رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 مايو، 2018 0 تعليق

من ضوابط الرد على المخالف – طالب الحق يستفيد من رد أهل البدع بعضهم على بعض


لم يمنع الإسلام من المجادلة التي يتوصل بها إلى  بيان الحق وتجليته كما قال -تعالى-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}(النحل: 125)؛ ولذلك تأتي هذه الحلقات في آداب الرد على المخالف وضوابطه ومناظرته، واليوم نتكلم في القاعدة الرابعة عشرة  من ضوابط الرد على المخالف وهي: طالب الحق يستفيد من ردِّ أهل البدع  بعضهم على بعض.

     قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: من المعلوم أنَّ كلَّ مُبطل أنكر على خصمه شيئاً من الباطل، قد شاركه في بعضه أو في نظيره؛ فإنه لا يتمكن من دحض حجته وكسر باطله؛ لأنّ خصمه تسلّط عليه بمثل ما سلط هو به عليه, وهذا شأن أهل الأهواء مع بعضهم بعضاً؛ ولهذا كان عامة ما يأتون به أبداً يُناقض بعضهم بعضاً، ويكسر أقوال بعضهم بعضا، وفي هذا منفعة جليلة لطالب الحق؛ فإنه يكتفي بإبطال كل فرقة لقول الفرقة الأخرى.

الانتفاع من المناظرة

     وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: والمناظرة تارة تكون بين الحق والباطل ، وتارة بين القولين الباطلين لتبيين بطلانهما ، أو بطلان أحدهما ، أو كون أحدهما أشد بطلاناً من الآخر؛ فإنّ هذا ينتفع به كثيراً من أقوال أهل الكلام والفلسفة وأمثالهم ممن يقول أحدهم القول الفاسد وينكر على منازعه ما هو أقرب منه إلى الصواب؛ فيبين أنّ قول منازعه أحق بالصحة، إنْ كان قوله صحيحاً، وأنَّ قوله أحق بالفساد، إنْ كان قول منازعه فاسداً ، لتنقطع بذلك حجة الباطل؛ فإنّ هذا أمر مهم؛ إذْ كان المبطلون يعارضون نصوص الكتاب والسنة بأقوالهم، فإنّ بيان فسادها أحد ركني الحق وأحد المطلوبين، فإنَّ هؤلاء لو تركوا نصوص الأنبياء لهدَت وكفت، ولكن صالوا عليها صول المحاربين لله ولرسوله! فإذا دفع صيالهم وبين ضلالهم كان ذلك من أعظم الجهاد في سبيل الله. ومثال ذلك: إذا استدل متأول الصفات على منكر المعاد، وحشر الأجساد، بنصوص الوحي، أبدى لها منكر المعاد تأويلات تخالف ظاهرها، وقال للمستدل بها: تأولت أنا هذه النصوص - نصوص المعاد - كما تأولت أنت نصوص الصفات! ولاسيما أنها أكثر وأصرح؛ فإذا تطرق التأويل إليها فهو إلى ما دونها أقرب تطرقاً. ولا نجاة من هذا التناقض إلا بالإيمان بالنصوص، وإجرائها على ظاهرها، ومنع التأويل. (انظر الدرر السنية).

التناقض في أقوال أهل البدع

     وهذا التناقض في أقوال أهل البدع والتضارب في الكلام، إنما هو نتاج الإعْراض عن نصوص الكتاب والسُّنة النبوية، وكلام السلف الصالح المُحْكم البيّن الواضح، السالم من الاختلاف والاضطراب، واتباعهم الهوى والآراء، والمناهج الضالة البعيدة المخالفة للصراط المستقيم، كما قال -تعالى-: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ}(ق : 5)، قال الحافظ ابن كثير: ثم بيّن -تعالى- سبب كفرهم وعنادهم، واستبعادهم ما ليس ببعيد! فقال: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج} أي: وهذا حال كل من خرج عن الحق، مهما قال بعد ذلك فهو باطل، والمريج: المختلف المضطرب، الملتبس المنكر خلاله، كقوله: {إنكم لفي قول مختلف يُؤفك عنه من أفك}(الذاريات: 8 - 9).انتهى فقوله -تعالى-: {بل كذبوا بالحق} أي: بالقرآن والوحي {لما جاءهم فهم} في شأن النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن {في أمر مريج} مضطرب؛ فمرةً قالوا : ساحر وسحر، ومرة قالوا: شاعر وشعر، ومرة قالوا: كاهن وكهانة!

أهل الضلال

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: وأهل الضلال الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً ، هم كما قال مجاهد‏:‏ أهل البدع والشبهات، يتمسكون بما هو بدعة في الشرع، ومشتبه في العقل، كما قال فيهم الإمام أحمد، قال‏:‏ هم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، متفقون على مخالفة الكتاب، يحتجون بالمتشابه من الكلام ، ويضلون الناس بما يشبهون عليهم‏.‏

المفترقة من أهل الضلال

والمفترقة من أهل الضلال تجعل لها ديناً وأصول دين قد ابتدعوه برأيهم، ثم يعرضون على ذلك القرآن والحديث، فإن وافقه احتجوا به اعتضاداً لا اعتماداً، وإنْ خالفه فتارة يحرفون الكلم عن مواضعه، ويتأولونه على غير تأويله، وهذا فعل أئمتهم، وتارة يعرضون عنه، ويقولون‏:‏ نفوّض معناه إلى اللّه، وهذا فعل عامتهم‏.‏

عمدة الطائفتين

     عمدة هاتين الطائفتين في الباطن غير ما جاء به الرسول، يجعلون أقوالهم البدعية محكمة ، يجب اتباعها واعتقاد موجبها، والمخالف إما كافر، وإما جاهل لا يعرف هذا الباب، وليس له علم بالمعقول ولا بالأصول، ويجعلون كلام اللّه ورسوله الذي يخالفها من المتشابه، الذي لا يَعْرفُ معناه إلا اللّه، أو لا يعرف معناه إلا الراسخون في العلم، والراسخون عندهم من كان موافقاً لهم على ذلك القول، وهؤلاء أضل ممن تمسك بما تشابه عليه من آيات الكتاب، وترك المحكم، كالنصارى، والخوارج، وغيرهم؛ إذ كان هؤلاء أخذوا بالمتشابه من كلام اللّه وجعلوه محكماً، وجعلوا المحكم متشابها. ‏

نفاة الصفات

     وأما أولئك كنفاة الصفات من الجهمية، ومن وافقهم من المعتزلة وغيرهم، وكالفلاسفة؛ فيجعلون ما ابتدعوه برأيهم هو المحكم الذي يجب اتباعه! وإنْ لم يكن معهم من الكتاب والسنة ما يوافقه، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء، وإنْ كان صريحاً قد يُعلم معناه بالضرورة، يجعلونه من المتشابه؛ ولهذا كان هؤلاء أعظم مخالفة للأنبياء من أهل البدع جميعهم، حتى قال يوسف بن أسباط وعبد اللّه بن المبارك وغيرهما كطائفة من أصحاب أحمد‏:‏ إنَّ الجهمية نُفاة الصفات خارجون عن الثنتين وسبعين فرقة.‏

وهذا الحال مما ذكره أهل العلم قديما وحديثاً عن أهل البدع، منهم شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- في كتابه (مسائل الجاهلية)؛ حيث قال في المسألة السادسة عشرة بعد المائة: التناقض الواضح لمّا كذَّبوا بالحق، كما قال -تعالى-: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}(ق: 5).انتهى

     مريج: يعني: مختلف؛ فأهل الباطل يختلفون فيما بينهم، ويتعادون ويضلل بعضهم بعضاً ، أو يكفر بعضهم بعضا. وتضارب الأقوال واختلافها وتناقضها، صفة كل منْ ترك الحق وأعرض عنه؛ فإنه يُبتلى بالتناقض والاختلاف، وتضارب الأقوال؛ وذلك لأنَّ الضلال يتشعب، ولا حدّ لشُعبه . وأما الحق: فإنه شيء واحدٌ، لا يتشعب ولا يختلف ولا يتناقض، والله -جل وعلا- يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ}(يونس: 32).

فمن ترك الحق وقع في الضلال ولابدّ، والضلال متاهات وطرق متشعبة مختلفة - والعياذ بالله -؛ فتجد أصحابه مختلفين فيما بينهم، بل تجد الواحد منهم مختلفة آراؤه؛ لأنه ليس عنده هدىً يسير عليه، ولا صراط وإنما يتخبط، تارة يقول كذا، وتارة يقول كذا، كما قال -تعالى-: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}(ق: 5).

     أما أهل الحق المتمسكون بالحق فإنهم لا يختلفون، وإن اختلفوا عن اجتهاد فإنهم لا يتعادون ولا يتقاطعون، وإذا تبين لهم الصواب رجعوا إليه، وتركوا أقوالهم، قال -تعالى-: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}، وقال -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}، وتجدون الخلاف بين الأئمة الأربعة وبين الفقهاء، ولا أحد منهم ضلّل الآخر أو كفّره، كل يعمل بحسب ما يظهر له من الدليل، وإذا ظهر أنه مخالف رجع إلى الحق، أما أهل الضلال فليس لهم مرجع يرجعون إليه، وإنما مرجع كل منهم إلى هواه، والأهواء تختلف.

 

عدم الأخذ من صاحب البدعة

 

     مسألة: لا يؤخذ عن صاحب البدعة شيءٌ من العلم، حتى فيما لا يتعلق ببدعته، لئلا يغتر بنفسه، ويغتر به الناس، قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى- قال: لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه يعلن السفه، وإنْ كان أروى الناس، وصاحب بدعة يدعو إلى هواه، ومَن يكذب في حديث الناس، وإن كنتُ لا أتهمه في الحديث، وصالح عابد فاضل، إذا كان لا يحفظ ما يحدث به. وأخرج الخطيب البغدادي -رحمه الله تعالى- في (الفقيه والمتفقه): عن أبي أمية الجمحي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر». قال ابن المبارك: الأصاغر هم أهل البدع. وقال ابن عبد البر: أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يعدون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر والتفقه فيه. وقال البغوي في (شرح السنة) : قد مضى الصحابة والتابعون وأتباعهم، وعلماء السنة على هذا، مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم. اهـ

وللأخذ عن أهل البدع أضرار كثيرة، ومن أضرار أخذ العلم عن أهل البدع:

1- أنه لا يؤمن انغماس الآخذ عنهم في بدعتهم، ومجاراتهم فيها. تعلق قلب الطالب بالمبتدع، ومحبته له، والمرء مع من أحب . فيه تكثير لسواد أهل البدع . فيه إغراء للعامة بصحة ما هو عليه من البدع . مجالسة المبتدع توجب الإعراض عن الحق.

من جالس صاحب بدعة سلبت منه الحكمة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك