رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 2 أبريل، 2012 0 تعليق

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (7) باب: فضل تعلم القرآن

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

2104. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ، فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: «أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنْ الْإِبِلِ».

الشرح: بوب المنذري على هذا الحديث: باب: فضل تعلم القرآن، وقد رواه مسلم في الكتاب السابق (803) كتاب صلاة المسافرين، وبوب عليه النووي: باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه.

وأورد فيه حديث عقبة بن عامر وهو الجهني  رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة « والصفة كانت موضعا مظللا يؤوي إليه فقراء المهاجرين، ممن لا يرجعون إلى أهل ولا مال في المدينة، فهيأ لهم النبي  صلى الله عليه وسلم  مكانا يبيتون فيه ويأكلون ويشربون؛ لأنهم أضياف الإسلام، هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  وليس لهم قرابات في المدينة ولا أهل ولا زوجات، بل تركوا كل شيءٍ وهاجروا إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم  نصرةً له ولدين الله عز وجل، وكان النبي  صلى الله عليه وسلم  يحث الناس على أن يتصدقوا عليهم ويصلوهم.

       قوله: فقال: «أيكم يحبُ أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق» بطحان بضم الباء موضع بقرب المدينة، والعقيق وادٍ أيضا قريب من المدينة، فقال لهم: أيكم يحب أن يذهب إلى هذا المكان القريب، وهو بطحان أو وادي العقيق، فيأتي منه «بناقتين كوماوين» الناقة معلومٌ أنها من أنفس أموال العرب، ويقاس عزّ الإنسان وملكه وثروته بقدر ما يملك من الإبل، وفي الحديث عن النبي  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: «الإبلُ عزٌّ لأهلها، والغنمُ بركةٌ، والخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» كما جاء في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن عروة البارقي رضي الله عنه.

       وقوله: «فيأتي منه بناقتين كوماوين» الناقة الكوماء هي الناقة العظيمة السنام، وعظم السنام يدل على السمن ووفرة اللحم، فهي ناقة سمينة نفيسة، وقوله: «في غير إثم ولا قطع رحم» أي: هذا المال الذي يحصل عليه وهو الناقة الكوماء، يحصل عليها بسهولة ودون جهد وتعب، وفي غير إثم، أي ليس سرقة ولا نهبا ولا وقوعا في شيء من الإثم والحرام، بل ناقة تأتيك بسهولة بغير إثم ولا قطيعة رحم.

قوله: «فقلنا يا رسول الله، كلنا يحب ذلك» لأن المخاطبين هم أهل الصفة من فقراء المهاجرين المحتاجين.

        فقال عليه الصلاة والسلام: «أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير  له من ناقتين» أي: لو أن أحدكم غدا إلى المسجد والغدو هو الذهاب أو الخروج لطلب الرزق في أول النهار، يقول لو أن أحدكم خرج في أول النهار إلى المسجد فيعلم أو يعلّم غيره، أي يمكن أن تتعلم وتقرأ، أو تكون ممن يعلم إذا كنت عالما، آيتين من كتاب الله، خير له من ناقتين، فإذا قرأ آيتين من كتاب الله هما عند الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل، من الإبل السمينة ومن أعدادهن من الإبل مهما كثرت الآيات، وهذا في ميزان الله سبحانه وتعالى وليس في موازين البشر، وخلافا لما يعظمه البشر من الأموال والدنيا وكنوزها وزخارفها.

       وفي حديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه بلفظ مقارب لهذا اللفظ: يقول النبي [: «أيحب أحدُكم إذا رجع إلى أهله أنْ يجد فيه ثلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سمان؟! «قلنا: نعم» أي: كل واحدٍ منا يحبُ أنْ يرجع إلى بيته فيجد فيه ثلاث خلفات عظيمة سمينة، والخلفات هي الإبل الحامل إذا مضى عليها أكثر من نصف الأمد من الحمل، ثم يقال لها: ِعشار، فالواحدة منها خلفه، وواحدة العشار: عشراء، وهي كما ذكرنا أثمن الأموال عند العرب، وهي من أثمن الأموال حتى في زماننا اليوم فهي بمئات الدنانير.

ثم قال النبي  صلى الله عليه وسلم في تتمة الحديث: «فثلاثُ آياتٍ يقرأ بهن أحدُكم في صلاته، خيرٌ له من ثلاث خلفات عظام سمان» رواه مسلم (802).

وفي هذا فضل عظيم لقراءة كتاب الله وتعلّمه وتعليمه، وهناك أحاديث أخرى كثيرة طيبة في فضل الكتاب العزيز وقراءته وتعلمه وتعليمه، منها:

قوله صلى الله عليه وسلم : «خيرُكم من تعلّم القرآن وعلّمه» رواه الشيخان من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فخير هذه الأمة المسلمة هم أهل القرآن والمشتغلون به وبعلومه، على خلاف ما يعظم الناس اليوم من المهن الدنيوية المختلفة، كالطب والهندسة والفلك.

        وأخرج مسلم أيضا في صحيحه من حديث أبي هريرة الحديث المشهور: «ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليه السكينة، وغشيتهم الرحمةُ، وحفّتهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عنده».

        فالله سبحانه وتعالى يذكر هؤلاء أصحاب هذا المجلس الشريف المبارك في الملأ الأعلى، والذي غفل عنه كثير من المسلمين اليوم، فيذكرهم الله سبحانه وتعالى في الملأ الأعلى، فالله سبحانه وتعالى ما ذكر في الملأ الأعلى أصحاب العقار ولا الأسواق ولا البورصة ولا غيرها، وإنما ذكر أهل مجلس يذكر فيه الله تبارك وتعالى، فهؤلاء الذين يذكرهم الله تبارك وتعالى فيمن عنده تشريفا لهم وتكريما، كما قال الله في كتابه {فَاذْكروني أذكركم واشْكروا لي ولا تكفرون} (البقرة: 152).

        وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : «يقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارتقِ، ورتّل كما كنتَ ترتّل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه أبوداود والترمذي وابن ماجة.

فاللهم ربنا اجعلنا منهم برحمتك وأنت أرحم الراحمين. 

10 - باب: مَثَلُ منْ يقرأ القرآن ومَنْ لا يقرؤه

2105. عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ».

 الشرح: الباب العاشر في كتاب فضائل القرآن من مختصر مسلم للمنذري، هو باب مثل من يقرأ القرآن ومن لا يقرؤه، وهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وقد رواه مسلم في صلاة المسافرين (797) وبوب عليه النووي: باب فضيلة حافظ القرآن. والحديث أخرجه البخاري أيضا.

        قال: قال رسول الله [: «مثلُ المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأُترجّة» في هذا الحديث ضرب الأمثال كالحديث السابق، وبضرب الأمثال يتضح المقال، فالأمثلة الحسية تقرب المعاني إلى الأفهام والأسماع، والنبي عليه الصلاة والسلام يضرب مثلا هاهنا للمؤمن الذي يقرأ القرآن والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن فيقول: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب» والأترجة ثمرة تشبه البرتقالة، ريحها طيب، أي لها رائحةٌ زكية عطرة، وطعمها حلوٌ إذا أكلها الإنسان، وهكذا المؤمن قارئ القرآن غير الهاجر لتلاوته، فإنَّ باطنه حلوٌ بالإيمان، وظاهره حلو أيضا بتلاوته لكلام الله تعالى، فاستوى عنده الظاهر والباطن، كهذه الثمرة الطيبة، باطنها طيبٌ حلو ورائحتها طيبةٌ زكية، ففيه فضيلة لقارئ القرآن وتالي الآيات، ومعلم القرآن من المؤمنين والمؤمنات، فهو قد جمع بين صلاح الظاهر والباطن.

        قوله: «ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو»، أما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن فعنده أصل الإيمان، وهو باطنه وفي قلبه، وهو حلو، فعنده حلاوة في باطنه، ولكنه قصّر في الظاهر فترك قراءة القرآن أو تكاسل عن قراءته، فهو كالتمرة، ليس له رائحة نفاذة زكية كالأترج، وكالليمون، والبرتقال ونحوها، فهذه إذا وضعت في غرفة، تجد أن الغرفة كلها تعبق بهذه الرائحة، لكن التمرة ليس لها رائحة، فهذا مثل المؤمن المقصر تجاه كتاب الله، الحلاوة في باطنه، ولكنه لما ترك قراءة القرآن لم يعلم الناس ما في باطنه من الحلاوة والخير والصلاح، فعليه أن يسعى في تكميل نفسه وإصلاح حاله.

        أما المنافق الذي يقرأ القرآن فهو «كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر» فالمنافق باطنه خبيث، وجوفه لا نور فيه، بل مظلم، لا إيمان ولا صلاح، فهو إذا قرأ القرآن يكون كالريحانة، والريحانة عود الريحان الذي يشم ولا يؤكل؛ لأنه مرّ الطعم، لكن إذا شممته وجدت له رائحة طيبة، فهذا حال المنافق الذي يقرأ القرآن، يشعر الناس بحلاوة القرآن وجماله ونوره وفضله الذي يخرج منه ومن قراءته، ولكن التالي له جوفه مرٌ وخرب، فباطنه وقلبه غير معمور بالإيمان وحب ما يتلو من الكتاب، بل هو مخالف لما يقرأ من الهدى والبيان والصلاح والعياذ بالله.

وبعض القراء أوتي تلاوة حسنة ومجودة، ولكن إذا نظرت إلى أفعاله وجدت أن أفعاله أفعال الفساق! كما قال بعض السلف: رب قارىء للقرآن والقرآن يلعنه!

وذلك أنه يقرأ مثلا: {ألا لعنةُ الله على الظّالمين} وهو ظالمٌ، ويقرأ: {ألا لعنة الله على الكاذبين} وهو يكذب.

فهذا ينطبق عليه هذا الحديث لأن باطنه سيئ، ولكن ما يخرج منه على لسانه من التلاوة والقراءة من أجمل ما يكون.

        قوله: «ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة التي ليس لها ريح وطعمها مرٌ» نبات الحنظل نبات مستدير كالبطيخ الصغير لونه أخضر، إذا شممته لا ريح له، وإذا كسرت الثمرة فإنّ طعمها شديد المرارة، حتى يضرب بمرارتها المثل فيقال: مرٌ كالحنظل، وهو مشهور عند العرب وجاء في أشعارهم كثيرا، فهذا مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، وهو في أردأ المنازل وأسوئها، وهو منافقٌ أصلا ولا يقرأ القرآن، فباطنه قبيح، وظاهره قبيح من قول وعمل، وفي زمننا كعلماني - لا ديني – أو ليبرالي متحرر أو متكبر بالأصح عن العبودية لله عز وجل! فهو لا يقيم وزناً للقرآن، ومع ذلك يتظاهر بالإسلام، ولو تعرض له أحدٌ فقال له: كلامك كفر أو عملك كفر، قال له: أتكفر المسلمين؟! وهو لا يعرف من الإسلام إلا الاسم والرسم فقط، كما قال النبي [ هنا: «منافق لا يقرأ القرآن» فهذا مثله كمثل الحنظلة.

وفي رواية لهما: «ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن» أي هو مسلم فاجر مرتكب للكبائر ومنتهك للمحرمات، ومن لم يجعل الله له نورا، فما له من نور.

         وهذا الحديث من جملته فضيلة قراءة القرآن، سواء كانت القراءة بالنظر في المصحف، أو كانت القراءة من الحفظ، وقد اختلف العلماء في التفضيل بينهما؟ فمن أهل العلم من قال: إن القراءة من المصحف أفضل من القراءة من الحفظ؛ لأن الذي يقرأ من الحفظ يكون قد اعتمد على ما في قلبه فقط، وأما الذي يقرأ بالنظر، فإنه جمع مع أجر التلاوة أجر النظر في المصحف، وعلى كل حال فكلاهما على خير، متى وفق العبد لأحدهما.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك