُرمة التشبه بالكفار، من أهل الكتاب والمشركين، وكذلك حُرمة تشبه المسلم بالفسقة والعصاة، والشياطين وغيرهم، ممن حاد عن الصراط المستقيم، والشرع القويم، وأوصانا الله -سبحانه-بالتمسك بديننا الحنيف، من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والهدي المستقيم، الذي هدانا إليه بفضله وإحسانه، وذلك يشمل أولا اعتقاداتهم وعباداتهم التي يختصون بها، وأعيادهم التي يحتفلون بها، وكذلك لباسهم الذي يتميزون به، وكذلك شعورهم وقصهم لها،وعاداتهم التي هي من أعرافهم التي يشتهرون بها، وبعد أن ذكرنا الأدلة على ذلك من القرآن والسنة النبوية كان لابد من التنبيه على أمرين مهمين هما:

التنبيه الأولالتشبه بالآخرفعل المغلوب والمهزوم نفسياً!! كما قال ابن خلدون«المغلوب مُولعٌ أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره، وزِيه، ونحلته، وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلكأنَّ النفسَ تعتقد الكمال أبدًا فيمن غلبها، وانقادت إليه.  قال:... ولذلكترى المغلوب يتشبه أبدًا بالغالب».

التنبيه الثاني:  أن المشابهة في الظاهر، تُورث المشابهة في الباطنهذا ما يقرره العلماء قديما وحديثاً، وأهل السلوك والتربية، كما دلّ عليه الواقع والتجربة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية«... إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة، وموالاة في الباطن،كما أنَّ المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، حتى إن الرجلين إذا كانا من بلد واحد، ثم اجتمعا في دار غربة، كان بينهما من المودة والائتلاف أمرٌ عظيم، وإنْ كانا في مصرهما لم يكونا متعارفين، أو كانا متهاجرين.

بل لو اجتمع رجلان في سفر، أو بلد غريب، وكانت بينهما مشابهة في العمامة، أو الثياب، أو الشعر، أو المركوب، ونحو ذلك، لكان بينهما من ائتلاف أكثر مما بين غيرهما....» انتهـى

فهذا يبينأنَّ التشبه بالكفار أو الفجار، يُورث عند المسلم نوع مودةٍ ومحبة لهم، أو هي على الأقل مظنة المحبة والمودة ولو مستقبلا.

وكذلك التشبه بالفُسّاق والمنحرفين من الناس، وأرباب المهن الفاسدة من الممثلين والممثلات، والمغنين والمغنيات، وكذا التشبه بالمخنثين وغيرهم، في اللباس وفي الكلام وغيره محرم، للأدلة السابقة.

ولقوله سبحانه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء: 16).

ولقوله عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} (الكهف: 50).

أيتتخذون الفاسقين بدلاً عني وعن طاعتي، واتباع رسلي وما جاؤوا به من ديني، بئس للظالمين هذا البدل، وهذا المقام الذي اختاروه لأنفسهم.

فالدلالة من الآيات جميعاًأنها تنهى عن الفسق وموالاة أهله، وتبين عاقبته ومصير أهله، كما تنهى عن مشابهة أهل الفسق والعصيان والغفلة عن الله تعالى.

والفاسق اصطلاحاًهو الخارج عن الطاعة، وعن طريق الحق والدين، وأصلهالخروج عن الاستقامة، بارتكاب الكبائر، والإصرار على الصغائر.

وإنما نهى الشارع عن مشابهة الفسقة وأشباههم، لأمرين:

الأوللأن التشبه بهم قد يُفضي بالمسلم إلى الإعجاب بما هم عليه من منكرات وعصيان، ومن ثم الوقوع في فعلهم، وهذا أمرٌ مشاهد في واقع الناس؛ فالمتشبهون بالفساق والمغنين آل بهم الأمر إلى شدة حبهم، والولع بما هم عليه من طباع وأخلاق، حتى إنبعضهم حمل صورهم، وعلقها على ثيابه، وتشبه بهم في اللباس والشكل، والهيئة والشعر.

الثانيولأن المسلم إذا لبس لباس الفساق، وتشبه بهم في هيئتهم، فقد وضع نفسه موضع التهمة والرِّيبة، فيظن مَنْ لا يعرفه أنه منهم، يظنه أنه من الفساق والمنحرفين، والمسلم مطالب بصون عرضه، والبعد عن مواطن الريب والتهم، ومنْ اتقى الشبهات فقداستبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات، كان كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أنْ يقع فيه.

فإذا كان لأهل الفسق والمجون لباسٌ معين، أو زي خاص، أو هيئة ما، عرفاً أو عادة، حَرُم على المسلم والمسلمة لبسها أو فعلها، والتشبه بهم فيها.

وهذا مداره على الأعراف، والأزمنة والأمكنة، فيختلف باختلافها.

- أسباب التشبه بالكفار

1. الجهلولا شك أنَّ من أعظم أسباب التشبه الممنوعالجهل بأحكام الدين، والبعد عن تعلم أحكام الإسلام؛ فهو المصيبة العظمى، والبلية الكبرى وراء الوقوع في التشبه بشتى ألوانه، ثم عدم الحرص على تطبيقها في الحياة.

2.ضعف التربية الإيمانية والتوجيه للأجيال المسلمة في مجتمعات المسلمين؛ إذْ إن التربية والتعليم، هما الدعامتان الأساسيتان لإعداد الأجيال، وصلاح الشعوب، وحين كانت الأمة المسلمة تربي أبناءها وأجيالها قروناً، على الدين والخلق والفضيلة والشرفوالعفاف، والاعتزاز بالشخصية المسلمة.

وختامالا بد من الإشارة إلى أمرين مهمين:

1- أنه لا يشترط في التشبه النية والقصد، كما سبق؛ فالتشبه يعم من فعل ذلك الشيء لأجل أنهم فعلوه، ومن فعله لغرض آخر، ولو كان للتزين، فالمراد بالتشبه أصل الفعل، أي صورة المشابهة ولو بلا قصد، ويدل لذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنهقال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «غيِّروا الشَّيب، ولا تشبهوا باليهود رواه أحمد والترمذي.

وهو دليل على أنَّ التشبه بهم يحصل ولو كان بغير قصد منَّا ولا فعل، بل بمجرد ترك تغيير ما خُلق فينا، وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية.

كمن ترك قص الشارب حتى طال، أو ترك قص أظافره ونحو ذلك.

2- ما كان في الأصل مأخوذًا عن الكفار، ويفعلونه،  ولكنه لا يدخل في الأديان والشرائع، فهذا ليس فيه محذور المشابهة إذا فعلناه.

فلا يدخل تحت التشبه الاستفادة مما عند الكفار من الصناعات، والعلوم ونحوها؛ إذ إنها ليست من خصوصيات الكفار؛ لأنها إمكانيات بشرية، تتوفر بالعلم والعمل عند من يحرص عليها وينميها، ويجدُّ في تحصيلها سواء أكان مسلمًا أم كافرًا.

والله تعالى أعلم،،،

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك