رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يونيو، 2016 0 تعليق

فضائل الجهاد في السنة النبوية(3)

مرابطة المجاهد في ثغرٍ من ثغور المسلمين، لحماية البلاد الإسلامية من الأعداء، خيرٌ من الدنيا وما عليها

الفصائل العظيمة، لا تحصل إلا لأهل الجهاد الشرعي، الذي اجتمعت فيه الشروط، وانتفت عنه الموانع، وتحققت غاياته ومقاصده

 

وردت أحاديث عدة في فضل الجهاد والمجاهدين، وما أعد الله -عز وجل- لهم في الدنيا والآخرة، وهي أكثر من أنْ تحصر، وأشهر من أنْ تذكر، وكذا التحذير من تركه والإعراض عنه، ومن هذه الأحاديث:

18- عن سلمان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم  - يقول: «رِباطُ يومٍ وليلة، خيرٌ مِنْ صيامِ شهرٍ وقِيامه، وإنْ ماتَ جَرَى عليه عملُه الذي كان يَعْملُه، وأُجري عليه رِزْقُه، وأُمنَ الفَتَّان». رواه مسلم في الأمارة (3/1520).

     فمرابطة المجاهد في ثغرٍ من ثغور المسلمين، لحماية البلاد الإسلامية من الأعداء، أو للانقضاض عليهم عند الحاجة ؛ لها منزلة عظيمة عند الله تعالى، فهي خيرٌ من الدنيا وما عليها، يحوزها المؤمن فينفقها في طاعة الله، لا بل إنَّ رباط يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، يضاف إلى ذلك أنْ رزقه دائمٌ لا ينقطع، وأمنه مستمر، لا يخاف من فتنة القبور ولا غير ذلك، وهذا جزاء الله -تعالى- للمجاهد الذي اقتحم المكاره، وألقى بنفسه في المخاوف، وحصل له ما حصل من جوع وعطش وغيرهما.

قال النووي رحمه الله: «هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجَرَيان عمله عليه بعد موته فضيلةٌ مختصَّة به، لا يُشاركه فيه أحد، وقد جاء صريحاً في غير مسلم: «كل ميتٍ يُختم على عمله، إلا المرابط فإنه ينمى له إلى يوم القيامة». شرح النووي (13/61).

     وقوله صلى الله عليه وسلم : «وأُجري عليه رزقه»موافقٌ لقول الله -تعالى- في الشهداء: {ولا تحسبنَّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون} (آل عمران: 169)، والأحاديث السابقة: أنّ أرواح الشهداء تأكل من ثمار الجنة». شرح النووي (13/16).

وقال ابن قدامة -رحمه الله- في تفسير معنى الرباط وبيان فضله: «معنى الرباط، الإقامة بالثغر مقوِّياً للمسلمين على الكفار، والثَّغر:كل مكان يُخيف أهلُه العدوَّ، ويُخيفهم.

وأصل الرباط: من رباط الخيل، لأنَّ هؤلاء يربطون خيولهم، وهؤلاء يربطون خيولهم،كلٌ يُعِدُّ لصاحبه، فسُمِّي المقام بالثغور رباطاً، وإنْ لم يكن فيه خيل.

قال: وفضله عظيمٌ، وأجره كبير، قال أحمد: ليس يَعدل الجهادَ عندي والرباط شيءٌ، والرباط دفعٌ عن المسلمين وعن حريمهم، وقوةٌ لأهل الثغر ولأهل الغزو، فالرباطُ عندي أصلُ الجهاد وفرْعه، والجهاد أفضل منه للعناء والتعب والمشقة.

ثم قال بعد أن ذكر الحديث السابق: وعن فضالة بن عبيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ ميتٍ يُختمُ على عَملهِ، إلا المرابطُ في سبيل الله، فإنه يَنْمو له عملُه إلى يومِ القيامة، ويُؤمَنْ مِنْ فتَّانِ القبر». رواه أبو داود والترمذي.

قال: وأفضل الرباط: المقام بأشد الثغور خوفاً؛ لأنهم أحوج، ومقامه به أنفع، قال أحمد: أفضلُ الرباط أشدُّهم كلباً» المغني (13/18) وما بعدها.

19- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طُوبى لعبدٍ آخذٍ بعِنانِ فرسهِ في سبيلِ الله، أشعثَ رأسهُ، مغبَّرةٍ قدماه، إنْ كان في الحراسة كان في الحراسة، وإنْ كان في السَّاقة كان في السَّاقة، إنْ اسْتأذنَ لم يُؤذنْ له، وإنْ شُفِّعَ لمْ يُشفَّع». رواه البخاري ( فتح -6/81).

     فضل المجاهد في أيّ موقع كان من ساحات المعركة، فقد أثنى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على المجاهد في سبيل الله الذي لزم فرسه وسلاحه، وأعدَّ نفسه لذلك، حتى اغبرَّ جسمُه، وانتفش شَعره، لبعده عن الترف والتنعم والراحة، وأثنى عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم - أينما كان عمله، ما دام في سبيل الله، سواء كان حارساً، أم في مؤخرة الجيش، أم غيره،  وطوبى اسم للجنة ونعيمها. انظر النهاية في غريب الحديث (3/141).

20- وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله[ في غزوة تبوك، فقال لي: «إنْ شئتَ أنبأتك برأسِ الأمرِ، وعُمودِه، وذروة سنامه؟» قال: قلت: أجل يا رسول الله، قال: «أما رأسُ الأمرِ فالإسلام، وأما عمودُه فالصلاة، وأما ذروة سَنامه فالجهاد». أخرجه الترمذي (2616) والنسائي في «الكبرى» (11394) وابن ماجة (3973) وعبد الرزاق (11/194/20303) ومن طريقه أحمد (5/231) وغيرهم، وهو حديث حسن لطرقه.

فقوله: «أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الأَمْرِ؟» أي: بأَصلِ أَمرُ الدِّينِ وهو الإِسلامُ، يعني الدين الذي بُعث به هو الإسلام، وقد جاء تفسيرُه في رواية: بالشهادتين، فمن لم يقرَّ بهما ظاهراً وباطناً، فليسَ من الإسلام في شيء.

وقوله: «وعَمُودِهِ» أي: ما يَقومُ ويعتمد عليه، ولا ثبات للشيء في العادة بغير عمود، فقِوام الدّين الذي يقومُ به،كما يقومُ الفسطاطُ على عموده، هو الصلاة المكتوبة.

وقوله: «وذِرْوَةِ سَنَامه» السَّنَامُ ما ارتَفعَ مِنْ ظَهْر الجملِ، فذروة كلِّ شيء أعلاه، وذِرْوَةُ سنامِ هذا الدين، هو الجهادُ، والجهاد لا يقاومه شيءٌ من الأعمال.

21- وعن نعيم بن همار الغطفاني رضي الله عنه: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الشهداءِ أفضل؟ قال: «الذين إنْ يُلْقَوا في الصفِّ، لا يَلْفِتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يَتلبَّطُون في الغُرف العُلا في الجنَّة، ويَضحك إليهم ربُّك، وإذا ضَحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا، فلا حَسابَ عليه». رواه أحمد (5/287) وابن أبي عاصم في الجهاد (228) وأبو يعلى ( 6855 ).

وقوله: «يَتلبَّطُون» قال ابن الأثير: يتمرَّغون.

وقوله: «ويَضحك إليهم ربُّك، وإذا ضَحِك ربُّك إلى عبدٍ في الدنيا، فلا حَسابَ عليه» بشارة عظيمة للشهداء؛ فهي دليل رضاه تعالى عنهم، وحبه لهم.

وفيه: إثبات لصفة «الضحك» -لربنا جلّ شأنه- كما يليق بجلاله وعظيمته، لا يُماثل أحداً من خَلقه في ذلك.

22- وعن المقدام بن معدي يكرب: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للشهيدِ عند الله خصال: يُغفرُ له في أولِ دفعةٍ من دمه، ويُرَى مقعدَه من الجنة، ويُحلى حِليةَ الإيمان، ويُزوجُ اثنتين وسبعين زوجةً من الحُور العين، ويجارُ من عذاب القبر، ويأْمنُ من الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاجُ الوَقار، الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُشفَّعُ في سبعين إنساناً من أهل بيته».

أخرجه الترمذي (1663) وابن ماجة (2799) وأحمد (4/ 131) والبيهقي في (الشعب)(4/25/4254) واللفظ له، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة ( 3213 ).

23- وعن عبد الخبير بن ثابت بن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم - يقال لها: أم خلاَّد وهي منتقبةٌ، تسأل عن ابنها وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم -: جئتِ تسألين عن ابنك، وأنتِ منتقبة؟! فقالت: إنْ أُرزأ ابني، فلن أُرْزأ حيائي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ابنك له أجرُ شهيدين» قالت: ولمَ ذاكَ يا رسول الله؟ قال: «لأنَّه قتله أهلُ الكتاب». رواه أبو داود (3/5): باب فضل قتال الروم على غيرهم من الأمم، وأبو يعلى (3/164).

قال ابن قدامة ( 7418 ): فصل: وقتال أهل الكتاب  أفضل من قتال غيرهم.

وكان ابن المبارك يأتي مِن مَرو لغزو الروم. فقيل له في ذلك؟ فقال: إنَّ هؤلاء يقاتلون على دين.

والأحاديث في فضل الجهاد وأهله وأنواعه كثيرة، وقد جمعها كثير من المحدثين في مصنفات خاصة.

وفضل الجهاد وعلو شأنه هو ما اتفقت عليه النصوص، وإجماع الأمة، ولكن لا بد أنْ نعلم: أن هذه المنزلة الرفيعة، وتلك الفصائل العظيمة، لا تحصل إلا لأهل الجهاد الشرعي، الذي اجتمعت فيه الشروط، وانتفت عنه الموانع، وتحققت غاياته ومقاصده.

وأما غير ذلك من الأعمال التي يسميها أصحابها جهادًا! وهي ليست كذلك، بل هي في حقيقتها إفسادٌ في الأرض! فليس لأهلها نصيب من تحصيل تلك الفصائل المباركة!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك