رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 يناير، 2016 0 تعليق

من صُور الربا في المُعاملات التّجارية والمَصرفية المعاصرة (4)

أما في العصر الحديث: فنجد الربا الخبيث في كثير من المعاملات المعاصرة، المدنية والتجارية والمصرفية وغيرها، وقد انتشر في المعاملات مثل انتشار مرض السرطان في الجسد، وأصبح الناس يأكلون الربا أو يوكلونه، إلا مَنْ رحم الله -تعالى- فمن لم يأكله ناله غباره, مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم : «يأتي على الناسِ زمانٌ يأكلونَ فيه الربا». قيل: الناس كلُّهم يا رسول الله؟ فقالصلى الله عليه وسلم : «مَنْ لم يأكله، ناله مِنْ غُباره» رواه أحمد (2/492) وأبو داود (3/626) والنسائي (7/243) وابن ماجة ( 2/765)  وأبو يعلى ( 11/6233).

للربا المعاصر صور كثيرة في المعاملات المعاصرة :

نذكر منها على سبيل المثال ما يلي :

1- الفائدة على السلفيات والقروض التي يحصل عليها الأفراد من الحكومة أو وحداتها، أو البنوك التقليدية ، وسواء استخدم المبلغ في مجال الاستهلاك, أم مجال الإنتاج ، أم الزراعة ، أم الصناعة ، أم في أي غرض آخر .

فهذه الفائدة تعد ربا محرماً، حتى ولو كانت زهيدة .

وأساس ذلك القاعدة الشرعية: «كلُّ قرضٍ جرَّ نفعاً فهو ربا» (1) .

قال الإمام أَحمد في معناه: هو أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا، ثُمَّ يُبايِعَه عليه بَيْعًا يَزْدَادُ عليه، ولو قال: أَقْرَضْتُكَ هذه العشرةَ على أَنْ تَبِيعَنِي عبدك .

فَفَاسِد؛ لأَنَّ كُلَّ قَرْضٍ جَرَّ منفعةً فهو رِبًا. شرح السنة للبغوي .

ومعنى قولهم : كلُّ قَرْضٍ جرَّ مَنْفَعَةً فهو رِبًا؛ مِثْلَ أَنْ يُبايعه أَو يُؤَاجِره ويُحابِيه في الْمُبَايعة والْمُؤَاجرةِ، لِأَجلِ قَرضِهِ.

وقد قال النَّبيُ صلى الله عليه وسلم : «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وبَيْعٌ».

فإِنَّه إذا أَقْرَضهُ مائَةَ درهمٍ وباعه سِلْعَةً تُسَاوِي مِائَةً، بمائَةِ وخَمْسينَ ، كَانت تلْك الزِّيادَةُ رِبًا .

وكذلِك إذا أَقْرَضَهُ مائةَ دِرهمٍ، واستَأْجره بِدرهميْنِ، كُلَّ يومٍ أُجْرَتُهُ تُساوي ثلاثَة.

بل ما يَصنعُ كثيرٌ مِنْ الْمُعَلِّمين بصنائِعِهِم، يُقْرضُونهم لِيُحَابُوهُم فِي الأُجرةِ، فهو رِبًا . انظر الفتاوى لابن تيمية (29 / 533) .

 فجميع صور الفائدة القديمة والمعاصرة, تعد من قبل الربا المحرّم, فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية، في مؤتمره الثاني المنعقد في القاهرة في المحرم عام 1385هـ الموافق مايو 1965م، فتوى بذلك هذا نصها :

«الفائدة على أنواع القروض كلها ربا، لا فرق بين ما يسمى بالقرض الإنتاجي, وما يسمى بالقرض الاستهلاكي؛ لأنَّ نصوص الكتاب والسنة في مجموعها ، قاطعة في تحريم النوعين» .

وقد اعتمد فقهاء المسلمين وعلماؤهم في تحريم صور الفائدة الربا وكلها على أدلة راسخة وقطعية من الكتاب والسنة.

 2- ومن صور الربا المعاصر: تأجيل سداد الديون والكمبيالات المستحقة مع الزيادة, فأحياناً يتأخر المدين عن سداد الدين المستحق عليه, فيشترط علية الدائن زيادة قيمة الدين, نظير زيادة الأجل, فهذه الزيادة تعد من قبيل الربا، بل هو ربا النسيئة الجاهلي.

     بل منع فقهاء المسلمين قبول هدية المقترض, فقد روى ابن ماجة في سننه: عن أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا اقترض أحدكم فأهدي إليه، أو حمله على دابته فلا يركبها، ولا يقبله, إلا أنْ يكون جَرَى بينه وبينه قبل ذلك». حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في (الفتاوى الكبرى) (6/159). وضعفه الألباني في السنن .

      وروى البُخاريُّ في صحيحه (3814) عن أَبي بُرْدَةَ قال : أَتَيْتُ الْمدينةَ فَلَقِيتُ عبد الله بنَ سَلامٍ -رضي الله عنه- فقال لي: «إِنَّكَ بِأَرْضٍ الرِّبَا بها فَاشٍ، إِذا كان لك على رجُلٍ حَقٌّ، فأَهْدى إليك حِمْلَ تِبْنٍ، أَو حِمْلَ شَعيرٍ ، أَو حِمْلَ قَتٍّ ، فَلا تأْخُذْهُ، فإِنَّهُ رِبًا». و(القَتّ) نبات تأكله البهائم.

     وقد ورد هذا المعنى عن جماعة من الصحابة ، قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» (3/136) : «وقد تقَدَّم عن غيرِ واحدٍ منْ أَعيانهم (يعني الصحابة) كأُبيّ بن كعب وابنِ مَسعودٍ وعبدِ اللهبن سَلامٍ وابنِ عُمر وابنِ عبَّاسٍ : أَنَّهم نَهَوْا الْمُقْرِضَ عن قَبُولِ هديَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وجَعَلُوا قَبُولَهَا رِبًا» اهـ .

     وقال الشوكاني في (نيل الأوطار) (6/257): «والحاصلُ أَنَّ الْهَدِيَّةَ والْعَارِيَّةَ ونحوهما إذا كَانتْ لِأَجْلِ التَّنْفِيسِ في أَجل الدَّيْنِ (أي تأخير السداد), أَو لأجل رِشْوةِ صاحبِ الدَّينِ, أَو لأجل أَنْ يكونَ لصاحبِ الدَّينِ منفعةٌ في مُقَابلِ دَينه ، فذلك مُحرَّمٌ; لأَنَّه نوعٌ مِنْ الرِّبا، أَو رِشوةٌ ، وإِنْ كان ذلك لأَجلِ عادةٍ جارِيةٍ بين الْمُقْرِضِ والْمُسْتَقْرِضِ، قبْل التَّدَايُنِ فَلا بأْسَ، وإنْ لَمْ يكن ذلك لغَرَضٍ أَصلا، فالظَّاهرُ الْمَنْعُ ، لإِطلاقِ النَّهْيِ عن ذلك» اهـ .

3- ومن صور الربا: دفع غرامة عند التأخَّر بدفع الدَّين، أو الأقساط الشهرية، يُعد هذا من الربا، ولو كان قليلا .

4- ومن صوره : الحيل الربوية في بعض أنواع البيوع التي حرّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم , دفعا للوقوع في الربا، مثل حديث: «تحريم الشرطين في بيع».

وحديث: «بيعتين في بيعة».

وحديث: «تحريم ربح ما لم يضمن» .

وحديث: «تحريم بيع ما ليس عندك»؛ لأن هذه البيوع، كلها تتضمن شبهة الربا.

5- ومن صوره : تبادل السلع أو الأموال من الجنس نفسه، مع زيادة أحد العوضين، والتبادل في المجلس نفسه ولو تفاوتا في الجودة أو في الشكل, مثال ذلك يبيع ( أ ) إلى (ب) 200 جراماً من الذهب المصكوك بـ215 جراماً من الذهب السبائك .

ودليل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الذهب بالذهب, والفضة بالفضة, والبر بالبر, والشعير بالشعير, والتمر بالتمر، والملح بالملح، سواء بسواء يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى, الآخذ والمعطي فيه سواء». رواه أحمد والبخاري عن عباده بن الصامت رضي الله عنه .

 6- ومن صوره : الاقتراض من البنوك أو بيوت المال وما في حكمها ، بفائدة ثابتة مشروط سلفا, سواء استخدم القرض فى مجال الاستثمار، أم في مجال الاستهلاك, أم في أي غرض آخر، فهذه الفائدة تعد ربا .

 7- ومن صوره: خصم الكمبيالات لدى البنوك, وتعني بيع الكمبيالات للبنك قبل ميعاد الاستحقاق.

 8- ومن صوره: الفوائد الثابتة على الودائع المختلفة لدى البنوك الربوية, سواء أكانت ودائع جارية أم لأجل محدد؛ لأن الوديعة بفائدة هي القرض بفائدة .

9- ومن صوره: الفائدة على قيمة الاعتماد المستندي المغطى من البنك, فهذه الفائدة لا تخرج عن كونها فائدة على قرض .

 10- ومن صوره: الفائدة على قيمة خطاب الضمان، إذا لم يكن للعميل رصيد كاف لدى البنك.

 11- ومن صوره: الفوائد على الودائع بين البنوك فيما بينها, فهذه الفائدة تعد من قبيل الربا.

 12- ومن صوره: فوائد السندات على اختلاف أنواعها تعد من قبيل الربا؛ لأنّ السند يعد بمثابة قرض بفائدة ثابتة.

 13- ومن صوره: فوائد شهادات الاستثمار على اختلاف أنواعها؛ لأنها تدخل في نطاق الفوائد على الودائع.

 14- ومن صوره: الصرف الآجل في المعاملات المصرفية؛ حيث لكل عملة عند تحويلها إلى عملة أخرى سعران: سِعر الصرف الحاضر, وسعر الصرف الآجل, ويعد الفَرق بين السعرين ربا.

والصرف الآجل نفسه دون فائدة ربا؛ إذ لا بد أن يكون يداً بيد .

 15- ومن صوره : بوالص التأمين التجاري وعلى الحياة وما في حكمها؛ حيث يتضمن معاملات ربوية, فمن المعروف أن شركات التأمين تستثمر هذه الأموال ربوياً, كما أنه يدخل في حساب أقساط التأمين على الحياة الفائدة الربوية.

 16- ومن صوره كذلك : بيع أو شراء أسهم البنوك الربوية ، فهذا لا يجوز؛ لأنها مؤسسات تستثمر أموالها بالربا .

 وأخيراً: فإن النظام الربوي كله شر, وإنه سببٌ عظيم لبلاء المسلمين، ووقوع المصائب بهم، بل وسبب لتسليط الأعداء واستعمارهم, فلا يمكن أنْ يصلح حال الأمة الإسلامية وأحكام الإسلام وشرائحه عنهم منفية، فلابد من العودة إلى الله -تعالى-.

ولا بد من تطهير المعاملات من موبقة الربا، وهذه مسؤولية كل فرد في الأمة الإسلامية مهما كان موقعه، فيتحاشى كل فرد الوقوع في هذه الكبيرة، وتتحاشى كل مؤسسة التعامل به .

ويجب على المسلمين أن يتذكروا أن الله -تعالى- إذا أرد بقرية هلاكاً ، أظهر فيهم الربا، وأن ما من قوم يظهر فيهم الربا, إلا أخذوا بالسَّنة والقحط والفقر.. وهذا هو حالنا اليوم.

     وهنا أيضاً ننادي الحكومات الإسلامية, بأنْ توقن أن ما تعانيه الشعوب الإسلامية ، من ضنك وأزمات اقتصادية، ومشكلات اجتماعية وخلقية، يعد من قبيل الحرب التي يشنها الله -عز وجل- على المسلمين بسبب تعاملهم بالربا . ولقد صدق الله -سبحانه- إذْ يقول : {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا} (طه : 124).

فعليهم أنْ يصدروا التشريعات اللازمة ، لإلغاء الربا من المعاملات ، ولا شك: أن الله يزع بالسلطان ما لا يَزَع بالقرآن .

     وأخيراً نقول كما قال الله -تعالى-: {ألم يأن للذين أمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق} (الحديد: 16). ويطهروا أنفسهم وأموالهم ومجتمعاتهم من الربا، وأن يسعوا لاستثمار الأموال وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية, إما عن طريق المضاربة أو المشاركة أو المساهمة, أو عن طريق المصارف وبيوت التمويل والاستثمار الإسلامية .

قال تعالى: {قد جاءَكم بصائرُ من ربكم فمن أبصرَ فلنفسة ومَنْ عَمي فعليها} الأنعام.

وقال: {هذا بلاغ للناس ولنذروا به} إبراهيم .

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين

1 - جاء مرفوعا عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ صاحبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَال: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ، وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ الرِّبَا» رواه البيهقي في السنن الكبرى، والموقوف أصح .

وعن عليٍّ -رضي الله عنه- قَال: قَال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً, فَهُوَ رِبًا». رَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ, وإِسناده ساقِطٌ.

ولَه شاهدٌ ضعيفٌ عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ عند الْبيهقيِّ.

وآخرُ مَوْقُوفٌ عن عبد الله بنِ سَلَامٍ عند الْبُخَارِيِّ . انظر بلوغ المرام لابن حجر ص 253.

      وورد عن أبى بن كعب وابن مسعود وابن عباس -رضى الله عنهم-: «أنهم كرهوه, ونهوا عن قرض جر منفعة». كما في المصنف لابن أبي شيبة وغيره. وصح موقوفا عن ابن عباس وابن عمر وفضالة بن عبيد وغيرهم. فعن نَافِعٍ أَنَّه سَمِعَ عبد الله بن عمر يقول : «مَنْ أَسْلَفَ سَلَفًا فَلَا يَشْتَرِطْ إِلَّا قَضَاءَهُ». رواه البيهقي. وقد صح عن ابن عباس، وله عنه طريقان:

- الأولى: عن سالم بن أبى الجعد قال: «كان لنا جار سماك, عليه لرجل خمسون درهما, فكان يهدى إليه السمك, فأتى ابن عباس, فسأله عن ذلك؟ فقال: قاصه بما أهدى إليك». أخرجه البيهقي (5/350) . وإسناده صحيح.

- والأخرى: عن أبى صالح عنه أنه قال: «فى رجل كان له على رجل عشرون درهما, فجعل يهدى إليه, وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها, حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهماً، فقال ابن عباس : لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم».

أخرجه البيهقي أيضا (5/349) وابن الجوزي في «التحقيق» (3/27/1) . وإسناده صحيح.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك