رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 ديسمبر، 2017 0 تعليق

ضوابط الرد على المخالف- كل ما وافق الكتاب والسنة حقٌ يقبل وما خالفهما فهو باطل يرد

قلنا فيما مضى: إنَّ كل ما يقوله الناس لابد مِنْ عرضه على الكتاب والسنة، فما وافق الكتاب والسنة فهو حقٌ يُقبل, وما خالفهما فهو باطل يُرد، وأما إنْ احتمل الوجهين: فإما أنْ يُعرف مراد المتكلم، فيحكم له أو عليه بحسب المراد. وإما ألا يعرف مراده، فينظر في هذه الحالة في سيرته – أي سيرة المتكلم – فإنْ كانت سيرته حسنة، حُمل كلامه على الوجه الحسن، وإن كانت سيرته سيئة، حمل كلامه على الوجه السيء، كما قال الله -تعالى-: {وَالبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}(الأعراف: 58).

 

     وهذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ للْمُؤْمِنِ والكافِرِ، فَمَثَلُ الْمُؤمنِ؛ مَثَلُ البَلدِ الطَّيِّبِ، يُصِيبُه المطَرُ فَيَخْرُجُ نَباته بِإِذْنِ ربِّهِ، {وَالَّذِي خَبُثَ}، أي: الأرض السبخة التي {لَا يَخْرُجُ} نَبَاتُهَا {إِلَّا نَكِداً} أَي: عُسْرًا قَلِيلًا، بِعَنَاءٍ ومَشَقَّةٍ.

      وعملاً بهذه القاعدة شرح الإمام ابن القيم -رحمه الله- كتاب (منازل السائرين) للشيخ الإمام القدوة محمد بن إسماعيل الهروي الأنصاري في كتابه القيم: (مدارج السالكين)، فقَبل من كلام الشيخ ما دلّ عليه الدليل، ورد منه ما خالفه الدليل، وحمل على أحسن المحامل ما احتمل وجوهاً، إحساناً للظن بشيخ الإسلام الهروي.

مخالفة العلماء

     مسألة أخرى وهي: إذا أجمع العلماء على الشيء، فلا شك ولا ريب؛ أنّ مخالفهم منحرفٌ عن الصراط المستقيم، معاندٌ لله -تعالى- ولرسوله -صلى الله عليه وسلم -، بل قد يكفر في بعض المسائل؛ فإنّ الإجـماع هو المصدر الثالث من مصادر التشريع المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة.

      وتعريف الإجـماع لغة: هو العزم، يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه، وقد يتعدى دون حرف الجر، فيقال: أجمع فلان كذا، بمعنى عزم، ومنه قوله -تعالى-: {فأجمعوا أمركم} أي: أعزموا، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن لم يُجمع الصيام قبل الفجر، فلا صيام له». رواه الترمذي (730).

تعريف الإجماع

ويأتي الإجماع أيضاً بمعنى: الاتفاق، يقال: أجمع القوم على كذا، أي: اتفقوا عليه.

 وأما اصطلاحاً: فهو اتفاق المجتهدين، من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم - على أمرٍ من الأمور، في عصر غير عصر الرسول.

شرح التعريف

اتفاق المجتهدين: قيدٌ يخرج به اتفاق غيرهم من العوام، فلا عبرة به، لا بوفاقهم ولا بخلافهم.

      والمجتهد من بلغ رُتبة الاجتهاد، على ما ذكره العلماء في مباحث الاجتهاد والتقليد؛ لأنَّ غير المجتهد لا يسند إليه أمر النظر في الشريعة في حال من الأحوال، فلا بد من اعتبار الاجتهاد، ذُكر في التعريف أم لم يذكر، والألف واللام في المجتهدين للاستغراق، فيجب اتفاق جميع المجتهدين، ولا ينعقد الإجماع مع خلاف معروف لبعضهم، ولو كان المخالف واحداً. وقولهم: من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم -: هذا قيد يخرج به من كفرناه ببدعته، فإنا نلحقه بالمجتهدين من غير المسلمين، ولا عبرة بوفاقه ولا بخلافه.

      وقولهم على أمر من الأمور: سواء أكان هذا الأمر شرعياً، كحل البيع، وحرمة الربا، أم لغوياً ككون الفاء للتعقيب، أم عقلياً، كحدوث العالم، أم دنيوياً، كآراء المجتهدين في تدبير أمور الحرب.

أحد مصادر التشريع الإسلامي

      فالإجماع الصحيح أحد مصادر التشريع الإسلامي، فإذا ثبت الإجماع فهو حجة شرعية ملزمة، لا يجوز لأحد مخالفته، وقد قرّر العلماء الاستدلال على حجّيّة الإجماع، بأدلة كثيرة، تدل على حجيته، من القرآن الكريم، والسنة النبوية.

من أدلة القرآن الكريم

      قول الله -تعالى-: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} النساء: 115، فقوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى} أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول -صلى الله عليه وسلم -، فصار في شقٍّ والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح له، وقوله: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية، فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقا، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفاً لهم وتعظيما لنبيهم -صلى الله عليه وسلم -، وقد وردت في ذلك أحاديث صحيحة كثيرة، قد ذكرنا منها طرفا صالحا في كتاب (أحاديث الأصول)، ومن العلماء من ادعى تواتر معناها، الذي عول عليه الشافعي -رحمه الله- في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته هذه الآية الكريمة، بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك واستبعد الدلالة منها على ذلك.

     ولهذا توعَّد -تعالى- على ذلك بقوله: {نولّه ما تولّى ونُصْله جهنّم وساءت مصيراً} أي: إذا سلك هذه الطريق جازيناه على ذلك، بأن نحسنها في صدره ونزينها له - استدراجاً له - كما قال -تعالى-: {فذرني ومَنْ يكذب بهذا الحديثِ سَنستدرجهم من حيثُ لا يَعلمون} القلم: 44. وقال -تعالى-: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} الصف: 5. وقوله: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} الأنعام: 110.

      وجعل النار مصيره في الآخرة، لأنَّ من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة، كما قال -تعالى-: {احْشُروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يَعبدُون، من دون الله فاهْدوهم إلى صراطِ الجَحيم} الصافات: 22 - 23. انتهى من تفسير ابن كثير.

الإجماع حجّة

      قال الفخر: «روي أنّ الشافعي سئل عن آية في كتاب الله تدلّ على أنّ الإجماع حجّة فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتّى وجد هذه الآية. وتقرير الاستدلال: أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام؛ فوجب أن يكون اتّباع سبيل المؤمنين واجباً، بيان المقدمة الأولى: أنّه -تعالى- ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتّبع غير سبيل المؤمنين، ومشاقّة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد، فلو لم يكنْ اتّباع غير سبيل المؤمنين موجباً له، لكان ذلك ضمّا لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقلّ باقتضاء ذلك الوعيد، وأنّه غير جائز، فثبت أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام، فإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتّباع سبيلهم واجباً».

أمةً وسطًا

      ومن ذلك، قوله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة: 143، قال الجوهري في (الصحاح): «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» أي: عدلا. وهو الذي قاله الأخفش والخليل وقطرب.

      قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «والوَسَطُ: العَدْلُ الخِيَارُ، وقد جَعَلَهُمْ اللَّهُ شُهَدَاءَ على النَّاسِ، وأَقَامَ شَهَادَتَهُم مَقَامَ شَهَادَةِ الرَّسُولِ، وقد ثَبَتَ في الصَّحِيحِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فقال: «وَجَبَتْ وَجَبَتْ»، ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عليها شَرًّا، فقال: «وَجَبَتْ وَجَبَتْ»، قَالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا قَوْلُك وَجَبَتْ وَجَبَتْ؟ قَالَ: «هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عليها خَيْرًا، فَقُلْت: وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، وهذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ علَيها شَرًّا، فَقُلْت: وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ».

      قال: فَإِذا كان الرَّبُّ قد جَعَلَهُم شُهدَاءَ لم يَشهدُوا بِباطِلِ، فإِذا شَهِدُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِشيءٍ؛ فَقَدْ أَمَرَ بِهِ، وإِذَا شَهِدُوا أَنَّ اللَّهَ نَهَى عَنْ شَيْءٍ فَقَدْ نَهَى عنه، ولو كانوا يَشْهَدُونَ بِبَاطِلٍ أَوْ خَطَأٍ، لَمْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، بل زَكَّاهُمْ اللَّهُ في شَهادَتِهِم، كما زَكَّى الْأَنْبِيَاءَ فِيمَا يُبَلِّغُونَ عنه؛ أَنَّهم لَا يَقُولُون عليه إلَّا الْحَقَّ، وكَذَلِكَ الْأُمَّةُ لَا تَشْهَدُ عَلَى اللَّهِ إلَّا بِحَقٍّ، وقَال تعالَى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ} وَالْأُمَّةُ مُنِيبَةٌ إلَى اللَّهِ، فَيَجبُ اتِّبَاعُ سَبِيلِها». انتهى من «مجموع الفتاوى» (19 /177-178).

فائدة: وسطية الأمة من وجوه

- أحدها: أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين، ولا شك أنّ طرفي الإفراط والتفريط رديئان؛ فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيداً عن الطرفين، فكان معتدلاً فاضلا.

- وثانيها: إنما سُمي العدل وسطا؛ لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين.

- وثالثها: لا شك أنّ المراد بقوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} طريقة المدح لهم، لأنه لا يجوز أنْ يذكر الله -تعالى- وصفا ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهودا له، ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول؛ إلا وذلك مدحٌ، فثبت أنَّ المراد بقوله: (وسطا) ما يتعلق بالمدح في باب الدين، ولا يجوز أنْ يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً؛ إلا بكونهم عدولا، فوجب أن يكون المراد في الوسط: العدالة.

- ورابعها: أنَّ أعدل بقاع الشيء: وسطه، لأنَّ حُكمه مع سائر أطرافه على سواء، وعلى اعتدال، والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد، والأواسط محميةٌ محوطة، فلما صح ذلك في الوسط، صار كأنه عبارة عن المعتدل الذي لا يميل إلى جهة دون جهة. (انظر التفسير الكبير).

رد التنازع على الله ورسوله

      ومن الأدلة على حجية الإجماع: قوله -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} النساء: 59، فقوله: {فإن تنازعتم في شيء} أي: تجادلتم واختلفتم؛ فكأن كل واحد ينتزع حجة الآخر ويذهبها، والنزع الجذب، والمنازعة مجاذبة الحجج. {فردوه إلى الله والرسول} أي: ردوا ذلك الحكم إلى كتاب الله، أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم -؛ هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة، وهو الصحيح. ومن لم ير هذا اختل إيمانه؛ لقوله -تعالى-: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}.

وقوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ} يدل بمفهوم الشرط: على أنّ ما أجمعوا عليه، لا يَجب ردّه إلى الكتاب والسنة، اكتفاء بالإجماع المنعقد.

ومن الأدلة من السُّنة النبوية على حجيِّة الإجماع

      ما رواه ابنِ عُمَرَ- رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ، ويَدُ اللَّهِ مَعَ الجَمَاعَةِ». رواه الترمذي (2167)، قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: حديث مشهور له طرق كثيرة، لا يخلو واحد منها من مقال. وصححه الألباني.

      ورواه ابن أبي عاصم في (السنة) (83): عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ -رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم - كان يقول: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَجَارَ أُمَّتِي أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى ضَلَالَةٍ». وصححه الألباني.

      وأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم - في أكثر من حديث: بملازمة جماعة المسلمين، ونهى عن مُخالفتهم ومفارقتهم، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ أَحَدٌ يُفَارِقُ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَيَمُوتُ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». رواه البخاري (7143)، ومسلم (1849)، وقوله -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ». رواه أبو داود (4758)، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «وأمْرُ رسول الله بلزوم جماعة المسلمين، مما يُحتج به في أنّ إجماع المسلمين - إنْ شاء الله - لازمٌ»، (الرسالة) (1/ 403).

      قال ابن قدامة -رحمه الله-: «وهذه الأخبار لم تزل ظاهرةً مشهورة في الصحابة والتابعين، لم يدفعها أحد من السلف والخلف، وهي وإن لم تتواتر آحادها، حصل لنا بمجموعها العلم الضروري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم - عظّم شأن هذه الأمة، وبين عصمتها عن الخطأ». (روضة الناظر) (1/ 387)، فهذا بعض ما احتج به أهل العلم من أدلة الكتاب والسنة؛ على أنَّ الإجماع حجة شرعية.

      وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «إجماع الأمة على شيء إما أنْ يكون حقاً، وإما أنْ يكون باطلاً، فإنْ كان حقاً فهو حجة، وإنْ كان باطلاً، فكيف يجوز أنْ تجمع هذه الأمة - التي هي أكرم الأمم على الله منذ عهد نبيها إلى قيام الساعة - على أمرٍ باطل لا يرضى به الله؟! هذا من أكبر المحال». (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين) (11/ 63).

       ومن الأدلة النظرية العقلية: ما استدل به بعض العلماء؛ إذْ قالوا: إنّ الحق لا يمكن أنْ يضيع في زمنٍ الأزمان؛ لذلك لزم من هذا أنْ يكون إجماع أي عصرٍ حجة على من بعدهم؛ لأنه لو أجمع أهلُ عصرٍ من العصور على حكم فرعي فهذا يلزم أنه هو الحق؛ لأنه لو لم يكن الحق لكان إجماعهم على باطل، وأنّ الحق ضاع في ذلك الزمن! وهذا لا يكون كما تقدم في الحديث: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ».

       وهنا نقول: من الذي يعرف إجماع العلماء؟ هو العالم والفقيه الذي يعرف ذلك من مظانه، من كتب الفقهاء والعلماء ومصنفاتهم، أما الشخص العادي فلا يمكنه معرفة ماذا أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه؛ لأن معرفة أقوال العلماء في الشرق والغرب، يحتاج إلى كتب وبحث ودراسة، وجمع لأقوالهم المدونة في مؤلفاتهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك