رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 28 مارس، 2018 0 تعليق

ضوابط الرد على المخالف – لازم المذهب ولازم القول هل يلزم قائله أو لا يلزمه ؟!

لم يمنع الإسلام من المجادلة التي يتوصل بها إلى  بيان الحق وتجليته، كما قال -تعالى-: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}(النحل: 125)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم»، وقد أخذ منه جماعة من أهل العلم وجوب المناظرة والمجادلة، ولا يخفى أنها قد تكون واجبة، وقد تكون مستحبة، وقد تحرم، ومن هذا ما قاله طائفة من السلف: «ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أقروا به خُصموا، وإن جحدوا فقد كفروا»؛ ولذلك تأتي هذه الحلقات في آداب الرد على المخالف وضوابطه ومناظرته، واليوم نتكلم عن مفهوم لازم المذهب ولازم القول هل هو مما يلزم قائله، أو لا يلزمه؟! فنقول:

اللازم من قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم 

- أولاً: ينبغي أنْ يُعلم أنّ اللازم من قول الله -تعالى- وقول رسوله[، إذا صح أنْ يكون لازما؛ فهو حق لا شك فيه، يثبت به الحكم ، ويحكم به؛ لأنّ كلام الله ورسوله حقٌ ، ولازم الحق حق؛ ولأن الله -تعالى- عالم بما يكون لازماً من كلامه، وكلام رسوله[؛ فيكون مراداً، وكذلك قول الناس ؛ فإما أنْ يكون موافقاً للكتاب والسنة ؛ فيكون حقاً، ولازمه حقاً، وإما أنْ يكون مخالفاً للكتاب والسنة؛ فيكون باطلاً ، ولازمه باطلاً .

اللازم من قول العالم

ثانياً: اللازم مِنْ قول العالم له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: الالتزام والقبول

      أنْ يُذكر له لازم قوله؛ فيَلتزمه ويقبله، مثل أنْ نقول لمن يُثبت وزن الأعمال في الآخرة: يلزمك القول بجواز وزن الأعراض؛ فيقول: نعم ألتزم به؛ لأنَّ أحوال الآخرة تختلف عن أحوال الدنيا ، والله -تعالى- على كل شيء قدير ، وقد أخبر بوقوع ذلك في كتابه؛ فنحن نؤمن به ونصدقه ولا نرده، ثم إنه قد وُجد في زماننا هذا موازين للحرارة, والبرودة, والإضاءة, والصوت، ونحو ذلك من الأعراض؛ فهذا اللازم يجوز إضافته إليه، إذا عُلم منه أنه لا يمنعه.

الحالة الثانية : أن يمنع لتلازم بينه وبين قوله

     أن يُذكر له لازمُ قوله؛ فيمنع التلازم بينه وبين قوله، مثل أنْ يقول نافي الصفات لمن يُثبتها: يلزمك أنْ يكون الله -تعالى- بقولك مشابهاً للخلق في أسمائه وصفاته! فيقول له المثبت : لا يلزم ذلك؛ لأننا عندما أضفنا الصفات إلى الخالق -سبحانه- قطعنا توهُّم المشابهة ، بأدلة كثيرة ، منها قوله تعالى-: {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير}(الشورى :11)،  وقوله: {هل تعلمُ له سَمياً}(مريم)، وقوله: {ولمْ يكنْ له كُفُواً أحد}(الإخلاص: 4)، وغيرها من الآيات .

      كما أنك أيها النّافي للصفات، تُثبت ذاتاً لله -تعالى- وتمنع أنْ يكون الله مشابهاً للخَلق في ذاته؛ فقُل مثل ذلك أيضاً في باقي الصفات؛ إذْ لا فرق بينهما، وهذا اللازم لا يجوز إضافته إلى أهل السُّنة والجماعة، بعد أنْ بيّنا وجه امتناع التلازم بين قول نافي الصفات، وبين ما أضيف إلى منهج السلف الصالح، وإنْ شنّع به أهل البدع .

الحالة الثالثة: ألا يذكربالتزام ولا امتناع

أنْ يكونَ اللازم مَسكوتاً عنه؛ فلا يُذكر بالتزام، ولا امتناع، فهذا حُكمه ألا يُنْسب إلى أَحد؛ لأنه إذا ذُكر له اللازم: فقد يلتزمه، وقد يمنع التلازم، وقد يتبيّن له وجه الحق؛ فيرجع عن اللازم والملزوم جميعاً .

     ولأجل هذه الاحتمالات؛ فلا ينبغي إضافة اللازم إليه، ولا سيما أنّ الإنسان بشرٌ، وقد يقع له ذُهول وغفلة عن اللازم من قوله، أو يسهو ، أو ينغلق فكره، أو يقول القول في مضايق المناظرات، من غير تدبر في لوازمه، ونحو ذلك، بل قد تذكر له اللوازم الباطلة - عند المناظرة - لإظهار شناعة المذهب الباطل الذي التزمه؛ فيتنبّه ويرجع عن قوله؛ لأنَّ العاقل إذا نُبّه إلى ما يلزم قوله من اللوازم الفاسدة، رجع واسترجع.

اضطراب أهل البدع

     وأهل البدع – لاضطرابهم وتناقضهم في أقوالهم ومذاهبهم – قد يَفر الواحدُ منهم من اللازم الحقّ؛ ليقع في اللازم الباطل! وهو يظن في ذلك السلامة كالقَدَري يَفر من لازم كون الله يُضل مَن يشاء؛ فيقع في لازم كونه يقع في مُلكه ما لا يشاء! وكذلك منكر الصفات: يفرّ من التشبيه -بزعمه- فيقع في التعطيل الذي قد يقوده إلى التعطيل الكامل؟ فلا يعرف إلها موجوداً معبوداً!

هل اللازم مذهب؟

وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : هل لازم المذهب مذهب ، أم لا؟

فكان جوابه: الصواب أنَّ لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب، إذا لم يلتزمه؛ فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه، كانت إضافته إليه كذباً عليه، بل ذلك يدل على فساد قوله، وتناقضه في المقال .

قال: ولو كان لازم المذهب مذهباً، للزم تكفيرُ كل مَن قال عن الاستواء وغيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة؛ فإن لازم هذا القول يقتضي ألا يكون شيء من أسمائه وصفاته حقيقة.  مجموع الفتاوى ( 20/217).

يحكم عليه بالكفر

     ونقل الحافظ السخاوي عن شيخه الحافظ ابن حجر قوله: «الذي يظهر أنَّ الذي يُحْكم عليه بالكفر، مَنْ كان الكفر صريحَ قوله، وكذا مَنْ كان لازم قوله وعرض عليه فالتزمه، أما مَنْ لم يلتزمه، وناضل عنه؛ فإنه لا يكون كافراً ، ولو كان اللازم كفراً». فنح المغيث (1/334).

إذا لم يصرح به صاحبه

     وقال الشيخ السعدي في هذه المسألة: «والتحقيق الذي يدلُّ عليه الدليل: أنَّ لازم المذهب الذي لم يُصرح به صاحبه، ولم يُشر إليه، ولم يلتزمه؛ ليس مذهباً؛ لأنَّ القائل غير معصوم، وعلمُ المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر؛ فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه؟ ونُقوّله ما لم يقله، ولكننا نستدل بفساد اللازم على فساد الملزوم؛ فإنَّ لوازم الأقوال من جملة الأدلة على صحتها وضعفها، وعلى فسادها؛ فإنَّ الحق لازمه حق، والباطل يكون له لوازم تناسبه؛ فيستدل بفساد اللازم خصوصاً اللازم الذي يعترف القائل بفساده على فساد الملزوم».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك