رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 فبراير، 2016 0 تعليق

موضة العصر: التشبه بالكفار والفُجار (2)

دلت الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم، والسنة النبوية الصحيحة، على حُرمة التشبه بالكفار، من أهل الكتاب والمشركين، وكذلك حُرمة تشبه المسلم بالفسقة والعصاة، والشياطين وغيرهم، وغيرهم ممن حاد عن الصراط المستقيم، والشرع القويم، وأوصانا الله -سبحانه- بالتمسك بديننا الحنيف، من القرآن الكريم، والسنة النبوية، والهدي المستقيم، الذي هدانا إليه بفضله وإحسانه، وذلك يشمل أولا اعتقاداتهم وعباداتهم التي يختصون بها، وأعيادهم التي يحتفلون بها، وكذلك لباسهم الذي يتميزون به، وكذلك شعورهم وقصهم لها، وعاداتهم التي هي من أعرافهم ويشتهرون بها.

الأدلة من القرآن الكريم

- قال الله سبحانه: {اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3).

أي: اتبعوا كتاب ربكم الذي أنزله لكم، ليربيكم به أحسن التربية، ويهديكم به الهداية التامة.

- وقال سبحانه: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} (البقرة: 138).

أي: الزموا صبغة الله أي دينه وشريعته، وقوموا به ظاهراً وباطنا، في العقيدة والشريعة، حتى تكون لكم صفاتكم الخاصة بكم، وأحوالكم الخاصة بكم.

- وقال سبحانه: {ولقد آتينا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (16) وآتيناهم بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها ولا تَتَّبِعْ أَهواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} الجاثية: 16-18.

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «أخبر سبحانه أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم الدين والدنيا، وأنهم اختلفوا بعد مجيء العلم من بغي بعضهم على بعض، ثم جعل محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر، شَرَعها له، وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون، وقد دخل في (الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) كل مَنْ خالف شريعته، و(أهواؤهم) هي ما يهوونه، وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك فهم يهوونه، وموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه؛ ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين في بعض أمورهم، ويسرون به، ويودون أن لو بذلوا مالاً عظيماً ليحصل ذلك” انتهى.

- ومثل هذه الآية، قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ ۖ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ ۚ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ ۚ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴿٣٦﴾وَكَذَٰلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ } (الرعد: 36-37). فمتابعتهم والتشبه بهم فيما يختصون به هو من اتباع أهوائهم، كما لا يخفى. وقول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجاثية: 18). أي: شرعنا لك شريعة كاملة، تدعوك إلى كل خير، وتنهاك عن كل شر، مما فيه السعادة في الدنيا والآخرة.

الأدلة من السنة النبوية

- عن ابْنِ -عُمرَ رضي الله- عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنْهُم» رواه أبو داود في اللباس (3512) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَي: تَزَيَّا فِي ظَاهِره بِزِيِّهِم, وسَار بِسِيرَتِهِم وهَديهم في مَلْبَسهم وبَعْض أَفْعَالهم.

وقال شيخ الإِسْلام اِبن تَيْمِيَّةَ في كتابه العظيم: (اقتضاء الصِّرَاط الْمُسْتَقِيم مخالفة أصحاب الجحيم): وقد اِحْتَجَّ الإِمام أَحْمَد وغيره بِهذا الْحديث , وهذَا الحَديث أَقَل أَحْوَاله أَن يَقْتَضِي تَحْرِيم التَّشَبُّه بِهِم، كما في قوله {مَنْ يَتَوَلَّهُم مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} (المائدة: 51).

وهو نَظِير قَوْل عبد اللَّه بن عَمرو أَنَّه قَال: مَنْ بَنَى بِأَرْضِ الْمُشْرِكِين، وصَنَعَ نَيْرُوزَهُم ومِهرَجَانَهم - أي عيدهم - وتَشَبَّهَ بِهِمْ حتَّى يمُوت، حُشِرَ معهم يوم الْقِيامَة.

فَقد يُحمل هذا علَى التَّشَبُّه الْمُطْلَق، فَإِنَّهُ يُوجِب الْكُفر, ويَقْتَضِي تَحْرِيم أَبْعَاض ذلِك , وقد يُحْمَل على أَنَّهُ منْهُم في الْقَدْر الْمُشْتَرَك الَّذِي يُشَابِههُم فيه , فَإِنْ كان كُفْرًا أَو مَعْصِيَة، أَو شِعَارًا لَها، كان حُكْمه كذلِك.

وقد رُوِيَ عنْ ابن عُمَر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه نَهَى عن التَّشَبُّه بِالأَعَاجِمِ , وقال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» وذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى.

وبِهَذَا اِحْتَجَّ غير واحِد مِنْ الْعُلَمَاء، على كَرَاهَة أَشْيَاء مِنْ زِيّ غَيْر الْمُسْلِمِينَ اهـ.

- عن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قال رسولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم : «خَالِفُوا الْيَهُودَ، فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا خِفَافِهِمْ» رواه أبو داود (652) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

وهذا يدل على أن مخالفة اليهود أمر مقصود في الشرع.

- عن عبد اللَّهِ بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قال: رأى رسول اللهصلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فقال: «إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا». رواه مسلم (2077).

فعلَّل الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عن لبس هذه الثياب، بأنها من لباس الكفار.

- عن ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى». رواه مسلم (259).

فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمخالفة المشركين أمراً مطلقاً، ثم ذكر من ذلك: قص الشوارب، وإعفاء اللحي.

- عن أبي هُريرةَ -رضِيَ اللَّهُ عنه- قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ الْيَهُودَ والنَّصَارَى لا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ» رواه البخاري (3462) ومسلم (2103). وعنه رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «غَيِّرُوا الشَّيْبَ، ولَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى». رواه أحمد (7492)، وقال الألباني في (حجاب المرأة المسلمة (ص189):  إسناده حسن) انتهى.

وهذا الحديث أدل على الأمر بمخالفتهم، والنهي عن مشابهتهم؛ لأنَّ بياض الشيب ليس من فعلنا، ومع هذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبقاءه وعدم تغييره، من التشبه باليهود والنصارى، وقد نهى عن ذلك، فلأن ينهى عن إحداث التشبه بهم أولى، فتأمل!

- عن أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عن عُمُومَةٍ له مِن الْأَنْصَارِ قال: « اهْتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلصَّلَاةِ كيفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لها، فَقِيل لَه: انْصِبْ رَايَةً عنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، فَإِذا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذلِك، قَال: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني: البوق)، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِك، وقَال: هو مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ، قَال: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فقال: هو مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى، فَانْصَرَفَ عبداللَّه بْنُ زيدِ بْنِ عبدِ رَبِّهِ وهو مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهصلى الله عليه وسلم ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ». رواه أبو داود (498)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

فعَّلل النبي صلى الله عليه وسلم كراهته للبوق بأنه من أمر اليهود، وكراهته للناقوس بأنه من أمر النصارى، وهذا يقتضي نهيه عما هو من أمر اليهود والنصارى.

- وعن عَمْرو بْن عَبَسَةَ السُّلَمِيُّ رضي الله عنه قال: قلت: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أَخبِرنِي عمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ وأَجْهله، أَخبِرنِي عن الصَّلَاةِ. قَال: «صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، حتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بين قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عن الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فإِنَّها تَغْرُبُ بَين قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ». رواه مسلم (832).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت الغروب، معللاً ذلك النهي: بأنها تطلع وتغرب بين قرني شيطان، وأنه حينئذ يسجد لها الكفار.

ومعلوم أنَّ المؤمن لا يقصد السجود إلا لله تعالى، وأكثر الناس قد لا يعلمون أنَّ طلوعها وغروبها بين قرني شيطان، ولا أن الكفار يسجدون لها، ثم إنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت، حسماً لمادة المشابهة بكل طريق...قال: وكان فيه تنبيه على أنَّ كل ما يفعله المشركون من العبادات ونحوها، مما يكون كفراً أو معصية بالنية، يُنهى المؤمنون عن ظاهره، وإنْ لم يقصدوا به قصد المشركين، سداً للذريعة، وحسماً للمادة» انتهى.

- وعن عبد اللَّهِ بن عبَّاسٍ -رضِي اللَّه عنهُما- قال: حِين صَامَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  يَوْمَ عَاشُورَاءَ وأَمَرَ بِصِيَامِه، قَالُوا: يَا رسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ والنَّصَارَى! فقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ»، قال: فَلَمْ يأْتِ الْعامُ الْمُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم . رواه مسلم (1134) فعزم الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود والنصارى بصيام يوم آخر مع يوم عاشوراء؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنها: «صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود» أخرجه البيهقي، وصححه الألباني في (حجاب المرأة المسلمة) (ص177).

فهذه بعض الأدلة من الكتاب والسنة على النهي عن التشبه بالمشركين، والأمر بمخالفتهم، وهذا يدل على أن ذلك من مقاصد الشريعة الإسلامية؛ فعلى المسلمين أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلها.

ومن أراد الزيادة في هذا البحث من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم، فمن أراد التوسع فليرجع إليه، فإنه لم يؤلف في هذا الموضوع مثله. وللحديث بقية إن شاء الله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك