رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 9 فبراير، 2018 0 تعليق

ضوابط الرد على المخالف – الاستقراء من طرق الاستدلال على الأحكام الشرعية

 

يجد الباحث في كتاب الله -تعالى- أن القرآن الكريم قد اتخذ المنهج الاستقرائي وسيلة من وسائل الاستدلال على سنن الله -تعالى- في الكون والناس، ومن ذلك قول الله -تعالى-:  {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (الأنعام: 38). {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}(الإسراء: 38)، وَرَدَ هذا بعد استقراء الآيات السابقة أمهات الرذائل التي ينبغي اجتنابها. الاستقراء هو أحدُ طرق الاستدلال على الأحْكام الشرعيّة، وهو من الأدلة المختلف فيها أيضا، والاستقراء لغة: مِن قرأ الأمر، أي: تَتَبَّعه، ونظر في حاله، أو من: قرأت الشيء بمعنى: جمعته وضممت بعضه إلى بعض ، لترى توافقه واختلافه، وكلا الأمرين يعني التتبع لمعرفة أحوال شيءٍ ما؛ فهو تتبع جزئيات قضية معينة، للخروج بها إلى حُكم مسألة، أو هو: استنتاج حكم كليٍّ من تتبع جزئياته .

     فإنْ كان الاستدلال على الكلي بجزئياته كلها؛ فهو استقراءٌ تام ، وهو قليل الوقوع ، وإنْ كان الاستدلال على الكلي ببعض جزئياته؛ فهو استقراءٌ ناقص، وهو الأكثر وقوعاً؛ فهو نوعان إذا:

- الأول: الاستقراء التام، بتتبع الجزئيات كلها إلا صورة محل النزاع، لإثبات حكمٍ كلي؛ فيثبت في محل النزاع ، وتعريفه: إثْباتُ حُكْمٍ في جُزئيّ، لِثُبُوته في الكُلّي، فيستدل بتتبع جزئيات الكلي في ثبوت حكم ، ليستدلّ به على صُورة النِّزاعِ ، وهو مُفيدٌ للقَطْعِ ، وهو حجة بالاتفاق .

- النوع الثاني : اسْتقْراءٌ ناقصٌ ، بأَنْ يكونَ الاسْتقراءُ بأَكثَرِ الجُزئيَّاتِ، لإِثْباتِ الحُكمِ الكليِّ المُشتركِ بين جميع الجُزئِيَّاتِ، بشرطِ أَلا تَتبَيَّنَ العلَّةُ المُؤثّرةُ في الحُكمِ، ويُسمَّى هذا عند الفُقهاءِ: إلحاقُ الفردِ بِالأَعَمِّ الأَغْلبِ؛ فهو ظَنِّيٌّ. ويخْتلفُ فيه الظَّنُّ باخْتلاف الجُزئِيَّاتِ؛ فكُلَّما كان الاسْتقْرَاءُ في أَكثرَ كان أَقْوى ظَنًّا.

العمل بالاستقراء

     فقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (5/31): تقرّر في الأصول, أن الاستقراء من الأدلة الشرعية، ونوع الاستقراء المعروف عندهم بالاستقراء التام حجّة بلا خلاف، وهو عند أكثرهم دليلٌ قطعي، وأما الاستقراء الذي ليس بتام, وهو المعروف عندهم بإلحاق الفرد بالأغلب؛ فهو حجةٌ ظنية عند جمهورهم.

     والاستقراء التام المذكور هو: أنْ تتبع الأفراد؛ فيوجد الحُكم في كل صورةٍ منها، ما عدا الصورة التي فيها النزاع، فيُعلم أنّ الصورة المتنازع فيها حكمها حكم الصور الأخرى التي ليست محل نزاع . وكذا الشاطبي جَرى على التقسيم المعروف للاستقراء ، بتقسيم الاستقراء إلى استقراء تام ، واستقراء ناقص .

     أما الاستقراء التام؛ فالشاطبي – كغيره من العلماء - يرى أنه يُفيد القطع ، وقد صرّح بذلك في مواطن، ذلك أنّ حقوق الله -تعالى- لا ترجع إلى اختيار المكلَّف، ومِن ثمَّ لا يمكن لأحدٍ إسقاطها؛ حيث يقول: أما حقوق الله -تعالى-؛ فالدلائل على أنها غير ساقطة، ولا ترجع لاختيار المكلَّف كثيرة، وأعلاها الاستقراء التام في موارد الشريعة ومصادره .

     فالعمل بالاستقراء الناقص: يفيد الظن، ويدل على ذلك: أنّ له صوراً كثيرة داخلة تحت نوع، واشتركت في حُكم ، وليس ما يعلم أنه منها ؛ خرج عن ذلك الحكم ، وتفيد تلك الكثرة قطعا عن ظن الحكم؛ فالاستقراء التام : يفيد القطع، والاستقراء الناقص: يفيد الظن، أو الظن الغالب عند الجمهور .

     فالاستقراء الناقص ظنّي لا قطعي، وتختلف درجات دلالته على الظن؛ فكلما كان في أكثر الجزئيات قرب فيه الظن من القطع، وقد ذهب الشاطبي إلى أنَّ الاستقراء الناقص (الأغلبي الأكثري) يفيد القطع .

      ومما يدل على العمل بالظنّ الغالب في الشرع: ما ورد في الصحيحين : عن أم سلمة -رضي الله عنها-: عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : «إنما أنا بشرٌ ، وإنكم تَخْتصمُون إليَّ، ولعلّ بعضَكم ألحنُ بحجته مِنْ بعض؛ فأحسبُ أنه صَدَق؛ فأقْضي له بذلك؛ فمنْ قَضَيتُ له بحقّ مُسلم؛ فإنما هي قطعةٌ من النار ، فليَأخذْها أو ليتركها».

المنهج الاستقرائي عند الشاطبي

     يتميز كتاب (الموافقات) للعلامة الشاطبي باعتماده المنهج الاستقرائي، للاستدلال على القواعد والمسائل الأصولية والمقاصدية، والإمام الشاطبي حدّد ذلك في بداية كتابه، أي المنهج الذي سيسلكه ويعتمده؛ فقال: ولما بدا من مكنون السّر ما بدا، ووفّق الله الكريم لما شاء منه وهدى، ولم أزلْ أقيد من أوابده، وأضم شواهده تفاصيل وجملاً، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده، مبيناً لا مجملاً، معتمدا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبيناً أصولها النَّقلية، بأطرافٍ من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة .

      والمتتبع لكتاب (الموافقات) يظهر له بجلاء : التزام الإمام الشاطبي بالمنهج الاستقرائي ، حتى لا نكاد نجد قاعدةً من القواعد العامة ، أو كلية من الكليات التي بحثها في كتابه هذا ، إلا و قد دلَّل لها - من جملة أدلتها - بالاستقراء، سواء اكتفى في ذلك بالقول : بأن تلك القاعدة أو الكلية ؛ محل الاستدلال قد ثبتت باستقراء موارد الشريعة ومصادرها، من غير إيراد الجزئيات المستقرأة، أو بإيراد طرف من تلك الآحاد المستقرأة .

الأخْذُ بأقل ما قيل

     ومن الأدلة المختلف فيها، الأخْذُ بأقل ما قيل ومحله إذا كان الأقل جزءا من الأكبر، ولم يجد الفقيه دليلًا غيره؛ فيأخذ به؛ لأنه قد حصل الإجماع الضمني على الأقل؛ فهو دليلٌ مركب من: الإجماع، والبراءة الأصلية، ومعناه: الأخذ بالمتحقّق المتيقن، قَال القاضي عبدُ الوهَّابِ: وحَكَى بعضُ الأُصُولِيِّينَ إجْماعَ أَهلِ النَّظرِ عليه .

     وحقيقته - كما قال ابنُ السَّمْعانيِّ - : أَنْ يَختلفَ المُختلفُونَ في مُقَدَّرٍ بالِاجتِهادِ على أَقَاويلَ؛ فيُؤخذُ بأَقَلِّها عند إعْوَاز الْحُكمِ، أَي: إذا لمْ يَدلَّ على الزِّيادةِ دليلٌ .

وقال القَفَّالُ الشَّاشيُّ : «هو أَنْ يردَ الفعلُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُبيِّنًا لمُجملٍ، ويحتاجُ إلَى تَحديده؛فيُصارُ إلَى أَقَلِّ ما يُؤخذُ، كما قالهُ الشَّافعيُّ في أَقَلِّ الجزْيةِ بِأَنَّهُ: دِينَارٌ؛ لِأَنَّ الدَّليلَ قام أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ توْقيتٍ؛ فصارَ إلى أَقَلِّ ما حُكَي عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْجِزْيَة». البحر المحيط (4/337)، ومثلوا له: بديّة الذمي، فالأقوال فيها ثلاثة :

- الأول: إنها ثلث دية المسلم، كقول الشافعي.

- الثاني: إنها نصف دية المسلم، كقول المالكية والحنابلة .

- الثالث: إنها كدية المسلم، كقول الحنفية.

     فلو كانت المسألة خالية من الدليل، فأخذ الفقيه بالثلث، بناء على أنّ الثلث هو أقلُّ ما قيل في المسألة، وهو مجمع عليه ؛ لأنه مندرج ضمن قول من أوجب النصف ، أو الكل ، والأصل براءة الذمة بالنسبة لمن سيدفع الدية؛ فلا يجب عليه شيء إلا بدليل، ولا دليل يوجب الزيادة على الثلث ، وإنما أوجبنا عليه الثلث للإجماع؛ فمن استدل بهذه القاعدة التي نحن بصددها ، أخذ بهذا القول الأخير؛ لأنه أقل ما قيل .

- ومثّل لها القاضي عبد الوهاب بقوله: وصورة هذه: أن يجني رجلٌ على سلعة، فيختلف المقومون في تقويمها ، أو يجرح جراحة ليس فيها تقدير؛ فيختلف في أرشها أربابُ الخبرة في ذلك ، فيأخذ الشافعي بأقل ما قيل.

- ومثّل لها ابن عقيل بقوله: «وهو كما تقول: إذا أتلف رجلٌ ثوباً على آخر؛ فشهد عليه شاهدان أنه يساوي عشرة دراهم، وشهد آخران أنه كان يساوي خمسة عشر درهماً؛ فإنه يجب على المتلف عند أصحاب الشافعي أقل الثمنين». الواضح في أصول الفقه (2/317) .

تفصيل حسن للمسألة

- ولأبي المظفر السمعاني تفصيل حسن للمسألة ، حين قسمها إلى قسمين‏:‏

- أحدهما‏:‏ أنْ يكون ذلك فيما أصله البراءة، فإنْ كان الاختلاف في وجوب الحقِّ وسقوطه، كان سقوطه أولى لموافقة براءة الذمة؛ ما لم يقم دليل الوجوب، وإنْ كان الاختلاف في قَدْره بعد الاتفاق على وجوبه كدية الميت إذا وجبت على قاتله؛ فهل يكون الأخذ بأقله دليلا؟ اختلف أصحاب الشافعي فيه‏.‏

- القسم الثاني‏:‏ أنْ يكون مما هو ثابتٌ في الذّمة، كالجمعة الثابت فرضها، مع اختلاف العلماء في عدد انعقادها؛ فلا يكون الأخذ بالأقل دليلاً ، لارتهان الذمة بها ؛ فلا تبرى الذمة عنه إلا بدليل؛ لأنّ الذمة تبرأ بالأكثر إجماعا وفي الأقل خلاف؛ فلذلك جعلها الشافعي تنعقد بأربعين؛ لأن هذا العدد أكثر ما قيل .

مذاهب العلماء

- فمذاهب العلماء إذا في المسألة على قولين: الأول: حجيّة هذه الدلالة، وهو مذهب الشافعي وجمهور المتكلمين القائلين بحجية هذه الدلالة، وحكى القاضي عبد الوهاب عن بعض الأصوليين إجماع أهل النظر على هذه الدلالة .

- الثاني: مذهب ابن حزم وآخرين، فردّوا هذه الدلالة مطلقاً ، وطائفة من المحققين أيضاً ضعفوا هذه الدلالة - وإنْ لم يردوها مطلقاً - كما هو ظاهر كلام القاضي عبد الوهاب، والقرافي، وابن تيمية وغيرهم .

- قال ابن حزم : «وإنما إذا أمكن ضبط أقوال أهل الإسلام جميعهم - ولا سبيل إليه - وحكى قولاً بأنه يؤخذ بأكثر ما قيل ليخرج منْ عُهدة التكليف بيقين، ولا يخفاك أنْ الاختلاف في التقدير بالقليل والكثير أن كان باعتبار الأدلة؛ ففرض المجتهد بما صح له منها من الجمع بينهما إنْ أمكن، أو الترجيح إنْ لم يمكن، وقد تقرر أنّ الزيادة الخارجة من مخرج صحيح ؛ الواقعة غير منافية للمزيد، مقبولة يتعين الأخذ بها، والمصير الى مدلولها، وانْ كان الاختلاف في التقدير باعتبار المذاهب؛ فلا اعتبار عند الجمهور بمذاهب الناس، بل هو متعبّد باجتهاده، وما يؤدي إليه نظره من الأخذ بالأقل أو بالأكثر أو بالوسط.

     وأما المقلّد؛ فليس له من الأمر شيء، بل هو أسير إمامه في جميع دينه، وليته لم يفعل، وقد أوضحنا الكلام في التقليد في المؤلف الذي سميناه : (أدب الطلب)، وفي الرسالة المسماة : (القول المفيد في حكم التقليد).‏

     فتحرير موضع النزاع أن يقال: ليس ثمّة خلاف بين أهل العلم في مسألة قام الدليل عليها، أنه يجب النزول على الدليل؛ إذْ ليس لأحدٍ أن يقدم قوله على قول الله -تعالى- أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم، وما تفرع عنهما من إجماع أو قياس .

     إنما وقع الخلاف في مسألة قال قوم فيها بمقدار ، وقال آخرون بمقدار آخر؛ فهذه المسألة تجري فيما كان سبيله الاجتهاد، كالنفقات والأروش والديات وبعض الزكوات.

  

فضل العلماء

 قال - تعالى -: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، العلماء هم سادة الناس وقادتهم الأجلَّاء، وهم منارات الأرض، وورثة الأنبياء، وهم خيار الناس، ولا شك أن بيان فضل العلماء يستلزم بيان فضل العلم؛ لأن العلم أجلُّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعزُّ ما يتحلى به الإنسان؛ فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين، والعلماء هم حملته وخزنته، من أجل هذا جاءت الآيات والأخبار لتكريم العلم والعلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع، وتوقيرهم في طليعة حقوقهم المشروعة لتحليهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المجتمع الإسلامي وإرشاده.

     ولا شك أن العلماء الملتزمين بكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لهم مكانة كبيرة في الإسلام، حددها الله ورسوله، ومن الآيات الآثار التي وردت في بيان فضلهم ومكانتهم: قوله -تعالى-: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، «وقرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} وهذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام»، ومن فضائل العلماء:

-   أنهم أهل خشية الله الحقيقيون كما في قوله - تعالى -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.

-   والعلماء لا يستوون وبقية الناس قال - تعالى -: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعتهم لربهم من الثواب، وما عليهم في معصيتهم إياه من التبعات، والذين لا يعلمون ذلك، فهم يخبطون في عشواء، فلا يرجون بحسن أعمالهم خيراً، ولا يخافون بسيئها شراً؟ يقول: ما هذان بمتساويين.

-   والعلماء هم صمام أمان للأمة؛ فإذا غاب العلماء عن الأمة ضلت في دينها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا».

-   والعلماء هم الذين يستحقون أن يرفعهم الله - عز وجل - درجات قال - تعالى -: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، والمعنى «يرفع الله المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم، فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين، الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به».

-   والعلماء هم ورثة الأنبياء فيما جاؤوا به، فهم قد ورثوا منهم العلم؛ لما ورد عن أبي الدرداء رضي لله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظ وافر»؛ فالعالم يأخذ مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا يفرق بين النبي وبين العالم إلا درجة النبوة؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ»؛ فيا لها من مكانة، ويا له من فضل، ويا له من تشبيه لهذا الذي يحمل العلم.

     وجميع ما ذكر في فضيلة العلماء إنما هو في حق العلماء الربانيين المتقين, الذين قصدوا بعلمهم وجه الله الكريم؛ فكانوا أحق الناس بالمحبة والتعظيم والتوقير بعد الله، وبعد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلم ميراث الأنبياء، والعلماء ورثته.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك