رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 فبراير، 2016 0 تعليق

طاعة وَليّ الأَمر في ضوء الكتاب والسنة (2)

أولى الإسلام مسألة طاعة وليّ الأمر أهمّيّةً خاصّة؛ بسبب المصالح العظيمة المتعلّقة بهذه المسألة؛ فطاعة وليّ الأمر تعمل على ترسيخ أسس الاستقرار في المجتمع، بعيدًا عن الشّقاق والخلاف والتّشرذم، كما أنّ الإسلام من مقاصده العظيمة: حِفظ الدّين والعقل والنّفس والعرض والمال، وكلّ هذه الأمور لا تتحقّق إلّا بوجود ولاة الأمور، وحصول علاقة طيّبة أو مستقرة بين الحاكم والمحكوم، مبنيّةً على الطّاعة في المعروف، فهي تؤسّس لمجتمع مستقرّ ثابت قوي متماسك ضد الأعداء.

ونستكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة.

17- فعن أبي ذررضي الله عنه قال: إن خليلي صلى الله عليه وسلم : « أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبداً مجدَّع الأطراف». أخرجه مسلم رقم (1837) 3/ 1467.

19- وعن أبي هريرة عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: «مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني». أخرجه مسلم رقم (1835) 3/ 1466.

20- وعنه أيضا: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني».

أخرجه مسلم رقم (1835) 3/ 1467.

21- وعن عرفجة قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يُفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان». أخرجه مسلم رقم (1852) 3/1479.

قوله « ستكون هنات وهنات» أي: فتن وحوادث.

22- وعن عرفجة قال سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: «من أتاكم وأمركم جميع على رجلٍ واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه». أخرجه مسلم رقم (1852) 3/1480

23- وعن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه فقال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً فمنا من يصلح خباءه ومنا من ينتضل ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة جامعة فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» فدنوت منه فقلت له: أنشدك الله، آنت سمعت هذا من رسول الله[؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي ووعاه قلبي».

أخرجه مسلم رقم (1844) 3/ 1472.

24- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدقه رجل «ثم قرأ هذه الآية {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلاً}.

أخرجه البخاري رقم (2230) 2/831، ورقم (6786) 6/2636، ومسلم رقم (108) 1/103.

25- وعن عياض بن غنم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أن ينصح لسلطان بأمر فلا يبد له علانية، ولكن ليأخذ بيده فيخلو به، فإنْ قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه له». وإنك يا هشام لأنت المجترئ إذ تجتريء على سلطان الله، فهلا خشيت أن يقتلك السلطان فتكون قتيل سلطان الله».

أخرجه أحمد رقم (3/403)، وابن أبي عاصم في السنة رقم (1097- 1098) 2/522، وفي الآحاد والمثاني رقم (876) 2/ 154، والحاكم في المستدرك (3 / 329) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (8 / 164)، وصححه الألباني في صحيح ظلال الجنة رقم (1096، 1098).

26- وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « السلطان ظل الله في الأرض, فمن أهانه , أهانه الله ومن أكرمه أكرمه الله».

أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (1024) 2/492، والبيهقي في شعب الإيمان رقم (7373) 6/ 17، وحسنه الألباني في ظلال الجنة رقم (1024).

- وأما الإجماع:

فقال النووي: « وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته وأجمع أهل السنة على أنه لا ينعزل السلطان بالفسق».

شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 228.

     وقال أيضا قوله: «إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان» «هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ بواحاً بالواو، وفي بعضها براحاً والباء مفتوحة فيهما، ومعناهما: كفراً ظاهراً، والمراد بالكفر هنا المعاصي ومعنى «عندكم من الله فيه برهان» أي تعلمونه من دين الله -تعالى- ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم، إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهلُ السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق».

شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 228.

     وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: « قال ابن بطال في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء: على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خيرٌ من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء». فتح الباري شرح صحيح البخاري (13/ 7).

وقال الإمام الطحاوي: « ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإنْ جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة». متن العقيدة الطحاوية ص47.

     وقال الإمام الحسن بن علي البربهاري : «من خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، قد شق عصا المسلمين، وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه وإنْ جار، وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري: «اصبر وإن كان عبدا حبشيا».

وقوله للأنصار: «اصبروا حتى تلقوني على الحوض».

     وليس من السُّنة قتال السلطان، فإنَّ فيه فساد الدنيا والدين، ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أموالهم وأنفسهم وأهليهم، وليس له إذا فارقوه أنْ يطلبهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يأخذ فيهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يتبع مدبرهم، واعلم أنه لا طاعة لبشر في معصية الله».

(شرح السنة للبربهاري ص29).

     وقال الشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي صاحب كتاب: أضواء البيان: «التحقيق الذي لا شك فيه أنه لا يجوز القيام على الإمام لخلعه، إلا إذا ارتكب كفراً بواحاً عليه من الله برهان، فقد أخرج الشيخان في صحيحيهما: عن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، قال: إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم فيه من الله برهان».

وفي صحيح مسلم: من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يقول خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم» قالوا قلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، إلا مَن ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة».

وفي صحيح مسلم أيضا: من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف بريء، ومن أنكر سلم، ولكن من رضى وتابع؟!» قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا».

وأخرج الشيخان في صحيحيهما: من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت، إلا مات ميتة جاهلية».

وأخرج مسلم في صحيحه: من حديث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية».

والأحاديث في هذا كثيرة.

     فهذه النصوص تدل على منع القيام عليه، ولو كان مرتكباً لما لا يجوز إلا إذا ارتكب الكفر الصريح، الذي قام البرهان الشرعي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أنه كفر بواح أي ظاهر باد، لا لَبس فيه وقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن، وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس، وأنواع الإهانة، ولم يقل أحدٌ بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك، ودام الأمر بضع عشرة سنة، حتى ولي المتوكل الخلافة فأبطل المحنة، وأمر بإظهار السنة.

     واعلم أنه أجمع جميع المسلمين: على أنه لا طاعة لإمام ولا غيره في معصية الله -تعالى- وقد جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة التي لا لبس فيها، ولا مطعن كحديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال السمع والطاعة على المرء المسلم، فيما أحب وكره، ما لم يُؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». أخرجه الشيخان وأبو داود.

وعن علي بن أبي طالب: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في السرية الذين أمرهم أميرهم، أنْ يدخلوا في النار: « لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف».

وفي الكتاب العزيز: {ولا يعصينك فى معروف}(الممتحنة).

 انتهى. من أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين (1/28 – 31)

هذا ما تيسر إيراده وإيضاحه،سائلين الله -تعالى- أن يعصمنا والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والله تعالى أعلى وأعلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك