رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 يوليو، 2010 0 تعليق

صفات اليهود في القرآن الكريم والســنة النبوية (12)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وآله وصحبه والتابعين؛

ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم ، والسنة النبوية، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم ، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه:

 

 

13 – قسوة قلوبهم: 

 

وقد ذكر الله تعالى عنهم هذه الخصلة الذميمة في كتابه فقال: {ثم  قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} (البقرة : 74) أي: اشتدت وغلظت.

قال ابن جرير: فبعضها كالحجارة قسوة، وبعضها أشد قسوة من الحجارة.

يعني: لا تخرج عن أحد هذين المثلين .

وقال ابن كثير : فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية، بعيدة عن الموعظة، بعد ما شاهدوه من الآيات والمعجزات، فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها، أو أشد قسوة من الحجارة؛ كما قال الله تعالى بعدها: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها  لما يهبط من خشية الله}.

فمن الحجارة ما يتفجر منها العيون الجارية، ومنها ما يشقق فيخرج منها الماء وإن لم يكن جاريا، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله؛ إذ فيه إدراك لخشية الله بحسبه، كما قال سبحانه: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} (الإسراء : 44).

وقال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} (المائدة: 13).

أي: بسبب نقضهم للعهود مع الله تعالى ومع خلقه، جعل قلوبهم قاسية لا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر، فلا ترغبهم  الرغائب، ولا تخوفهم المخوفات، وهذا - كما قال أهل العلم - من أعظم العقوبات على العبد؛ لأن الهداية والاستقامة أعظم النعم.

وقال سبحانه فيهم: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُم وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} (المائدة :71).

أي: عميت قلوبهم عن الحق لقسوتها،  وبعدها عما أنزل الله تعالى، والوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم، بما قدمت أيديهم من تكذيب الرسل وقتلهم، كما في الآية قبلها: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} (المائدة :70) .

وفي الحديث : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ الله عَنه - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ[ قَال: "إنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ صقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}. رواه الترمذي (3569 ) .

قال المباركفوري في " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" : " نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ " أَي: جُعِلَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، أَي: أَثَرٌ قَلِيلٌ كَالنُّقْطَةِ شبه الْوَسَخِ فِي الْمِرْآةِ .       

وقوله "صقِلَ قَلْبُهُ " نَظَّفَ وَصَفى مِرْآةَ قَلْبِهِ؛  لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْقَلَةِ، تَمْحُو وَسَخَ الْقَلْبِ" وَإِنْ عَادَ ِزيدَ فِيهَا" أَي: تُطْفِئ نُورَ قَلْبِهِ فَتُعْمِي بَصِيرَتَهُ .

والآيَةُ السابقة وإن كانت فِي حَقِّ الْكُفَّار، لَكِنْ  ذَكَرَهَا [ تَخْوِيفًا لِلْمُؤْمِنِينَ، كَي يَحْتَرِزُوا عَنْ كَثْرَةِ الذَّنْبِ فتَسْوَدَّ قُلُوبُهُم، كَمَا اسْوَدَّتْ قُلُوبُ الْكُفَّار.

وَلِذَا قِال السلف: «الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْر»، أي: تقود إليه.

14 – كفرهم بنعم الله تعالى:

وهذه خصلة ظاهرة فيهم، والذي يقرأ القرآن الكريم يرى بوضوح الآيات التي تتحدث باستفاضة عن ألوان النعم التي أغدقها الله تعالى عليهم، ثم جحودهم لها، وإعراضهم عن شكرها، ووقوعهم في المعاصي .

 

 

وسنبدأ بآيات سورة البقرة :

 

أ- قال تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا  بعهدي أوفِ بعهدكم وإياي فارهبون} (البقرة : 40) .

فيأمرهم تعالى بالانتباه لنعم الله عليهم، وذكرها بقلوبهم وألسنتهم، فإن ذكرها والتحدث بها يحث على شكرها، والقيام بحقوقها؛ كما قال تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث} (الضحى: 11).

والمراد بالنعمة في الآية جنس النعم؛ كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}  أي: النعم المتعددة عليكم .

ب –  نعمة التفضيل على الناس. 

في قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين}  ( البقرة).

أعاد الله تعالى نداءهم، تذكيرا وتأكيدا لواجب الشكر عليهم.

وقوله تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين} عطف على النعم السابقة، وتذكير بنعمة خاصة عظيمة، وهي نعمة التفضيل على العالمين ، كما قال سبحانه: {ولقد اخترناهم على علم على العالمين} (الدخان: 32)، أي: عالمي زمانهم؛ فإن أمة محمد[  لم تكن موجودة  حينئذ.

فيذكرهم سبحانه بما حباهم  به من نعمة، من أنه سبحانه بعث  فيهم عددا كبيرا من الأنبياء؛ كما قال النبي[ : "كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي..." رواه مسلم في الإمارة (1842) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أي: والسياسة هي القيام على الشيء بما يصلحه،  فكان يتولى أمورهم الأنبياء، كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية اليوم ، فيا لها من نعمة كبرى، ومنة عظمى، فهل شكروا تلك النعمة حق شكرها؟!

ج – نعمة إنجائهم من عدوهم:

ذكرهم  الله بها  في آيات من كتابه؛  قال تعالى {وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم} (البقرة). وتكرر التذكير في سور الأعراف وإبراهيم وطه وغيرها .

وهذه الآية من سورة البقرة ، معطوفة على قوله: {اذكروا نعمتي ...}.

والمعنى: اذكروا يا بني إسرائيل وقت أن نجيناكم  من آل فرعون الذين كانوا يعذبونكم أشد العذاب، يذبحون الذكور منكم ، ويبقون الإناث ، ويذلونكم ويكلفونكم ما لا تطيقون من الأعمال، وفي النجاة من ذلك العذاب، والخلاص من ذلك العدو الكافر، ومن الإذلال والتسلط  نعمة عظيمة.

قال العلماء : وفي ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:

1- ذبح الأبناء يقتضي فناء الرجال، وذلك يقتضي انقطاع النسل.

2- هلاك الرجال يقتضي فساد مصالح النساء في أمر المعاش؛ لحاجة المرأة للرجل.

3- أن قتل الولد بعد الحمل الطويل والتعب، من أعظم العذاب والنكد .

4- أن بقاء النساء دون الذكور تعريض لهن للفاحشة من قبل الأعداء، وهو غاية الذل والهوان.

د – نعمة فرق البحر وإغراق عدوهم :

في قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم  وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون} ( البقرة) .

والمعنى: واذكروا يا بني إسرائيل من جملة نعمنا عليكم،  نعمة فرق البحر بكم، وهي آية عظيمة ومعجزة باهرة، حين ضربه موسى عليه السلام  بعصاه، فأصبح فيه طرق يابسة متعددة لكم، فسلكتموها وسرتم فيها هاربين من فرعون وجنده، وتمت لكم النجاة، وحصل الغرق والهلاك لعدوكم، فرعون وقومه وجنده، وراءكم وأنتم ترون ذلك بأم أعينكم، وهو أبلغ في اليقين، وأقر لأعينكم، وألذ لقلوبكم  برؤية هلاك عدوكم، وأرجى لشكر النعمة عليكم .

هـ - نعمة إنزال الكتاب والنبوة :

في آيات، منها قوله تعالى: {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون} (البقرة).

وقال سبحانه: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين}  (الأنبياء : 49) .

فامتن الله عزوجل عليهم بإنزال التوراة الفارقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأنها الضياء الذي يهتدي به المهتدون، وتعرف بها أحكام الدين، ويميز بها بين الحلال من الحرام .

وقال تعالى: {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين} (الجاثية : 16) .

أي: ولقد أنعمنا على بني إسرائيل بنعم لم تحصل لأحد غيرهم من أهل زمانهم، فآتيناهم الكتاب: أي التوراة والإنجيل، والحكم بين الناس ، والنبوات المتصلة فيهم، والتي امتازوا بها بين الخلق، حتى صارت بعد ذلك في ذرية إبراهيم، عليه الصلاة والسلام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك