رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 يونيو، 2017 0 تعليق

من أخطاء الناس في الزكاة(2)- عدم إخراج الزكاة عن الميت واعتبار الديون منها وتغييرها بغير إذن مستحقيها

 تحدثنا في العدد الماضي عن جملة من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس في باب الزكاة، وذكرنا منها التهاون في إخراجها، وإخراجها قبل بلوغ النصاب، واعتماد الأشهر الميلادية، وإخراج المرء لها وهو كاره، واليوم نكمل هذه الأخطاء.

ما لا زكاة فيه

     ما أعد من الأموال للقُنْية (الاقتناء) والاستعمال، فلا زكاة فيه، كبيوت السكن، والثياب، وأثاث المنزل، والأجهزة والسيارات، والدواب المعدّة للركوب والاستعمال، دلَّ على ذلك أحاديث، منها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ليس على المُسلم صدقةٌ، في عبده ولا فرسه». رواه الجماعة، ولأبي داود: «ليس في الخيل والرقيق زكاةٌ، إلا زكاة الفطر»، ولأحمد ومسلم: «ليس للعبد صدقة، إلا صدقة الفطر».

     وعن علي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «قد عفوتُ عن صدقة الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة، من كل أربعين درهما درهما، وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم». رواه الترمذي والطبري في تهذيب الآثار.

     قال الحافظ ابن عبدالبر في التمهيد (17/123): وفي هذا الحديث من الفقه: أنّ الخيل لا زكاة فيها، وأن العبيد لا زكاة فيهم، وجرى عند العلماء مجرى العبيد والخيل: الثياب، والفرش، والأواني، والجواهر، وسائر العروض، والدُّور، وكل ما يقتنى من غير العين، والحرث، والماشية، وهذا عند العلماء ما لم يرد بذلك، أو بشيء منه تجارة، فإن أريد بشيء من ذلك التجارة، فالزكاة واجبة فيه عند أكثر العلماء، وممن رأى الزكاة في الخيل، والرقيق وسائر العروض كلها إذا أريد بها التجارة: عمر، وابن عمر، ولا مخالف لهما من الصحابة، وهو قول جمهور التابعين بالمدينة، والبصرة، والكوفة، وعلى ذلك فقهاء الأمصار بالحجاز، والعراق، والشام، وهو قول جماعة أهل الحديث. انتهى.

     وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب: هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها، وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة، وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف، إلا أنّ أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سفيان، وزفر أوجبوا في الخيل إذا كانت إناثا أو ذكورا وإناثا؛ في كل فرس دينار! وإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم! وليس لهم حجة في ذلك، وهذا الحديث صريح في الرد عليهم، انتهى.

قلت: والقول الراجح المعول عليه هو ما قال به العلماء كافة.

ما أُعد للكراء والإيجار

     كذلك وما أُعد للكراء والإيجار، كالسيارات والدكاكين والبيوت، فلا زكاة في أصلها وعينها، وإنما تجب الزكاة في أجرتها إذا بلغت النصاب بنفسها، أو بضمها إلى غيرها، وحال عليها الحول، وقد أوجب الله تعالى الزكاة في الأموال التي تحتمل المواساة. ويكثر فيها النمو والربح، وهو ما ينمو فيها بنفسه، كالماشية والحرث، وما ينمو بالتصرف وإدارته في التجارة، كالذهب والفضة وعروض التجارة، وجعل الله قدر المخرج في الزكاة على حسب التعب في المال الذي تخرج منه، فأوجب في الركاز، وهو ما وجد مدفونا من أموال الجاهلية: الخمس، وفيما يتعلق بالأراضي التي تزرع بماء المطر، فالواجب في ذلك هو العشر؛ وما يسقى بالآلات نصف العشر؛ لما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «فيما سَقَتْ السَّمَاءُ والْعُيُونُ، أَوْ كان عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وما سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ». رواه البخاري في الصحيح.

     فالحكم مناط بالسقي؛ فما سُقي بالعيون الجارية والأنهار والأمطار، فهذا فيه العشر كاملاً، أي: واحداً من عشرة، ومن كل ألف مائة وهكذا، وما سُقي بالمكائن أو بالإبل أو بالبقر ونحو ذلك، فهذا فيه نصف العشر من أجل المؤونة التي تحصل في سقيه.

من مات قبل إخراج الزكاة

     منْ وجبتْ عليه الزكاة، ثم مات قبل إخراجها، وجب إخراجها من تركته، فلا تسقط بالموت، لقوله -صلى الله عليه وسلم -: «اقضُوا اللهَ، فالله أحقُّ بالوفاء». رواه البخاري ومسلم وغيرهما، فيخرجهما الوارث أو غيره من تركة الميت ; لأنها حقٌ واجب، فلا تسقط بالموت، وهي دين في ذمة الميت، يجب إبراؤه منها، والأصل براءة الذمة من أية ديون، أو التزامات، فلا يقال إن في ذمته شيئا من الزكاة الماضية، بمجرد الظنون والتوهمات؛ فالأصل أنه مؤتمن على دينه، مؤتمن على زكاة ماله، فلا يلزمه شيء سوى ذلك إلا ببينة، وإذا كان محله الصدق: فإنّ قوله مقبولٌ فيما مضى من زكاة ماله، ولا يجوز التفتيش خلفه، أو تكذيبه؛ فإنْ غلب على الظن أنه أخطأ، أو لم يخرج شيئا من زكاته السابقة، فعليك أن تتطلف معه حتى يخرجها هو، أو تخرجها أنت من ماله.

لا يجوز إسقاط ديون الناس

     ومما يجهله بعضهم في باب الزكاة أنه لا يجوز إسقاط ديون الناس والتجارة والأقساط عن المتعثرين، واعتبارها من الزكاة؛ فإسقاط الدين عن المدين واعتباره زكاة، الجمهور من الفقهاء على منعه.

     قال الحافظ النووي في المجموع: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ على مُعْسِرٍ دَيْنٌ فأَرادَ أَنْ يَجْعَلَهُ عن زَكَاتِهِ، وقال لَهُ جَعَلْتُهُ عَنْ زَكَاتِي، فَوَجْهَانِ: حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْمَرِيُّ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ فِي ذِمَّتِهِ فلا يبرأ إلا بإقباضها.... أَمَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ دَيْنِهِ، فَلَا يَصِحُّ الدَّفْعُ، وَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَا يَصِحُّ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ.. اهـ، وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الإْخْرَاجُ بِإِسْقَاطِ الْمُزَكِّي دَيْنَهُ عن مُسْتَحِقٍّ لِلزَّكَاةِ: لا يَجُوزُ لِلدَّائِنِ أَنْ يُسْقِطَ دَيْنَهُ عَنْ مَدِينِهِ الْفَقِيرِ الْمُعْسِرِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ ما يَسُدُّ بِهِ دَيْنَهُ، ويحْسِبَهُ مِنْ زكَاةِ مالِهِ، فَإِنْ فَعَل ذلِك لَمْ يُجْزِئْهُ عَنِ الزَّكَاةِ، وبِهذَا قال الْحَنَفِيَّةُ والْحَنَابِلَةُ والْمَالِكِيَّةُ ما عَدَا أَشْهَبَ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِند الشَّافِعِيَّةِ، وقَوْل أَبِي عُبَيْدٍ.

     وَوَجْهُ الْمَنْعِ: أَنَّ الزَّكَاةَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَصْرِفَهَا إِلَى نَفْعِ نَفْسِهِ، أَو إِحْيَاءِ مالِهِ، واسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَأَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ: إِلى جَوَازِ ذَلِكَ، لأِنَّهُ لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ زَكَاتَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ عَنْ دَيْنِهِ جَازَ، فَكَذَا هَذَا. اهـ، فعلى قول الجمهور لا يجوز أنْ تحسب ذلك الدين الذي لك على غريمك زكاةً، وهو الأحوط والأبرأ للذمة.

      وإذا لم يكن غريمك مصرفا للزكاة لغناه، فإنه لا يصح اتفاقا بين أهل العلم حساب الدين الذين عليه زكاة، ويمكنك أن تسقط دينك عليه، وتنوي به صدقة غير واجبة عليك، ويكون لك أجرها إن شاء الله تعالى.

التصرف في الزكاة

ومن الأخطاء التصرف في الزكاة وتغييرها، أو بغير إذن مستحقها، كالتصرف في زكاة المال بشراء الطعام ونحوه.

     فالواجب في زكاة المال أنْ تكون من النقود، ولا يجوز إخراجها مواد عينية، ولا سلعاً غذائية؛ فبعض المزكين يتصرف بمال الزكاة الذي عنده، بأنْ يشتري ملابس للفقير أو طعاماً أو أثاثاً أو غيره، وهذا خطأ، بل الواجب دفعها للفقير وهو يتصرف بها كما يشاء.

     وكذا من أخذ زكاة لإيصالها إلى شخص معين ممن يستحقها، وجب عليه أن يؤديها إلى من أرسلت له، دون التصرف بها، فإن خالف ذلك فصرفها في مصلحته، أو صرفها إلى شخص آخر، فإنه آثمٌ لخيانته للأمانة، وضامن للحق حتى يؤديه إلى من أرسل إليه.


لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك