رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 يوليو، 2010 0 تعليق

صفات اليهود في القرآن الكريم والســنة النبوية (14)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين, وآله وصحبه والتابعين.

ذكرنا فيما مضى شيئا من صفات اليهود في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وها نحن نستكمل ما ورد من صفاتهم في القرآن الكريم ، والسنة النبوية ، وأقوال سلف الأمة، وهي خير مصدر يعرفنا بشخصية اليهود وتركيبهم النفسي ، وهي وقفات موجزة مع سمات شخصيتهم، وصدق سبحانه في كل ما قال عنهم من صفاتهم في كتابه:

 

13-  تحايلهم على استحلال

محارم الله تعالى:

من أخلاق بني إسرائيل وأعمالهم  القبيحة، التي وقعوا فيها بفسقهم وظلمهم لأنفسهم، وبسبب شدة جشعهم، وحرصهم على الشهوات وطمعهم، وضعف تمسكهم بأوامر الله تعالى ورسله الكرام: التحايل على المحرمات، والاعتداء على حدود الله - عز وجل -  ظانين أنهم بذلك  ينجون من المخالفة والحرام؟! والعقوبة من الله عز وجل!

14- ومن صور تحايلهم الكثيرة: ما ذكره الله تعالى من قصة صيدهم للحيتان يوم السبت – المحرم عليهم العمل فيه – حيث احتالوا على ذلك، بأن نصبوا الشباك لها أو حفروا لها الحفر لتقع فيها ، قبل يوم السبت ليجمعوها بعده ، وقيل: ألقوا عليها الشباك يوم السبت وأخذوها يوم الأحد!!

قال تعالى في بيان قصتهم: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِم  حِيتَانُهُم  يَوْمَ سَبْتِهِم  شُرَّعًا وَيَومَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِم كَذَلِكَ نَبلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنهُم لِمَ تَعِظُونَ قَومًا اللهُ مُهلِكُهُم أَوْ مُعَذِّبُهُم عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَينَا الَّذِينَ يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ( الأعراف : 163-165 ).

ومعنى الآيات: سل يا محمد بني إسرائيل الذين بحضرتك عن أهل القرية منهم، الذين كانوا بقرب البحر، قيل هي بلدة: أيلة على شاطىء بحر القلزم (البحر الأحمر) وقيل غيرها،  فأراد الله سبحانه أن يختبرهم؛ لينظر مدى تمسكهم بدينه وعهوده ، فابتلاهم بتكاثر الحيتان ببحرهم يوم السبت دون غيره من الأيام، تتراءى لهم ظاهرة على وجه الماء، سهلة الأخذ والاصطياد، فإذا ذهب السبت اختفت! فاحتالوا على المحرم بما ذكرنا.

قال تعالى: {كَذَلِكَ نَبلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} فبفسقهم ابتلاهم الله، ووجبت عليهم المحنة، فلو لم يفسقوا لعافاهم الله من ذلك الشر والبلاء.

ولقد نصحهم فريق منهم بألا يفعلوا ذلك، لئلا ينزل بهم بأس الله تعالى الذي لا يرد عن القوم المجرمين ، فلم يستمعوا لنصحهم ووعظهم.

وانتقد الدعاة طائفة أخرى على تكرار نصحهم لهم، مع عدم استجابتهم ، فقالوا للناصحين: {لِمَ تَعِظُونَ قَومًا اللهُ مُهلِكُهُم أَوْ مُعَذِّبُهُم عَذَابًا شَدِيدًا} كأنهم يقولون: لا فائدة من وعظهم ونصيحتهم .

فقال الواعظون: {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} أي: نعظهم وننهاهم  لنعذر عند الله تعالى، فلا يؤاخذنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قومنا.

{وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} أي: لا نيأس من هدايتهم بل لدينا الأمل، فلعلهم يخافون الله فيتركون ما هم عليه من المعصية، ويؤثر فيهم الوعظ.

{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِه} أي: تناسوا ما ذكروا به، واستمروا على غيهم واعتدائهم  {أَنجَينَا الَّذِينَ يَنْهَونَ عَنِ السُّوءِ} وهي سنة الله الجارية في عباده، أنه ينجي الآمرين بالمعروف من العذاب إذا نزل بالقوم الظالمين،  كما قال هنا:  {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}, وهم الذين اعتدوا وتحايلوا، عذبهم الله عز وجل عذابا شديدا، ومسخهم قردة خاسئين؛ عبرة للعاصين، وذكرى للذاكرين {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم}.

وفي سورة البقرة، ذكر الله تعالى قصتهم باختصار في آيتين في قوله: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين} (البقرة: 65 – 66).

وقوله {نكالا} أي : عبرة تنكل من اعتبر بها، أي تمنعه من أن يفعل كفعله  {ما بين يديها وما خلفها} أي: زاجرة رادعة  لمن شاهدها ممن حضرها ، ولمن أتى بعدها.

وفي سورة النساء: {يأيها الذين أوتوا  الكتاب  آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا} (النساء: 47).

وكذا في سورة النحل: {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} (النحل : 124) .

ب - ومن صور حيلهم القبيحة:  تحايلهم على الشحوم لما حرمها الله  عليهم،  كما قال سبحانه: {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} (الأنعام : 147) .

رواى جابر بن عبدالله  - رضي الله عنهما -: أن رسول الله[ قال: "قاتل الله اليهود، لما حرم الله عليهم شحومها، جملوها ثم باعوها فأكلوها" أخرجه البخاري (2236،4633) ومسلم (1581).

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: بلغ عمر - رضي الله عنه - أن سمرة باع خمرا ، فقال: قاتل الله سمرة ! ألم يعلم أن رسول الله[  قال: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها – أي أذابوها – فباعوها».

وفي رواية: "وأكلوا أثمانها"  متفق عليه.

وفي رواية أبي داود (3488): "وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء ، حرم عليهم ثمنه".

قال الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - في «إغاثة اللهفان» في كلامه عن الحيل المحرمة (1/ 582): ومن مكايده – أي الشيطان - التي كاد  بها الإسلام وأهله: الحيل  والمكر والخداع الذي يتضمن تحليل ما حرمه الله, وإسقاط ما فرضه, ومضادته في أمره ونهيه, وهي من الرأي الباطل الذي اتفق السلف على ذمه؛ فإن الرأي رأيان: رأي يوافق النصوص وتشهد له بالصحة والاعتبار, وهو الذي اعتبره السلف, وعملوا به، ورأي يخالف النصوص, وتشهد له بالإبطال والإهدار, فهو الذي ذموه وأنكروه.

وكذلك الحيل نوعان: نوع يتوصل به  إلى فعل ما أمر الله  تعالى  به, وترك ما نهى عنه, والتخلص من الحرام, وتخليص الحق من الظالم المانع له,  وتخليص المظلوم من يد الظالم الباغي,  فهذا النوع محمود يثاب فاعله ومعلمه. ونوع يتضمن إسقاط الواجبات, وتحليل المحرمات, وقلب المظلوم ظالما, والظالم مظلوما, والحق باطلا, والباطل حقاً , فهذا النوع الذي اتفق السلف على ذمه, وصاحوا بأهله من أقطار الأرض.

 

قال الإمام أحمد - رحمه الله -: «لا يجوز شيء من الحيل في إبطال حق مسلم».

ثم قال: "إن الله سبحانه أخبر عن أهل السبت من اليهود  بمسخهم قردة, لما احتالوا على إباحة ما حرمه الله تعالى عليهم من الصيد, بأن نصبوا الشباك يوم الجمعة, فلما وقع فيها الصيد أخذوه يوم الأحد.

قال بعض الأئمة: ففي هذا زجر عظيم لمن تعاطى الحيل على المناهي الشرعية, ممن يتلبس بعلم الفقه, وهو غير فقيه؛ إذ الفقيه: من يخشى الله تعالى بحفظ حدوده وتعظيم حرماته, والوقوف عندها, ليس المتحيل على إباحة محارمه , وإسقاط فرائضه.

ومعلوم أنهم لم يستحلوا ذلك تكذيبا لموسى - عليه السلام - وكفرا بالتوراة, وإنما هو استحلال تأويل واحتيال, ظاهره ظاهر الاتقاء , وباطنه باطن الاعتداء, ولهذا والله أعلم مسخوا قردة؛ لأن صورة القرد فيها شبه من صورة الإنسان, وفي بعض ما يذكر من أوصافه شبه منه, وهو مخالف له في الحد والحقيقة؛ فلما مسخ أولئك المعتدون دين الله تعالى بحيث لم يتمسكوا إلا بما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته, مسخهم  الله تعالى قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم دون الحقيقة, جزاء وفاقا،،  انتهى.

وقد حذر النبي[ أمته من الوقوع  فيما وقعت فيه اليهود ، باستحلال محارم الله تعالى بالحيل المحرمة ، فقال [: "لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" رواه ابن بطة – انظر الإرواء (1535).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك