رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 26 أكتوبر، 2015 0 تعليق

قواعد الترجيح عند المفسرين‏ – قواعد الترجيح المتعلقة بالنص القرآني

القاعدة الأولى: لا تصحُّ دعوى النّسخ في آيةٍ من كتاب الله، إلا إذا صح التصريح بنسخها أو انتفى حكمها من كل وجه .

النسخ في اللغة: الإزالة، وفي الاصطلاح: رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه.

فإذا تنازع المفسرون في آية بين مدَّعي النسخ ومانع منه؛ فالأصح المنع، إلا في الحالات الآتية:

1- ثبوت التصريح بنسخها، إما بنص الشارع على النسخ أو بالإجماع.

2- انتفاء الحكم من كل وجه، وفي هذا القيد إخراج لما يلي:

أ- مفهوم النسخ عند السلف ، لإدخالهم فيه تخصيص العام، وتقييد المطلق، وتبيين المجمل وإيضاح المبهم، والاستثناء ونحو ذلك، فإن حكم الآية لم ينتف من كل وجه، بل من بعض الوجوه دون بعض.

ب- قول الحنفية بأن الزيادة على النص نسخ؛ لأن الزيادة على النص ليس فيها نفي للحكم من كل وجه.

ت- ما أمكن فيه الجمع؛ مما ادعى عليه النسخ ، لظهور تعارض بين النصوص.

هذا وقد قرر هذه القاعدة واستعملها: الطبري في تفسيره، والنحاس في الناسخ والمنسوخ، والقرطبي والشوكاني وغيرهم ، ونص عليها علماء الأصول.

 مثال1:1- اختلف العلماء في تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وإِمَّا فِدَاء حتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}(محمد: 4)، على أقوال:

- فقال بعضهم هي منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}(التوبة: 5)، وقوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}(الأنفال: 57). أي: لا يجوز المنّ على الأسير أو الفداء به، وإنما يقتل، وهذا مروي عن ابن عباس، وبه قالت الحنفية.

- وقال جماعة هي ناسخة لقوله تعالى: {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ}(التوبة: 5)؛ فلا يجوز قتل الأسير، بل يُمن عليه أو يفادى به.

- وقال ابن عمر وغيره: بل الآية محكمة، وكذا آية القتل، أي له المنّ أو الفداء أو القتل أو الاسترقاق، على ما يراه الإمام من الأصلح للإسلام والمسلمين، وهذا القول هو الذي تُرجحه القاعدة.

 مثال 2- ذهب بعض أهل العلم إلى: أنّ جميع الآيات الآمرة بالمعاملة الحسنة مع أهل الكتاب ، والإقساط إليهم ، بأنها منسوخة بآية السيف ، والصحيح عدم النسخ لعدم التعارض.

 ثانيا: قواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات ورَسْم المصحف:

-  القاعدة الأولى : القراءة الثابتة لا تُرد، وهي كآية مستقلة.

فإذا ثبتت قراءةٌ ما، فلا يجوز لأحدٍ أنْ يطعن فيها أو يردها؛ لأنها قرآنٌ كريم ؛، وهي بمثابة الآية المستقلة ؛، التي تدل على معنى أو حكم آخر.

ويشترط في ثبوت القراءة ثلاثة شروط:

 1- صحة السند: أي أنْ يروي تلك القراءة العدل الضابط عن مثله حتى تنتهي للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ وتكون مع ذلك مما اشتهر عند أئمة الشأن الضابطين له، غير معدودة عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم.

فإذا تواترت القراءة فلا يحتاج إلى الشرطين الأخيرين، ويغني التواتر عنهما.

2- موافقة أحد المصاحف ولو احتمالا، والمراد بالمصاحف التي وجهها عثمان إلى الأمصار، واشترط موافقة بعضها لأجل ما كان ثابتا في بعض المصاحف دون بعض، وقولهم: (احتمالا)؛ لأن الموافقة قد تكون محتملة تقديراً.

3- موافقة العربية ولو بوجهٍ، سواء كان الوجه فصيحا أم أفصح، مجمعا عليه أم مختلفا فيه.

     ولا حجة في هذا الشرط لمن أنكر بعض القراءات لأجل مخالفة قاعدة في العربية، كما يفعل بعض النحاة؛ لأن أئمة القراء لا تعمل في شيء من القرآن على الأشهر في اللغة والأقيس، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل والرواية، فإذا ثبتت عنهم لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة؛ لأن القراءة سُنة متبعة يلزم قبولها والمصير إليها.

 فقد اختلف القراء والمفسرون في قراءة وتفسير لفظ (والأرحام) من قوله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}(النساء: 1، فقرأها حمزة بالجر، وبقية السبعة بالنصب.

والمعنى على قراءة الجر: أنه يُتساءل بها، كما يقول الرجل: «أسألك بالله وبالرحم» وبهذا فسّرها الحسن وعطاء وغيرهما.

وعلى قراءة النصب يكون المعنى بإضمار فعل تقديره: واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ وبهذا فسرها ابن عباس -رضي الله عنه-.

وقد رد البصريون قراءة الجر، زاعمين امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار؛ فالأفصح من وجهة نظرهم أن تكون القراءة: «وبالأرحام» عطفا على: «به».

وقد ضعف هذه القراءة الطبري والزجاج وغيرهما!!

لكن هذا القول مردود؛ لأن القراءة سنة متبعة، وإذا ثبتت لم يجز لأحد أن يردها، فقول البصريين ومن وافقهم خطأ قبيح، سببه الجهل بعلم القراءات وتواترها، كما أنّ  القرآن هو المصدر الأول للغة، لا العكس.

القاعدة الثانية: اتحاد معنى القراءتين أولى من اختلافه:

 فإذا اختلف المفسرون على أقوال، بناء على اختلاف القراءات الواردة في الآية، فإذا وجد قولٌ يجمع معنى القراءات على معنى واحد، وأمكن القول بمقتضاها جميعا، فهو أولى الأقوال بتفسير الآية.

 مثاله : قال تعالى: {ومَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم}، قرأ الكوفيون وابن عامر: بفتح الياء وإسكان الخاء من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الياء وبألف بعد الخاء وكسر الدال.

قال مكي: «وحمل القراءتين على معنى واحد أحسن، وهو أن «خادع» و«خدع» بمعنى واحد من فاعل واحد.

 القاعدة الثالثة : معنى القراءة المتواترة أولى بالصواب من معنى الشاذة :

     فالقراءة الشاذة هي كل قراءة اختل فيها شرطٌ من شروط القراءة الصحيحة، فإذا خالفت القراءة الشاذة القراءة المتواترة في مدلولها، ووقع الخلاف بين العلماء في تفسير الآية بناء على اختلاف معنى القراءتين، ولم يمكن حمل القراءة الشاذة على معنى القراءة المتواترة؛ بحيث يتّحد معنى القراءتين، فأولى الأقوال بالصواب في تفسير الآية: تفسيرها وحملها على مدلول القراءة المتواترة؛ لأنّ الشاذ لا يَقوى على منازعة الثابت المجمع عليه، وقد ذكر هذه القاعدة واستعملها في الترجيح بين المفسرين: الإمام الطبري وابن عطية والحافظ ابن حجر وغيرهم.

 أمثلة :1- قال تعالى: {ومَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}(الرعد: 43)، أي: الذين عندهم علم الكتب التي نزلت قبل القرآن، كالتوراة والإنجيل.

لكن جاء في قراءة شاذة «ومِن عِندِه علم الكتاب» أي : من عند الله علم الكتاب، قال ابن جرير: «والتأويل الذي على المعنى الذي عليه قراء الأمصار أولى بالصواب مما خالفه؛ إذْ كانت القراءة بما هم عليه مجمعون أولى بالصواب».

2- قال تعالى: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}(البقرة: 158) وقرأ ابن عباس وعلي وغيرهم: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما»، ودلالتها أنّ الطواف بين الصفا والمروة سُنة، لا يجب بتركه شيء، وهذا قول ابن مسعود ورواية عن أحمد، لكن هذه القراءة تخالف القراءة المتواترة، وما خالف المتواتر المجمع عليه، إنْ لم يمكن الجمع بينهما ، فهو باطل.

 القاعدة الرابعة: التفسير والإعراب الموافق لرسم المصحف، أولى من المخالف له :

إذا تنازع المفسرون على قولين في الإعراب أو التفسير، وكان أحدهما موافقا لرسم المصحف، ولا يقتضي مخالفة له، وآخر يقتضي مخالفته، فأولى الأقوال ما وافق رسم المصحف الذي أجمع عليه الصحابة، وهم أعلم الناس بتفسير القرآن ولغته.

ويشهد لهذه القاعدة أن متابعة الرسم في القراءة أمرٌ لازم، وهو من شروط القراءة الصحيحة وقد قام الإجماع على لزوم رسم المصحف في الوقف إبدالا وإثباتا وحذفا، ووصلا وقطعا.

ويدل للقاعدة أيضا: منع العلماء من تغيير خط المصحف ووجوب التزامه.

وقد اعتمد هذه القاعدة أبوعبيد والطبري والزجاج والقرطبي والسيوطي وغيرهم.

  مثاله : 1- قوله تعالى: {وإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}(المطففين: 3)، قال جمهور المفسرين معناه: وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم يُخسرون، وتكون «هم» في موضع نصب ويكون الوقف عليها.  وذهب بعض المفسرين إلى أنها كلمتان ويقف على «كالوا» و«وزنوا» ثم يبتدئ بـ«هم» فجعل هم في موضع رفع!

وهذه القاعدة ترجح القول الأول؛ لأن «كالوا» و«وزنوا» لم ترسم فيهما الألف الفاصلة لواو الجماعة في جميع المصاحف؛ فدل ذلك على أن الفعلين لم يكتفيا بأنفسهما، وأن الضمير «هم» في موضع نصب مفعول به.

2- اختلف العلماء في حرف «لا» في قوله: {سنُقرؤك فلا تنسى}، فقيل: ينهى الله -تعالى- نبيه أنْ ينسى القرآن الذي أقرأه إياه ، والمعنى: لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه ، إلا ما شاء الله أنْ يُنسيكه برفع تلاوته.

والقول الثاني : أن الله سيحفظ ما أوحاه إليك فلا تنساه. وأولى القولين بالصواب القول الثاني، وهو قول الجمهور، لموافقته رسم المصحف في إثبات الألف في «تنسى» فدل عدم حذفها، على أنها ليست ناهية؛ لأنها لو كانت كذلك لحُذفت الألف علامةً للجزم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك