رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 ديسمبر، 2015 0 تعليق

قواعد الترجيح عند المفسرين‏ – قواعد التَّرجيح المتعلَّقة بلغة العرب(3)

القاعدة الحادية عشرة : التَّباين في معنى الألفاظ ، أولى من التَّرادف : عند اختلاف المفسرين في تفسير ألفاظ قرآنية، بين قائل بالترادف وقائل بالتباين بين معانيها ، فأرجح القولين حملها على التباين؛ لأنه الأصل، وهو الأكثر في اللغة لإفادته معنى جديداً .

والفرق بين المترادف والمؤكد: أنّ المترادفين يفيدان فائدة واحدة من غير تفاوت أصلاً، وأما المؤكد فلا يفيد عين فائدة المؤكد، بل يفيد تقويته.

 مثاله: 1- قوله تعالى: {وتَعَاونُوا على البِّر والتقْوى} المائدة. ليُعن بعضكم أيها المؤمنون بعضاً (على البر) وهو العمل بما أمر الله بالعمل به (والتقوى) هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه. 2- قال تعالى: {لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومِنْهاجاً} المائدة . قال ابن عباس: سُنّة وسبيلا.

  القاعدة الثانية عشرة : التأصيل أولى من الزيادة:

     إذا اختلف المفسرون في تفسير لفظة، فجعلها بعضهم زائدة، وأصل المعنى تامٌ دونها، وأنها للتعدية والتأكيد، وجعلها آخرون أصلية، لا يتم المعنى إلا به، فالأولى حملها على التأصيل؛ لأنه الأصل ولا يعدل عنه إلا بدليل . وقد قرَّر هذه القاعدة الإمام الطبري وابن العربي وابن تيمية وغيرهم، وهي قاعدة مشهورة عند الأصوليين أيضا.

 مثاله قول الله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ} الأحقاف. اختلف العلماء في «إنْ» في هذه الآية على أقوال:

1- إنها شرطية ، وجزاء الشرط محذوف، تقديره: إنْ مكناكم فيه طغيتم. 2- إنها زائدة بعد «ما» الموصولة، حملاً لـ»ما» الموصولة على «ما» النافية؛ لأنَّ النافية تزاد بعدها «إن» ، ويكون المعنى: مكنّاهم في مثل ما مكناكم فيه. 3- إنها أصلية في الكلام، بمعنى النفي، أي: ولقد مكنّاهم في الذي لم نُمكنكم فيه، من القوة في الأجساد، وكثرة في الأموال والأولاد، وهذا القول هو الأولى بالصواب؛ لأن التأصيل أولى من الزيادة.

 القاعدة الثالثة عشرة : الإفراد أولى من الإشْراك:

إذا ورد لفظ في كتاب الله واحتمل الاشتراك - وهو أنْ يدل لفظ على معنيين فأكثر على السواء - والإفراد فيُحمل على إفراده؛ لأنه الأصل في اللغات، والأكثر في الاستعمال والتخاطب. وقد قرر هذه القاعدة علماء الأصول وغيرهم.

 مثاله : قول الله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} النِّسَاء .

     فذهب بعضهم إلى أن لفظ «النكاح» مشتركٌ بين العقد والوطء، حقيقة فيهما. وذهب آخرون: إلى أنه حقيقة في الجماع، مجاز في العقد.  وقيل: العكس . والذي ترجّحه القاعدة: أنه ليس مشتركاً بينهما، بل يحمل على أحدهما، إما الوطء وإما العقد؛ فهذا أرجح من كونه مشتركاً؛ لأن الاشتراك خلاف الأصل.

 القاعدة الرابعة عشرة : تصريف الكلمة واشتقاقها مرجِح :

إذا اختلف المفسرون، وأيّد تصريف الكلمة أو أصل اشتقاقها أحدَ الأقوال، فهو الأولى بالصواب؛ لأنَّ التصريف والاشتقاق يُعيدان الألفاظ إلى أصولها، فتتَّضح الألفاظ والمعاني المتفرّعة عنها.

وقد يدل تصريف الكلمة على ضعف أحد الأقوال، لأجل مخالفته له. وقد استعمل الطبري هذه القاعدة ورجّح بها، وكذلك فعل ابن عطية وابن تيمية وغيرهم.  

مثاله:1- قول الله تعالى: {إِنْ تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً} الإسراء .

اختلف المفسرون في المراد بـ«الأوابين» على أقوال:

أ- المُسبّحون.

ب- المطيعون المحسنون.

جـ- الذين يُصلّون بين المغرب والعشاء.

د - الذين يصلون بين الضحى.

هـ - الراجع من ذنبه ، والتائب منه.

والقول الأخير هو الصحيح؛ لأنّ اشتقاق كلمة : أواب، يدل عليه ، يقال: آب يؤوب أوباً، إذا رجع. 2- قول الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} الإسراء. جاء في معنى «الإمام» أقوال:

أ- نبيهم ومن كان يقتدى بهم في الدنيا ويؤتم به. ب- يدعوهم بكتب أعمالهم التي عملوها في الدنيا. جـ- كتابهم الذي أُنزل على نبيهم. د - إمام جمع «أُم» وأنّ الناس يُدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم ؟! والقاعدة ترد القول الأخير؛ لأنَّ «أم» لا تجمع على إمام، وإنما على أمهات كما هو معروف.

والمعنى الثاني هو الأقرب لقوله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} يس.

 القاعدة الخامسة عشرة: العُموم أولى من التخصيص :

يجب أنْ تُحمل نصوص القرآن -والسُّنة كذلك- العامة على عمومها؛ لأنَّ التشريع جاء عاماً، ما لم يرد نصٌ بالتخصيص. فإذا حَمل بعضُ المفسرين آيةً أو كلمة على العموم، وآخرون على الخصوص، فالصواب حملها على العموم.

     ومتى أمكن حمل الآية على معنى كلي عام شامل، يجمع تفسيرات جزئية جاءت في تفسيرها، هي من قبيل التفسير بالمثال أو الجزء أو بالثمرة أو بنحو ذلك، ولا معارض له، وتشهد الأدلة بصحته؛ فهو أولى بتفسير الآية، حملاً لها على عموم ألفاظها، ولا داعي لتخصيصها بواحدٍ من المعاني الجزئية، إلا أنْ يكون السياق يقتضي تخصيصها حتماً، أو يقوم الدليل على ذلك.

 مثاله: قول الله تعالى: {وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} الطلاق. اختلف العلماء في حكم هذه الآية على قولين:

أ- عامة في المطلقات والمتوفّى عنهن أزواجهن، فعدتهن وضع الحمل، وهذا قول الجمهور.

ب- خاصة بالمطلقات ، وأما المتوفى عنها فإنَّ عدتها أبعد الأجلين .

وهذا مروي عن ابن عباس. والقاعدة ترجح القول الأول، أخذاً بعموم ألفاظ الآية، ولا دليل يوجب التخصيص.  

القاعدة السادسة عشرة: العِبْرةُ بعموم اللفظ، لا بخصُوص السبب:

     إذا صحَّ للآية سببُ نزول، وجاءت ألفاظها أعمّ من سبب نزولها، واختلف العلماء فيها، فمنهم من جعلها قاصرةً على سبب نزولها، لا تتعداه إلى ما سواه، وآخرون حملوها على عموم ألفاظها، شاملة لأفراد السبب، ولأفراد غيره مما شابهه، فالقول الحق : هو قول من حملها على عموم ألفاظها، ولم يقصرها على سبب نزولها؛ إذ هو الأصل في نصوص القرآن والسنة، أنها نزلت تشريعا للأمة كلها.

هذا ما لم يدل دليل على التخصيص، وما لم تكن هناك قرينة تعميم، فإن كانت فالقول بالتعميم ظاهر كل الظهور، بل ينبغي ألا يكون في التعميم خلاف.

     وقد نصّ على هذه القاعدة أكثر علماء الأصول والتفسير.  مثاله:1- ما جاء عن عبد الله -رضي الله عنه- قال : جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله، إني عالجتُ امرأة في أقصى المدينة،  وإني أصبتُ منها ما دون أنْ آتيها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت. قال: فقال عمر -رضي الله عنه-: لقد سترك الله، لو سترت نفسك! فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم  شيئاً؛ فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً فدعاه، فتلا عليه هذه الآية {أقم الصلاة طرفي النهار وزُلفا من الليل إنّ الحسنات يُذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} هود. فقال رجل: يا رسول الله، هذا له خاصة؟ قال: «لا، بل للناس كافة». رواه مسلم .    

 2- قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النور: 23).

اختلف العلماء في المحصنات اللاتي هذا حكمهن، على أقوال:

أ- إنَّ ذلك لعائشة -رضي الله عنها- خاصة.

ب- أنها لأزواج النبي -رضي الله عنهن- خاصة.

جـ- أنها للمهاجرات؛ فقد كانت المرأة المؤمنة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة،  قذفها المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنما خرجت لتفجر.

هـ - أنها عامة، لأزواج النبي  صلى الله عليه وسلم ؛ ولغيرهن ممن كان بالصفة التي وصف الله -تعالى- في هذه الآية، وهذا القول هو الأصح، بناء على هذه القاعدة .

 وقد تتعدَّد الأسباب والنازل واحد ، كما في آية اللعان {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم...} النور: 6. أنها نزلت في عويمر العجلاني، كما في البخاري.  وجاء عن ابن عباس: أنها نزلت في هلال بن أمية . رواه البخاري أيضا ومسلم .

 القاعدة السابعة عشرة: الإطْلاقُ أولى من التَّقييد: 

     إذا ورد نصٌ من نصوص الوحي مطلقاً، غير مقيدٍ بقيد أو شرط، فلا يجوز تقييده، بل يجب العمل بالنص وتفسيره على إطلاقه وإبهامه، إلا إذا قام الدليل على التقييد، ومَنْ خالف ذلك بحمل النصوص المطلقة على غير إطلاقها، فقوله مردودٌ، وفعله تحكمٌ في تفسير النصوص بلا دليل، فلا يقبل منه ذلك. كما أنَّ النص إذا ورد مقيداً، فلابد أنْ يُفسر ويعمل به بمقتضى قيده، ومن أوَّله بما يُؤدي إلى بطلان قيده، فلا يقبل منه ذلك.  

مثاله: قول الله تعالى: {ومَنْ كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيام أخر} البقرة. اختلف العلماء في قوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} هل يلزم في هذه الأيام التتابع أو لا ؟

على قولين، والصواب عدم التقييد بالتتابع، لإطلاق الآية وعدم اشترطها التتابع.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك