رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 9 نوفمبر، 2015 0 تعليق

قواعد الترجيح عند المفسرين‏ – قواعد الترجيح المتعلقة بالأحاديث النبوية

القاعدة الأولى : إذا ثبت الحديثُ وكان نصاً في تفسير الآية ، فلا يُصار إلى غيره . ففي تفسير بعض الآيات نجد تفسيراً للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ورود هذا التفسير عنه صلى الله عليه وسلم ، إلا أننا نجد أحيانا كثيرة أقوالا أخرى في تفسير الآية ؟! فإذا وجد ذلك وثبت الحديث وورد مورد التفسير والبيان للآية فيجب المصير إليه ، وحمل الآية عليه ، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بتفسير وبيان كلام الله ، وهذا من مهام رسالته ، كما قال الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) النحل .

مثاله : قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) الأنعام. اختلف أهل التفسير في المراد بـالظلم على قولين :

أ- الشرك ، وعمدتهم حديث ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية شقَّ ذلك على الناس ، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يظلم نفسه ؟ قال صلى الله عليه وسلم : “ إنه ليس الذي تظنون ، ألم تسمعوا قول العبد الصالح : ( إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان. إنما هو الشرك.

ب- أنه فعل ما نهى الله عنه ، أو ترك ما أمر الله بفعله. والصحيح الأول لصحة الحديث فيه .

 القاعدة الثانية : إذا ثبت حديثٌ في معنى أحد الأقوال ، فهو مرجحٌ له على ما خالفه :

     فإذا تعددت أقوال المفسرين في آية ، فالقول الذي يؤيده خبرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم هو المقدم على غيره ، وذلك لأن ورود معنى هذا القول في قول النبي صلى الله عليه وسلم ، يدل على صحته ، وترجيح غيره ، مخالفة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم .

والفرق بين هذه القاعدة وسابقتها : أن الحديث الوارد في هذه القاعدة ، لم يرد مورد التفسير لألفاظ هذه الآية ، بل كان وروده لسبب آخر في أي باب من أبواب العلم ، لكن معناه يوافق معنى أحد الأقوال المقولة في الآية .

أما الحديث في القاعدة السابقة ، فهو وارد مورد التفسير والبيان ، لألفاظ الآية .

مثاله : قول الله تعالى: ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ) ن. اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على قولين:

أ- يوم يكشف فيه عن شدةٍ وكرب ، وذلك يوم القيامة .

ب- يوم يكشف فيه الرحمن عن ساقه ، وهو يوم القيامة ، وهذا القول روي عن ابن مسعود بإسناد صحيح ، وهذه الآية ليست نصاً في الصفة ، لأنها نكرة في سياق الإثبات ولم تضف إلى الله تعالى .

وأولى القولين بالصواب : الثاني ، لحديث أبي سعيد قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :” يَكْشِف ربُّنا عن ساقه ، فيَسجد له كلُ مُؤمن ومُؤمنة ، ويبقى كل مَنْ كان يَسجد في الدنيا رِياءً وسُمعة ، فيذهب ليَسجد فيعود ظهره طَبَقاً واحداً “ متفق عليه .

فهذا الحديث ذكر الكشف عن الساق والسجود له سبحانه وذلك يوم القيامة ، وهي كذلك مذكورة في الآية ، فهذا مما يؤيد صحة القول الثاني .

أما القول الأول فليس في معناه خبرٌ عن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر فيه الشدة والكرب مقروناً بالسجود.

قال الشوكاني: “وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عرفت ، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيها فليس كمثله شيء . دعوا كل قول عند قول محمد ... فما آمن في دينه كمخاطر “ .

القاعدة الثالثة : كلُّ تفسيرٍ خالفَ القُرآن أو السُّنة ، أو الإجماع فهو مردودٌ : نعني بمخالفة القرآن والسنة مخالفة قطعي الثبوت والدلالة ، وظني الثبوت قطعي الدلالة ، إذا اقترن بوصف يقويه ويصححه .

أما إذا كانت مخالفة الآية أو الحديث في دلالة ظنية ، فالأمر يختلف ، وهو موضع اجتهاد ، والقرائن هي التي هي التي ترجّح أحد الأقوال.

ويدل لهذه القاعدة قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) الأحزاب .

 وقوله تعالى: ( فإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء .

وسبيل معرفة وجه مخالفة القول للقرآن والسنة والإجماع ، تنبيه العلماء المجتهدين على ذلك ، لأنهم العارفون بالموافقة والمخالفة ، وأما لغير المجتهد فعليه بقول الجمهور.

 القاعدة الرابعة : لا تُحمل الآيات على تفصيلات لغيبيات لا دليل عليها : فلا سبيل لنا إلى معرفة الأمور الغيبية ، كبدء الخلق ، وأخبار الأمم الماضية وأنبيائها ، وما لم يقع كالفتن والملاحم والبعث والقيامة ، إلا بنص من قرآن أو سنة ، فلا يصح تفسيره باجتهادات لا دليل عليها ، أو بأخبار إسرائيلية ، إلا إذا سيقت هذه الأخبار من باب التحديث عن بني إسرائيل لحديث : “حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج” لا من باب التفسير لكلام الله.

أما إذا ثبتَ تفصيلٌ أو تفسير أو تعيين مبهم ، من قِبل الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ، كتعيينه صلى الله عليه وسلم اسم صاحب موسى بأنه الخضر عليه السلام ، ونحو ذلك ، فمثل هذا يجب الجزم به.

وألحق بالحديث المرفوع : قول الصحابي فيما لا مجال للرأي فيه ، ولا تعلّق له ببيان لغةٍ ، أو شرح غريب ، فله حُكم الرفع في هذه الحالة ، وقيده جماعةٌ من الأئمة بألا يكون ذلك الصحابي ممن عُرف بالأخذ من الإسرائيليات .

مثاله : 1- قول الله تعالى : ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) هود. اختلف المفسرون في عدد الذين آمنوا مع نوح عليه السلام فحملهم معه في الفلك ، على أقوال: أنهم ثمانية ، سبعة ، عشرة سوى نسائهم ، ثمانون. وكل هذه الأقوال لا دليل عليها من كتاب أو سنة ، بل هي مما أخذ من بني إسرائيل ، فالصواب ألا تحمل الآية على أيٍّ منها ، فهو مما أبهمه الله عنا ولم تقم حجة ببيانه .

2- فسَّر التابعي مجاهد المقام المحمود ، في قوله تعالى: (عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً ) الإسراء. بأنَّ الله سبحانه يُجلس رسوله صلى الله عليه وسلم معه على عرشه ؟! وهذا أمرٌ غيبي من أحوال الآخرة ، ولم يقم عليه دليل من القرآن صريح ، ولا من السنة النبوية ، ولم ينقل بسند صحيح عن الصحابة ، فهو مردود بهذه القاعدة ، وقد صح التفسير النبوي للآية بخلافه ، وهو أن المقام المحمود يوم القيامة ، هو الشفاعة النبوية .

خامساً : قواعد الترجيح المتعلقة بالآثار عن الصحابة ومن بعدهم :

القاعدة الأولى : سبب النزول الصحيح الصريح ، مرجِّح لما وافقه : فمن أهم فوائد معرفة أسباب النزول ، أنها تُعين على فهم الآية على وجهٍ صحيح ، فإذا تنازع العلماء في تفسير آيةٍ من كتاب الله ، وتعددت أقوالهم فيها ، فأولى الأقوال بتفسير الآية ما وافق سبب النزول الصحيح الصريح في السببية ، فلا تعويل على سبب نزولٍ ضعيف الرواية ، ولا على سبب نزول غير صريح في السببية ، فلا يعتبر مرجحا .

والصريح مثل أن يقول الراوي : سبب نزول هذه الآية كذا وكذا ، أو أن يأتي بالفاء التعقيبية مثل : حدث كذا فنزلت الآية ، ومثال غير الصريح أن يقول الراوي : نزلت هذه الآية في كذا ، فقد يراد به أن المذكور داخل تحت معنى الآية .

أمثلة :اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) البقرة. على أقوال :

1- المراد بالبيوت المنازل المعروفة ، والإتيان هو المجيء إليها ودخولها.

2- المراد بها النساء ، أي : أمرنا بإتيانهن من القبل لا من الدبر.

3- أنها مَثَل يفيد أمر الناس أنْ يأتوا الأمور من وجوهها .

وأصح هذه الأقوال الأول ، لما صح في سبب نزول هذه الآية من حديث البراء بن عازب قال : “ كانت الأنصار إذا حَجُّوا فرجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها ، فجاء رجلٌ من الأنصار فدخل من بابه ، فقيل له ذلك ، فنزلت هذه الآية “ متفق عليه.

القاعدة الثانية : تاريخ نزول الآية الثابت مرجح : القول الذي يوافق تاريخ نزول الآية هو الراجح ، ولا بد من ثبوت تاريخ النزول ، إما باتفاق العلماء عليه كاتفاقهم على السور المكية ، أو بصحة الرواية.

وقد ذكر هذه القاعدة ورجح بها : ابن جرير ، وابن عطية ، والقرطبي وغيرهم .

أمثلة : 1- فسَّر بعضهم الإثم في قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ منهَا وما بَطَنَ والإِثْمَ ) الأعراف. بأنها الخمر واحتج بقول الشاعر: “ شربت الإثم حتى ضل عقلي”.

قال ابن عطية :”وهذا قولٌ مردود ، لأن هذه السورة مكية ، ولم تُعن الشريعة بتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أُحد ، وبيت الشعر يقال إنه مصنوع “.

2- ادّعى بعض الإثني عشرية أن سورة “الإنسان” نزلت في حق علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “إن سورة ( هل أتى ) مكية باتفاق العلماء ، وعلي إنما تزوج فاطمة بالمدينة بعد الهجرة ، ولم يدخل بها إلا بعد غزوة بدر ، وولد له الحسن في السنة الثالثة من الهجرة ، والحسين في السنة الرابعة .

3- وأيضا في قوله تعالى: ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) فسّرها الإثنى عشرية بأنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ، وهذه القاعدة ترد هذا القول ، لأن علياً لم يتزوج فاطمة إلا في المحرم من السنة الثانية ، وولد الحسن في الثالثة والحسين في الرابعة ، وهذه السورة مكية فكيف تكون نزلت فيهم ؟!

     ثم إن “القربي” معرفة باللام فلا بد أن يكون معروفا عند المخاطبين الذين أُمر أن يقول لهم : “قل لا أسألكم...”. والحق تفسير الآية بما فسرها به حبر الأمة عبد الله بن عباس ، كما رواه عنه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بَطْنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.  وصحح هذا القول ابن جرير وابن كثير وابن حجر والشوكاني وغيرهم.

القاعدة الثالثة : فهم السلف حجة على من بعدهم : السلف هم الصحابة الكرام ، وأعيان التابعين ، ومن تبعهم من أئمة الدين ، ممن شهد له بالإمامة ، دون من رُمي ببدعة ، كالخروج والقدر والتجهم والاعتزال والرفض والإرجاء وغيرها.

    وهذه القاعدة ترد تفاسير أهل الأهواء والبدع ، الذين خالفوا تفاسير الصحابة وتابعيهم ، فحملوا القرآن على معان اعتقدوها ، وليس لهم فيها سلف من الصحابة والتابعين وأئمة الدين . وقد نص على هذه القاعدة في الترجيح : ابن جزي الكلبي في مقدمة تفسيره ، والشاطبي في الموافقات وغيرهم .

- مثاله : فسّر البعض الاستواء في قوله تعالى: ( ثم استوى على العرش ) الوارد في سبع آيات من كتاب الله تعالى  بالاستيلاء ؟! وهذا تفسيرٌ مخالف للنص القرآني ذاته ؟! إضافة لمخالفته لتفسير السلف الصالح ، من اتفاقهم على حمل آيات الصفات على ظاهرها ، مع نفي التشبيه والتمثيل عنها ، والتكييف لها .

وهذا ما أثبته الطبري والبغوي وابن كثير والقاسمي وغيرهم .

القاعدة الرابعة : تفسير جمهور السلف مقدم على كلِّ تفسيرٍ شاذ : فإذا انفرد مفسر في تفسير آية بقول خالف فيه عامة المفسرين ، ولم يكن لهذا القول دلالة واضحة قوية فهو قولٌ شاذ ، وقول الجماعة أولى بالصواب منه . وتحديد الشذوذ يختلف باختلاف الناظر فيه ، فإنْ كان مجتهداً فإنه يحدد مفهوم الشذوذ عنده بمخالفة دليلٍ ثابت ، إما قطعي أو ظني .

     أما إذا لم يكن مجتهداً فعليه بقول الجمهور. “لأن ما كان معدوداً في الأقوال غلطا وزللاً ، قليل جدا في الشريعة ، وغالب الأمر أن أصحابها منفردون بها ، قلما يساعدهم عليها مجتهد آخر ، فإذا انفرد صاحب قول عن عامة الأمة فليكن اعتقادك أنّ الحق مع السواد الأعظم من المجتهدين ، لا مع المقلدين” .

وقد رجح بهذه القاعدة ابن جرير وابن عطية  والرازي والقرطبي وغيرهم.

- مثاله : قال تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ) البقرة. ذهب عامة المفسرين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، إلى أنّ المسخ في هذه الآية : كان مَسخاً حقيقيا ، معنويا وصُوَريا ، مُسخت قلوبهم وصورهم . وذهب مجاهد إلى أنَّ المسخ كان معنوياً لا صوريا ! أي : مُسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة ؟! وأنه مَثَلٌ ضربه الله لهم ، مثل ما ضَرب مَثَل الحمار يحمل أسفاراً . وهذا القول غريب ؟! ومخالفٌ لما عليه عامة المفسرين ، وللظاهر من السياق القرآني ، ولدلالات الألفاظ العربية .

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك