رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 2 مايو، 2011 0 تعليق

كتاب التفسـير من مختصر صحيح مسلم للمنذري (15) التوحـيد أمـنٌ وأمـان

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

136. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ [، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [: « لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}».

الشرح:

هذا الحديث في سورة الأنعام، وقد أورده الإمام مسلم في كتاب الإيمان، وبوب عليه النووي: باب صدق الإيمان وإخلاصه، وهو حديث الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الهذلي ].

قوله: « لما نزلت « هذا نص من ابن مسعود في أنه عند نزول هذه الآية، حصل ما ذكر، والمرويات التي تحتف بنزول الآيات، يستعان بها على فهم الآيات والمراد منها، وكيفية العمل بها؛ ولذا لا يستغني عنها المفسر لكتاب الله تعالى، كما في أصول التفسير.

فابن مسعود ] يقول لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) شق ذلك على أصحاب رسول الله [ «لأنهم ظنوا أن المراد بالظلم هنا، هو الظلم المطلق، أي: كل الذنوب والمعاصي؛ ولذلك قالوا: «أينا لا يظلم نفسه؟ «  أي: من منا الذي لا يخطئ أو يقع منه التقصير في حقوق الله تعالى؟!

ولذلك قال رسول الله [ لهم: « ليس الأمر كما تظنون ! إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13) أي: المراد بالظلم هنا، المقيد وهو الشرك.

وهذه الآية التي من سورة الأنعام، قد ذكرها الله سبحانه وتعالى بعد المحاجة التي كانت بين خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام وقومه، فقال سبحانه عنه: {وحاجّه قومه قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئا} (الأنعام: 80). أي: كيف: تجادلونني وقد تبين لي الهدى، واتضح لي الحق؟ وأي فائدة في الجدال، وقد هداني الله ووصلت إلى كمال العلم واليقين بالنبوة والرسالة؟!

      وقوله: {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} أي: أنا لا أخاف آلهتكم الباطلة؛ لأنها لا تضرني ولا تنفعني لعجزها عن ذلك، وقوله {إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً} أي: إلا أن يشاء الله أن ينالني بمكروه أو سوء، بقضائه وقدره وفعله، لا بفعل أصنامكم وآلهتكم.

      وقوله: {وسع ربي كل شيء علما} أي: قد علم ربي كل شيء؛ لكمال علمه وسعته وشموله، وليس كآلهتكم التي لا تعلم شيئا، ولا تفهم ولا ترد جوابا؛ لأنها جماد، أخشاب وأحجار، لا تسمع ولا تبصر ولا تتكلم ولا تعقل. {أفلا تتذكرون}: ألا تتعظون وتعتبرون إن كانت لكم عقول وأفهام، فتتركوا عبادة الصور المنحوتة، والتماثيل المصورة، التي لا تقدر على نفع لكم ولا ضر، ولا تفقه ولا تعقل، بل أنتم أكمل منها؛ لأنكم تسمعون وتبصرون وتتحركون، وهي جامدة.

      ثم قال: {وكيفَ أخافُ ما أَشركتُم ولا تَخافون أنكم أشرَكتُم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً} أي: كيف أخاف ممن لا يقدر على ضر ولا سوء، لي ولا لغيري، ولو كانت تنفع أو تضر، لدفعت عن نفسها كسري لها، وضربي لها بالفأس. وقوله {ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا} أي: بل أنتم لا تخافون الله الذي خلقكم ورزقكم، وهو القادر على نفعكم وضركم، وهو على كل شيء قدير.

      ثم قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (81) أي: أي الفريقين أحق بالأمن: الذين آمنوا بالله عز وجل، وعبدوه وحده لا شريك له، أم الذين أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، من علمٍ أو كتاب، ولم يرسل به رسولا؟ فالشرك الذي يفعله المشركون لم ينزل فيه كتاب، ولم يأمر الله سبحانه وتعالى به الرسل، بل فعلوه هم بغير برهان ولا كتاب.

      قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: 82) فبين أن الذي يستحق الأمن والهداية، هم الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أي: أهل التوحيد، ومعنى (يلبسوا): يخلطوا، أي: لم يخلطوا إيمانهم وإسلامهم بظلم، أي: بشرك، وهذه الآية بعمومها تشمل جميع أنواع الظلم، الظاهرة والباطنة، الكبيرة والصغيرة، وهو ما فهمه الصحابة  رضي الله عنهم من الآية، وهو المتبادر للذهن، أن الظلم هو أي ظلم، والظلم كما عرّفه أهل العلم هو: وضع الشيء في غير موضعه.

      لكن السنة بيّنت هذه الآية، وأن المراد بالظلم فيها هو: الظلم الأكبر، والظلم الذي لا يغفره الله عز وجل، وهو الشرك به، وهو ما أعلمهم به النبي [ - بعد أن شقت عليهم هذه الآية - أن المقصود بالظلم ، هو ما ذكره لقمان الحكيم في وصيته لابنه بقوله تعالى: {وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان: 13).

      والوعظ: هو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص ونهاه عن الشرك، وبيّن له السبب في ذلك فقال: {إن الشرك لظلم عظيم} وذلك أنه لا أبشع ولا أقبح ولا أظلم ممن سوى بين التراب ورب الأرباب؟؟! بين الناقص العاجز الفقير، والكامل القادر الغني الذي بيده ملكوت كل شيء؟؟!

      إذاً الظلم هنا: صرف العبادة لغير الله تبارك وتعالى، ومن فعل ذلك فهو أظلم الظالمين؛ لجعله المخلوق بمنزلة الخالق.

      وهذا الحديث يبين أن المقصود بالآية هو الشرك بالله تعالى، وهو جعل العبادة في غير موضعها. وقال أهل التفسير: إن الذي يؤمن إيمانا مطلقا، ويسلم تسليما مطلقا، فلا يلبسه بشرك ولا معصية، فهذا له الأمن التام، والاهتداء التام، في الدنيا والآخرة.

وأما الذي يؤمن إيمانا يخلطه بمعاصي وذنوب، فهذا له أمن غير تام واهتداء غير تام، لكن يحصل له أصل الأمن، وأصل الاهتداء؛ لأنه مسلم لكن لا يحصل له الأمن التام الكامل، بل هو متعرض للعذاب؛ لأن كل معصية تنافي التوحيد، فالمعاصي تنافي كمال الانقياد لله سبحانه وتعالى، وعبادة الله عز وجل حق العبادة، وقال تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.

      وهكذا الشرك الأصغر، كيسير الرياء، والحلف بغير الله ونحوه، ينافي الاهتداء التام، والأمن التام.

وكذلك ظلم الناس، والتعدي على أموالهم وأعراضهم، صاحبه غير مهتد،  ومعرض للخوف.

      وقال المعتزلة: إن المراد بالظلم في هذه الآية هو عموم المعصية، لا الشرك؟! وذلك أن الإيمان والمعصية عندهم لا يجتمعان؟! لأن مذهب المعتزلة والخوارج أن صاحب الكبيرة يخرج من الإيمان بكبيرته؛ لأنه لا يمكن أن يكون مؤمنا ويسرق، أو مؤمنا ويشرب الخمر، فلا يجتمع عندهم هذا وهذا، بل عندهم إن شرب الخمر كفر؟ وإن سرق كفر؟ وان قتل كفر، وان فعل أي كبيرة من الكبائر كفر؟؟!

أما أهل السنة فيقولون: يمكن أن يجتمع في الإنسان كفرٌ وإسلام، وإيمانٌ ومعصية، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (يوسف: 106) فهذا قول أهل السنة والجماعة، أن الإسلام والمعصية قد يجتمعان في الشخص، وارتكاب الكبيرة لا يخرج الإنسان عن حدّ الإسلام، بل يسمى صاحبه مؤمنا بإيمانه،  فاسقا بكبيرته، وهم معرضون للعقوبات في الدنيا والآخرة.

      ولقمان المذكور في الآية عند عامة أهل العلم أنه كان حكيما ولم يكن نبيا، إلا عكرمة فإنه قال: كان نبيا. وتفرد بهذا القول، وقيل اسمه: أنعم، وقيل اسمه: مشكم، وقيل غير ذلك. والله تعالى أعلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك