رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 يوليو، 2010 0 تعليق

صفات اليهود في القرآن الكريم والســنة النبوية (11)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين،  وآله وصحبه والتابعين،،،

ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وها نحن أولاء نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأقوال سلف الأمة، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه:

 

13 -  لبس الحق بالباطل:

قال تعالى عن هذه الخصلة: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} (البقرة: 42).

والآية وردت عطفا على تذكيرهم بنعم الله عليهم في قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} (البقرة:40).

ثم  جاء التحذير من الضلال، في قوله تعالى: {ولا تكونوا أول كافر به}(البقرة: 41) ثم التحذير من الإضلال في قوله تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق).

واللَّبس في اللغة - بفتح اللام-: هو الخلط، وهو من الفعل «لَبَسَ» بفتح الباء، يقال: لَبَست عليه الأمر ألبسه: إذا خلطت حقه بباطله، وواضحه بمشكله، ومنه قوله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} (الأنعام: 9).

ويقال: في الأمر لُبسة، بضم اللام، أي: اشتباه.

واللِّبس: بكسر اللام، من الفعل «لَبِسَ» بكسر الباء: هو لبس الثوب ونحوه.

والحق: هو الأمر الثابت ؛ من حَقَّ الشيء، إذا ثبت ووجب، وهو ما تعترف به سائر النفوس، بقطع النظر عن شهواتها.

والباطل: ضد الحق، وهو الأمر المضمحل الزائل الضائع.

قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: قوله {ولا تلبسوا الحق بالباطل} أي: لا تخلطوا الحق بالباطل، ولا تخلطوا الصدق بالكذب.

وعن أبي العالية قال: لا تخلطوا الحق بالباطل، وأدوا النصيحة لعباد الله من أمة محمد [.

وقال قتادة: ولا تلبسوا اليهودية والنصرانية، وأنتم تعلمون دين الله الإسلام، وأن اليهودية والنصرانية بدعة ليست من دين الله. وروي عن الحسن البصري  نحو ذلك.

فمعنى الآية: ولا تخلطوا أيها الأحبار على الناس  في أمر محمد[، وما جاء به من عند ربه من القرآن العظيم، وتزعموا أنه مبعوث إلى العرب دون بقية الأمم، وقد علمتم أنه مبعوث إلى الناس كافة، بما فيهم أنتم، أو تنافقوا في أمره،  فتخلطوا بذلك الصدق بالكذب، والحق بالباطل، وتكتموا ما تجدونه في كتابكم من نعته وصفته، وتعرفون أن من عهدي الذي أخذت عليكم في كتابكم الإيمان به، وبما جاء به والتصديق بذلك.

فالمراد إذًا: النهي عن كتم حجج الله، التي أوجب عليهم تبليغها، وأَخَذَ عليهم بيانها.

وقوله تعالى: { وأنتم تعلمون } جملة حالية، وفيها دليل على أن كفرهم كان كفر عناد، لا كفر جهل، وذلك أغلظ للذنب، وأوجب للعقوبة؛ ثم إن التقييد بالعلم في الآية لا يفيد جواز اللَّبْس والكتمان مع الجهل؛ لأن الجاهل مطالب بالتعلم، ومنهي عن البقاء على جهله، وألا يُقْدِم على شيء حتى يعلم حكمه.

وعلى هذا، فلَبْسُ الحق بالباطل ترويج للباطل، وإظهار له في صورة الحق! وهذا اللَّبْس والتلبيس هو أول التضليل، وإليه المنتهى في الإضلال؛ فإن أكثر أنواع الضلال الذي أدخل في الإسلام من قبل أهل الأهواء والبدع، هو من قبيل لبس الحق بالباطل، وتاريخ الإسلام خير شاهد على ذلك.

فيجب على المسلم أن يتفادى ما وقع فيه اليهود من الخلط واللبس للدين، والكتمان للحق المبين.

يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: «فإن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما؛ كما قال عمر بن الخطاب: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية.

وهذا من كمال علم عمر - رضي الله عنه- فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها، وهو كل ما خالف ما جاء به الرسول[، فإنه من الجاهلية، فإنها منسوبة إلى الجهل، وكل ما خالف الرسول فهو من الجهل، فمن لم يعرف سبيل المجرمين، ولم تستبن له، أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين! كما وقع في هذه الأمة من أمور كثيرة، في باب الاعتقاد والعلم والعمل، هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل، أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم، في سبيل المؤمنين! ودعا إليها وكفر من خالفها، واستحل منه ما حرمه الله ورسوله!» (الفوائد  ص109).

ومن لبس الحق بالباطل: أنواع التأويل الباطل لنصوص الوحيين؛ فقد قال أهل السنة والجماعة: إن التأويل - الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره - لآيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول[ لا يصح ولا يجوز، إلا إذا دلَّ عليه دليل قوي، من قرآن أو سنة صحيحة، أو لغة معروفة، أو عرف جارٍ ونحوها.

أما إذا وقع التأويل لما يُظن أو يُتوهم أنه دليل فهو تأويل باطل، لا يُعرَّج عليه، ولا يصح التعويل عليه؛ إذ هو في حقيقته نوع من التحريف المحرم والتضليل. أما إذا وقع التأويل من غير دليل أصلاً!!  فهو آكد في الحرمة، وأوجب للمنع؛ إذ هو نوع  من أنواع التلاعب بالكلام، والتكذيب والهزء بآيات القرآن، ولا يخفى ما فيه من الضلال.

فمن أمثلة التأويل بغير دليل: تأويل أهل البدع  صفة الرحمة لله تعالى  بالإحسان والإنعام!!  ورضاه تعالى بالثواب! واستواؤه على عرشه  بالاستيلاء والقهر! ويده سبحانه بنعمته! ووجهه بذاته! وهكذا تأويلات لهم  باطلة، تخالف ظواهر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وما كان عليه سلف الأمة المباركون، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان؛ إذ لم ينقل عنهم حرف من ذلك.

وقد تقدم الكلام على هذا، عند ذكر تحريفهم لكلام الله تعالى وكتبه، وكلام رسله صلوات الله عليهم، إما لفظا وإما معنى في "صفة التحريف ".

والأمر المهم الذي ينبغي التنبيه عليه هاهنا: أن الخطاب القرآني وإن كان متوجهًا في لفظه ونصه إلى بني إسرائيل، إلا أنه في فحواه ومقصده خطاب عام يشمل الناس كافة، والمؤمنين منهم على وجه أخص، فهم أولى بالنهي عن خلط الحق بالباطل، وهم أجدر بإظهار الحق وعدم كتمانه، والله أعلم.

ومن صور اللبس والتضليل التي تقع في هذه الأمة، نذكرها لنحذر من الوقوع فيها بأنفسنا، ونحذر إخواننا المسلمين من الوقوع فيها، والانخداع  بها:

ا- ترك التحذير من البدع المحدثة، والشركيات بأنواعها،  بدعوى الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، وعدم تفريقها؟!

ب - المداهنة والسكوت عن المنكرات، وضعف الولاء والبراء، بحجة المداراة والتسامح ومصلحة الأمة؟!

ج- الانفتاح على الدنيا والركون إليها، بحجة التعفف عن الناس ، أو إنفاق المال في وجوه الخير؟!

د - الاحتجاج بيسر الشريعة ثم ضغوط الواقع، للتفلت من أحكام الشريعة والتحايل عليها، واتباع الهوى في الأخذ بالرخص والشذوذات الفقهية، وكل هذا باطل وتلبيس وتضليل، يتبناه أهل الأهواء الذين يتبعون الشهوات، ويريدون بذلك تحلل المجتمع المسلم من أحكام الشريعة  باسم التيسير وترك التشديد!!

هـ- التشهير بالعلماء وبالدعاة والمصلحين، واغتيابهم بحجة النصيحة، والتحذير من الأخطاء؟!

و- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدعوى خوف الابتلاء وتعريض النفس للفتن.

ز- التلبيس على الناس برفع لافتات إسلامية!!  تخفي وراءها الكيد  للدين وأهله، من قبل أعداء الأمة من المنافقين والكفار.

وغيرها من أنواع التلبيسات التي تقع من قبل من أعرض عن التمسك بالوحيين واتباع نهج السلف الصالحين  في هذه الأمة عقيدة وشريعة ومنهاجا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك