رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 30 مايو، 2016 0 تعليق

فضائل الجهاد في السنة النبوية

وردت أحاديث عدة في فضل الجهاد والمجاهدين، وما أعد الله -عز وجل- لهم في الدنيا والآخرة، وهي أكثر من أنْ تحصر، وأشهر من أنْ تذكر، وكذا التحذير من تركه والإعراض عنه، ومن هذه الأحاديث:

1- عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «رباطُ يومٍ في سبيل الله، خيرٌ من الدُّنيا وما عليها، والرَّوحة يَروحها العبدُ في سبيل الله، أو الغَدوة، خيرٌ من الدُّنيا وما عليها». في الصحيحين.

2- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : قلت: يا رسول الله، أيُّ العملِ أفضل؟ قال: «الصلاةُ على ميقاتها»، قلت: ثم أيّ؟ قال: «ثم برُّ الوالدين»، قلت: ثم أي؟ قال: «الجهادُ في سَبيلِ الله». فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو اسْتزدُته لزادني. رواه البخاري - فتح الباري (6/3)، ومسلم (1/89).

     كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم  لشدَّة حرصهم على الإكثار من طاعة الله تعالى، والاستزادة منها، يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال التي تُرضي ربهم عنهم، فيجيب عن أسئلتهم، وقد تختلف إجابته من شخصٍ لآخر، أو من حالة لأخرى؛ إذْ السائل قد ينقصه أداء عمل من الأعمال الصالحة، فيذكره الرسول صلى الله عليه وسلم حثاًّ له على أدائه، وقد يكون المقام يقتضي أداء عملٍ آخر من الأعمال الصالحة لحاجة المسلمين إليه، فيذكره صلى الله عليه وسلم في إجابته، حضَّاً على القيام به.. وهكذا.

وفي هذا الحديث: جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجهاد في سبيل الله، في الدرجة الثالثة بعد حقّ الله تعالى، وحق الوالدين، وهو ما يدل على رفعة شأنه، وعلو مكانته.

3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: دُلني على عملٍ يَعْدل الجهاد! قال: «لا أَجده»، قال: «هل تستطيع إذا خرجَ المجاهدُ أنْ تدخلَ مسجدك، فتقومَ ولا تَفْتر، وتصوم ولا تفطر؟» قال: ومَن يستطيعُ ذلك؟ قال أبو هريرة: إنّ فرس المجاهد ليَستنُّ في طِوَله - أي يذهب ويجيء في مرح ونشاط وهو مربوط في حبله - فيكتب له حسنات. رواه البخاري - الفتح (6/4- 2785 )، ومسلم (3/1498).

     هذا الصحابي السائل كان يعلم فضل الجهاد، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم  أن يدله على عملٍ يساويه، يستطيع المداومة عليه في غير وقت الحرب، أو أنه عجز عن مباشرة الجهاد الذي علم فضله، فأراد أنْ يأتي بعملٍ يعدله وهو يقدر عليه، وفي كلتا الحالتين هو دالٌّ على حرص الصحابة -رضي الله عنهم- على الجهاد، وعلى زيادة العلم بالأعمال التي لها فضل كبير عند الله تعالى، ليأتوا بها، وينالوا ثوابها.

وقد أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بجوابين، كل منهما يدل على فضل الجهاد العظيم: الجواب الأول: قوله: «لا أجده» أي: لا أجد عملاً يعدل الجهاد، وهو واضح في أفضلية الجهاد على ما سواه من الأعمال الصالحة.

- الجواب الثاني: قوله: «هل تستطيع إذا خرج المجاهد أنْ تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟». وهذا الجواب يدل أيضاً على أفضلية الجهاد على ما سواه من الأعمال؛ لأنّ قيام الليل المستمر الذي لا فتور معه، وصيام النهار المتواصل الذي لا إفطار معه، غير مستطاعَيْن، كما أجاب بذلك السائل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ومن يستطيع ذلك؟! وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الجواب.

قال الحافظ: «وهذه فضيلة ظاهرة للمجاهد في سبيل الله، تقتضي ألاَّ يعدل الجهادَ شيء من الأعمال».

     وقال القاضي عياض: اشتمل حديث الباب على تعظيم أمر الجهاد؛ لأن الصيام وغيره مما ذكر من فضائل الأعمال قد عدلها كلها الجهاد، حتى صارت جميع حالات المجاهد وتصرفاته المباحة، معادلة لأجر المواظب على الصلاة وغيرها؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم -: «لا تستطيع ذلك». الفتح (6/5).

وقول أبي هريرة رضي الله عنه : «إنَّ فرسَ المجاهد ليَستن في طوله فيكتب له حسنات»، يشير إلى أن كل تصرفات المجاهد المباحة، تكتب له حسنات.

4- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، أيُّ الناس أفضل؟ فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «مُؤمنٌ يجاهدُ بنفسه وماله» قالوا: ثم مَن؟ قال: «مؤمنٌ في شِعْبٍ من الشِعاب، يتَّقي الله، ويَدَعُ الناس مِن شَرّه». رواه البخاري (6/6)، ومسلم (3/1503).

- الحديث أيضا: يدل على حرص الصحابة على التنافس في الأعمال الصالحة التي هي أحب إلى الله، والسؤال هنا عن أفضل الناس، ولا يكون أفضل الناس إلا إذا أتى بأفضل ما يحبه الله ورسوله-صلى الله عليه وسلم -، وإجابة الرسول صلى الله عليه وسلم واضحة في تعظيم الجهاد في سبيل الله؛ حيث جعل المؤمن المجاهد أفضل الناس، بخلاف المؤمن المتقي الذي أعماله الصالحة لا تتعداه إلى غيره، فإنه جاء في الدرجة الثانية.

ثم لا بد من العلم: أنّ هذا المؤمن المتقي الذي انزوى في شِعْب من الشِّعاب، واعتزل الناس، لا يكون إلا زمن فتنة بين المسلمين، وإلا فإنَّ الاختلاط بالناس، ونُصحهم ودعوتهم، مع تقوى الشخص في نفسه، أفضل من المتقي المنزوي بدون سبب.

5- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: يا رسول الله، نرى الجهادَ أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: «لَكُنَّ أفضلُ الجهاد، حجٌ مبرور». رواه البخاري (فتح - 6/4). وفي الحديث دلالة واضحة على فضل الجهاد وتعظيمه، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: تطلُّع النساء إلى ما سبقهن به الرجال من هذا الفضل.

الوجه الثاني: قول عائشة -رضي الله عنها-: «نرى الجهاد أفضل العمل» وإقرار الرسول[ لقولها.

الوجه الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم : «لَكُنَّ أفضلُ الجهاد، حجٌ مبرور» قيَّد كَوْن الحج أفضل الجهاد بكونه للنساء، بقوله: «لَكُنَّ» وفي هذه زيادة تأكيد، لكون الجهاد أفضل الأعمال لغير النساء.

6- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَن آمن بالله ورسوله، وأقامِ الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أنْ يُدخله الجنة، جاهدَ في سبيل الله، أو جلسَ في أرضه التي ولد فيها» فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشِّر الناس؟ قال: «إنَّ في الجنةِ مائة درجة، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتُم اللهَ فاسألوه الفِردوس، فإنه أوْسطُ الجنةِ، وأعلى الجنة». رواه البخاري ( فتح - 6/11).

     هذا الحديث في بيان اختلاف درجات الناس في الجنة، والعُلوِّ فيها ؛ فإن الآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً، وكما أنّ بين الناس في الطاعات والقُربات، والأخلاق المحمودة الظاهرة الباطنة تفاوتاً ظاهراً، فكذلك فيما يُجازون به في الآخرة تفاوتٌ ظاهر، فإنْ كنتَ تطلب أعلى الدرجات، فاجتهد ألا يَسبقِكَ أحدٌ بطاعة الله -تعالى- فقد أمرك الله تعالى بالمسابقة والمنافسة فيها؛ قال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(الحديد: 21)، وقال تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} المطففين: 26.

والعجب أننا لو تقدَّم علينا أقراننا أو جيراننا، بزيادة مالٍ أو  منصب أو بعلوِّ بناء، لثقل ذلك علينا، وضاق صدرنا، وتنغَّص بسبب الحسد عيشنا، فكيف نرضى أنْ يسبقنا أقوامٌ في الجنة بالدرجات، التي لا تُوازيها الدنيا بحذافيرها؟!

     وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حداً أدنى، يقف عنده مَن أراد دخول الجنة غير منافِسٍ في درجاتها العُلاَ، وهو: أنْ يُؤمن بالله ورسوله، ويقيم الصلاة ويصوم رمضان، ولو لم يُجاهد في سبيل الله، وحداً أعلى لمن طمحت نفسه إلى الفردوس، والمنافسة في الدرجات العُلا.

وليس في الحديث تسوية بين الجهاد وعدمه، لمن استطاع الجهاد،كما توهّم بعض الناس من قوله صلى الله عليه وسلم : «جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها» بل فيه أن أصل دخول الجنة مضمون للمؤمن، سواءً جاهد أو لم يجاهد.

      كما بيّن ذلك الحافظ مستدلاً برواية الترمذي ونصها: «قلت: يا رسول الله، ألا أخبر الناس؟ قال: «ذر الناس يعملون، فإنَّ في الجنة مائة درجة». قال الحافظ: فظهر أن المراد لا تبشر الناس بما ذكرته من دخول الجنة، لمن آمن وعمل الأعمال المفروضة عليه، فيقفوا عند ذلك، ولا يتجاوزوه إلى ما هو أفضل منه، من الدرجات التي تحصل بالجهاد». فتح الباري (6/12).

7- عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه : كتب إلى عمر بن عبيد الله حين خرج إلى الحروريَّة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس، فقال: «يا أيها الناس، لا تمنَّوا لقاءَ العدو، وسَلوا الله العافيةَ، فإذا لقيتُموهم فاصْبروا، واعلمُوا أنّ الجنةَ تحت ظلالِ السيوف..». رواه البخاري (فتح -6/156) ومسلم (3/1362).

وأي فضل أكبر من هذا الفضل؟! فالمجاهد عندما يصول ويجول في المعركة، يعلم أنه يتجوَّل في عرصات الجنة وجنباتها تحت ظل سيفه، وسيف عدوه، وما أنْ يسقط على الأرض شهيداً، حتى يدخلها.

8- عن أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «انتدبَ اللهُ لمن خرج في سبيله، لا يُخرجه إلا الإيمانُ بي، وتصديقٌ برسُلي، أنْ أُرجعه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمة، أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمتي، ما قعدت خَلْف سريَّة، ولوددتُ أني أُقتل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتل، ثم أحيا ثم أُقتل». رواه البخاري ( فتح -1/92) ومسلم (3/1497).

المجاهد الصادق في إيمانه، والمخلص في نيته، رابحٌ فالح على كل حال، سواء انتصر على عدوه، وعاد إلى بيته سالماً غانماً مأجوراً، أم استشهد فدخل الجنة.

     ثم يبين الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يقعد خَلْف سراياه وجيوشه التي يبعث بها، إلا إشفاقاً على أمته بأن تكلِّف نفسها الخروج في كلِّ سرية مثله، فيشق ذلك عليها، وإنه صلى الله عليه وسلم يتمنَّى أنْ يقتل في سبيل الله، ثم يحيا، ثم يقتل، حباً في كرامة الشهادة عند الله، ورغبة فيما عنده.

ومثله:

9- ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه : عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: «ما أحدٌ يدخل الجنة يُحبُّ أنْ يرجعَ إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيءٍ، إلا الشهيد، يتَمنى أنْ يَرجعَ إلى الدنيا فيُقتل عشرَ مرات، لما يَرى من الكرامة». رواه البخاري ( فتح -6/32) ومسلم (3/1498).

     فيذكر النبي صلى الله عليه وسلم الكرامة التي ميَّز الله بها الشهيد على غيره من المؤمنين؛ حيث لا يتمنى أحدٌ غيره أنْ يحييه الله بعد موته، فيقتل مراراً، لما يرى من الخير العظيم، والجزاء الكبير، المترتب على الشهادة في سبيل الله، قال ابن بطال: هذا الحديث أجلُّ ما جاء في فضل الشهادة. ( الفتح -6/33).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك