رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 16 أغسطس، 2010 0 تعليق

شــــرح كتـــــــــاب “الاعتصـــــام بالكتــــاب والســــنة” مــــن صحيــــح الإمام البـــخاري (6)

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله .

 

ذكرنا في الحلقة السابقة حاجة اليقظة الإسلامية، والشباب المهتدي إلى الضوابط الشرعية، التي تضبط له  منهجه وطريقه ورجوعه إلى الله سبحانه وتعالى، وإلا فإنه سيخسر جهده ووقته، وتخسر أفراده، ويضيع سدى.

 

ومن الكتب النافعة المفيدة في هذا المضمار، كتاب: " الاعتصام بالكتاب والسنة " من صحيح الإمام البخاري، وقد اخترنا شرح أحاديثه والاستفادة من مادته المباركة .

 

 

 

• الباب الثاني: باب الإقتداء بسنن رسول الله [

 

وقول الله تعالى: {واجعلنا للمتقين إماما}الفرقان: 74, قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا, ويقتدي بنا من بعدنا.

وقال ابن عون: ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها, والقرآن أن يتفهموه ويسألوا عنه, ويدعوا الناس إلا من خير.

 

الحديث الأول:

7275- حدثنا عمرو بن عباس: حدثنا عبد الرحمن: حدثنا سفيان, عن واصل عن أبي وائل قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد, قال: جلس إليّ عمر في مجلسك هذا، فقال: هممت ألا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين، قلت: ما أنت بفاعل !  قال: لم ؟  قلت: لم يفعله صاحباك، قال: هما المرآن يقتدى بهما . طرفه في 1549.

 

الشرح:

الباب الثاني من كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة من صحيح الإمام البخاري، هو باب الإقتداء بسنن رسول الله [، ومعنى الإقتداء بالسنن، أي: قبولها واتباعها والعمل بها – أي العمل بما دلت عليه السنة النبوية -، فأقواله [ تشتمل على الأخبار والأوامر والزواجر, فالأخبار تلقيها يكون بالقبول لها، والإيمان بها، والأوامر بالامتثال، والنواهي بالاجتناب.

وقول الله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} الفرقان: 74 ، هذا الدعاء ورد في القرآن من قول عباد الرحمن، في سورة الفرقان .

قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويقتدي بنا من بعدنا، وهذا التفسير من قول مجاهد، أخرجه الطبري وغيره في تفسيره بسند صحيح, ومجاهد هو ابن جبر المفسر المشهور . قال: أئمة نقتدي بمن قبلنا، يعني: نقتدي بسلفنا ومن سبقنا من أهل الفضل والصلاح، ويقتدي بنا من بعدنا من الخلف، وهذه هي الخصلة التي كان عليها السابقون الأولون ومن تبعهم بإحسان، وهي أنهم كانوا يقتدون بالرعيل الأول من الصحابة، فلا يبتدعون بل يتبعون، عملا بقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ولا تتبعوا من دونه أولياء} الأعراف 2، وقوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}النساء 115, وقوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُُ}التوبة 100 .

فالمسلم لا يكون إماما إلا إذا اقتدى بمن قبله من السلف الصالحين، وبعض الدعاة في عصرنا يظن أنه لا يتبعه الناس إلا إذا جاء بشيء جديد؟! هكذا يزين له الشيطان فيقول له: إنك لن تتبع ولن تشتهر إلا إذا جئت الناس بشيء جديد محدث لم يفعله أحد قبلك، فعند ذلك يلتفت لك الناس، ويلتفون حولك وتكون إماما ؟! والحق إن الإمامة قد تكون في الخير، وقد تكون في الشر، ففي الخير كما قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ} السجدة (24) ، هذه الإمامة في الخير .

وأما الإمامة في الشر، فقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}  القصص 41، فلا يفرح الإنسان بكثرة الإتباع إذا لم يكن على الهدى والتقى والصراط المستقيم، فهم صاروا أئمة بإقتدائهم بمن قبلهم, واقتداء من بعدهم بهم, وهذا هو طريق النجاة, وقال قتادة رحمه الله كما روي عنه عبد بن حميد في مسنده بسند بصحيح: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}الفرقان: 74  ، قال: أي قادة في الخير، ودعاة هدي يؤتم بنا في الخير، وطوبى لمن جعله الله تعالى مفتاحا للخير, ومغلاقا للشر.

وقال ابن عون: ثلاث أحبهن لنفسي، ابن عون هو عبد الله بن عون البصري، من صغار التابعين ومن الأعلام، قال قرة: كنا نعجب من ورع ابن سيرين حتى رأينا ابن عون، وكان من الأئمة المجاهدين لأهل البدع .

يقول ابن عون رحمه الله: ثلاث أحبهن لنفسي، وهذا الأثر وصله محمد بن نصر المروزي في كتابه " السنة " بقول: ثلاث أحبهن لنفسي ولإخواني _ وفي رواية: ولأصحابي _ من باب أن يحب الإنسان لإخوانه ما يحبه لنفسه، وهو من الإيمان كما قال [ .

قوله " هذه السنة " وهي إشارة إلى طريقة النبي [ وإلى هديه، ليست سنة معينة، وإنما طريق النبي [، أي إشارة لنوع هذه السنة أن يتعلموها ويسألوا عنها .

قوله " والقرآن أن يتفهموه ويسألوا الناس عنه " وفي رواية " فيتدبروه " بدل أن يتفهموه .

وقوله "ويدع الناس إلا من خير " ويدَع بفتح الدال من الودع وهو الترك، وهذه الخصال الثلاث أحبها الإمام ابن عون لإخوانه، أن يتعلموا السنة ويسألوا عنها، أي يتعلموا هدي النبي [ وطريقته، والقرآن أن يتفهموه، لأن كثيرا من المسلمين يقرؤون القرآن ولا يفهمونه ولا يتدبرونه, فيكونوا قد أتوا بشيء وتركوا شيئا .

فمن قرأ القرآن فقد أتى عبادة عظيمة، لكن يلزمه أيضا أن يتدبر وأن يفهم القرآن حسب طاقته وقدرته، ثم أن يعمل به فهي ثلاث واجبات: القراءة، ثم التدبر والفهم، ثم العمل، وكل هذه واجبات تلزم المسلم.

وأن يترك الناس، يعني يتركوا مخالطة الناس إلا من خير، ألا يخالطوا الناس إلا في مجالس الذكر مثلا، أو صلة الأرحام، وما فيه نفع، لأن كثرة الخلطة تذهب بالوقت والزمن، وتوقع الإنسان في القيل والقال, وتوقعه أيضا أحيانا في الجدال والخصام، وربما حصل من وراء ذلك أشياء لا تحمد.

 

الحديث الأول

 قال البخاري رحمه الله: حدثنا عمرو ابن عباس: وهو الباهلي قال: حدثنا عبد الرحمن: وهو ابن مهدي اللؤلؤي الإمام الشهير الثقة، من حفاظ السنة، يقول الذهلي ما رأيت في يده كتابا قط لقوة حفظه, قال: حدثنا سفيان وهو الثوري، سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو إمام من أئمة المسلمين، له مذهب ولكن لم ينتشر كانتشار بقية المذاهب الأربعة، ولا يزال معروفا في ثنايا الكتب الفقهية، ويقال: هو مذهب الثوري .

عن واصل: واصل هو ابن حيان الأحدب الأسدي ثقة ثبت، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة الأسدي مخضرم ثقة، وأحد المشهورين بالرواية عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: جلست إلى شيبة، وشيبة هو ابن عثمان ابن طلحة العبدري حاجب الكعبة, وكانت الحجابة في بني شيبة، والحجابة هي العناية بالبيت الحرام، مما يتعلق بالكسوة، وحفظ مفتاح باب الكعبة، وما أشبه ذلك .

قوله: " جلست إلى شيبة في هذا المسجد ": يعني المسجد الحرام، قال: جلس إليّ عمر في مجلسك هذا فقال: هممت ألا أدع فيها صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها بين المسلمين .

أي أن عمر رضي الله عنه قال لشيبة حاجب الكعبة: هممت ألا أدع فيها صفراء ولا بيضاء، " فيها " الضمير عائد على الكعبة، وهو إشارة إلى كنز الكعبة، ففي الكعبة كنز مدفون في أرضها، يعلمه عمر ويعلمه الصحابة رضي الله عنهم  ويعلمه النبي [ قبلهم، فعمر قال هممت أن أقسم كنز الكعبة، بدل أن يكون محبوسا لا ينتفع به أحد، هممت أن أنفقه على المسلمين وأقسمه بينهم .

فقال له شيبة: ما أنت بفاعل، ما قال له - أدبا معه وهو أمير المؤمنين - ما قال له: لا تقدر، ولا قال له: لا تفعل، بل قال له: ما أنت بفاعل ! أي أنت لا تفعل هذا!! فقال له عمر: لم ؟! قال: أي هذا الأمر  لم يفعله صاحباك، يعني ما فعله الرسول [ وما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأنت معروف عنك من هديك وسيرتك الإقتداء بالنبي [ وصاحبه، فلما قال له هذه الكلمة، صدقه عمر ووافقه، وقال له: هما المرآن يقتدى بهما! يعني: نعم أنا لا أستطيع أن أفعل هذا ولا أفعله لأن النبي [ وهو الرؤوف الرحيم بأمته، الحريص على مصلحتها، لم يفعله!  فلم قسم كنز الكعبة، ولا استخرجه وقسمه بين الصحابة مع حاجتهم في زمنه [، ولم يفعله أبو بكر الصديق أيضا في عهده، ولا شك أنه احتاج إلى الإنفاق وإلى تجهيز الجيوش، ولكنه لم يفعله، فأنت كذلك لا تفعل هذا الأمر، فما دام أن أبا بكر وقبله النبي [ لم يتعرضا له، لم يتعرضا لكنز الكعبة، لم يسعك يا عمر خلافهما، بل الإقتداء بهما واجب .

 فيؤخذ من هذا الحديث: أن تقرير النبي [ وسكوته سنة يحتج بها، فالرسول [ أقر كنز الكعبة وسكت عنه وتركه، مع علمه به .

فيحتج بهذا: على كل من يريد أن يحدث حدثا، ويزعم أنه مصلحة، مع أن سببه أو شبهه كان موجودا على عهد النبي [ ومع ذلك لم يفعله، فهنا يجب علينا الإقتداء بالنبي [ في تركه، كما يجب الاقتداء في فعله، لأنه داخل في قول الله تعالى {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} الأعراف: 158، وقوله سبحانه {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}(الأحزاب: 21) وهذا هو فهم الصحابة كما سبق في الحديث .

 

وكل خير في اتباعه [، وكل شر في مخالفته .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك