رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 مارس، 2012 0 تعليق

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (5) فضل قراءة: {قلْ هو الله أحد}

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

2099- عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم قال: «أيعجزُ أحدُكم أن يَقرأ في ليلةٍ ثلثَ القرآن؟» قالوا: كيف يَقرأ ثلثَ القرآن؟ قال: «{قلْ هو الله أحد} تَعدلُ ثلث القرآن».

 الشرح: الباب السادس باب: فضل سورة الإخلاص وهي سورة مكية، وأورد فيه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وقد أخرجه مسلم في الكتاب السابق، وهو كتاب صلاة المسافرين (811) وبوب عليه النووي (6/94) باب فضل قراءة: {قلْ هو الله أحد}.

       قوله: «أيعجزُ أحدُكم أن يقرأ في ليلةٍ ثلث القرآن؟» أي: إنه شيءٌ يسير لا يعجز عنه الإنسان لسهولته، وقلة الجهد والزمن الذي يُبذل في قراءتها، فلا يعجز عنه كلُّ أحد. ومع ذلك يتكاسل عنه أكثر الخلق، ويعرضون عنه، مع كثرة ثوابه وفضله، إلا القليل منهم.

        وفي رواية البخاري: أنهم شقّ ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك؟! يعني ظنوا أنهم يقرؤون عشرة أجزاء في الليلة، وهو شاق عليهم، فقال لهم عليه الصلاة والسلام موضحا: «الله الواحد الصمد ثلث القرآن».

 وقوله هنا «قالوا:  كيف يَقرأ ثلث القرآن؟ قال: «{قلْ هو الله أحد} تَعدلُ ثلث القرآن».

وفي الرواية الأخرى لمسلم: «إنّ الله جزّأ القرآنَ ثلاثةَ أجزاء، فجعل: {قل هو الله أحد} جُزءاً من أجزاء القرآن».

        وفي رواية ثالثة له: قال لهم  صلى الله عليه وسلم  : «احشدوا – أي اجتمعوا واستحضروا الناس - فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن: « فحَشدَ مَنْ حَشد، ثم خرج نبي الله  صلى الله عليه وسلم   فقرأ {قلْ هو الله أحد} ثم دخل، فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله، ثم خرج نبي الله  صلى الله عليه وسلم   فقال: «إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن».

- قال المازري: قيل معناه: إنّ القرآن على ثلاثة أنحاء: قصص، وأحكام، وصفات الله تعالى، و{قل هو الله أحد} مُتمحضةٌ (أي خالصة) للصفات، فهي ثلثٌ وجزء من ثلاثة أجزاء. وقيل معناه: إنّ ثواب قراءتها يضاعف، بقدر ثواب قراءة ثلث القرآن بغير تضعيف. انتهى.

أما كونها متمحضةٌ لذكر صفات الله عز وجل، فصحيح؛ إذْ ليس فيها شيءٌ غير ذكر الله تعالى وصفات كماله، ونعوت جلاله، فلم تذكر فيها أمور الدنيا ولا الآخرة.

- وقد روى الإمام أحمد سبب نزولها على النبي  صلى الله عليه وسلم  : فعن أبي بن كعب ] قال: إن المشركين قالوا للنبي  صلى الله عليه وسلم  : يا محمد، انسبْ لنا ربك؟! فأنزل الله تعالى:  {قل هو الله أحدٌ اللهُ الصمد لم يلدْ ولم يولد ولم يكنْ له كفواً أحد}.

- ورواه الترمذي وابن جرير في التفسير، وزادا من قول أبي العالية: {الصّمد} الذي {لم يلدْ ولم يُولد} لأنه ليس شيءٌ يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإنّ الله عز وجل لا يموت ولا يورث {ولم يكن له كُفُواً أحد} ولم يكن له شَبهٌ ولا عدْل، وليس كمثله شيء.

      فيخبر الله تعالى عن نفسه أنه الواحدُ الأحد، الذي ليس له نظير، ولا وزير ولا نديد، ولا يطلق لفظ «الأحد» في الإثبات إلا على الله عز وجل؛ لأنه الكامل في جميع أسمائه وصفاته وأفعاله.

والصمد: يعني الذي يصمد له الخلائق في حوائجهم ومسائلهم.

وقال قتادة: الصمد الدائم.

وقال بعض السلف: الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب.

كما قال سبحانه: {وهو يطِعم ولا يطعَم} (الأنعام: 14).

وقال الربيع بن أنس: هو الذي لم يلد ولم يولد. وبنحوه قال عكرمة.

كأنهم جعلوا ما بعده تفسيراً له، قاله ابن كثير.

- وقال على بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (الصمد) هو السّيد الذي كَمُل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي كمل في عظمته، والحليم الذي كمل في حلمه، والعليم الذي كمل في علمه، والحكيم الذي كمل في حكمته، وهو الذي كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته، لا تنبغي إلا له.

رواه ابن جرير (24/ 736) وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء (98).

أي إن «الصمد» يشعر بجميع أوصاف الكمال.

{ولم يكن له كفواً أحد} قال: لم يكن له شبيهٌ ولا عدل، وليس كمثله شيء.

يعني: لا كفاءة ولا مثل، كما في القراءة الثانية (كفؤاً).

وقال مجاهد: (كفوا) أي: صاحبة.

- قال القرطبي: اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال، وبيان ذلك: أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال؛ لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه (الفتح 9/61).

وقال بعض العلماء: إنها تضاهي كلمة التوحيد؛ لما اشتملت عليه من الجمل المثبتة والنافية، مع زيادة تعليل.

- وقالوا: لأن القرآن خبرٌ وإنشاء، والإنشاء أمرٌ ونهي وإباحة، والخبر خبر عن الخالق، وخبر عن خلقه، فأخلصت سورةُ الإخلاص الخبر عن الله، وخلّصتْ قارئها من الشرك الاعتقادي، وحصول الأجر العظيم بقراءتها، وأن من قرأها ثلاثا كان كمن ختم القرآن ختمةً كاملة، لا يعني الإعراض عن بقية سور القرآن الكريم؛ لما فيها من العقائد والإيمان، والأحكام والحلال والحرام، والمواعظ والترغيب والترهيب، والقصص والأخبار، كما هو معلوم.

وقد ورد في فضلها أحاديث أخرى:

فروى البخاري في صحيحه (5013): عن أبي سعيد: أن رجلا سمع رجلا يقرأ: {قل هو الله أحدٌ} يردّدها – وفي رواية: لا يزيد عليها - فلما أصبح جاء إلى النبي  صلى الله عليه وسلم   فذكر ذلك له - وكأن الرجل يتقالّها - فقال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «والذي نفسي بيده، إنها لتعدلُ ثلثَ القرآن».

- ومما جاء في فضلها: أن قراءتها تُوجب الجنة، فقد روى مالك في الموطأ: عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: أقبلت مع النبي  صلى الله عليه وسلم   فسمع رجلا يقرأ: {قل هو الله أحدٌ} فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : « وجبتْ» قلت: وما وجبتْ؟ قال: «الجنة « ورواه الترمذي والنسائي.

- حديث آخر: روى الإمام أحمد: عن سهل بن معاذ الجهني عن أبيه: عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «من قرأ {قل هو الله أحدٌ} حتى يختمها عشر مرات، بنى الله له قصرا في الجنة» فقال عمر رضي الله عنه : إذاً نستكثر يا رسول الله؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : « اللهُ أكثرُ وأطيبُ».

- حديث آخر: عن معاذ بن عبدالله بن حبيب عن أبيه قال: أصابنا عطشٌ وظلمة، فانتظرنا رسول الله  صلى الله عليه وسلم   يصلي بنا فخرج فأخذ بيدي، فقال: «قل» فسكت، قال:  «قل» قلت: ما أقول؟ قال: «قل هو الله أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح ثلاثا، تكفيك كل يوم مرتين» رواه أبو داود والترمذي والنسائي.

- حديث آخر: عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي  صلى الله عليه وسلم   كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلةٍ جمع كفّيه، ثم نفثَ فيهما وقرأ: {قل هو الله أحدٌ} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات « رواه البخاري في فضائل القرآن (5017).

وورد أن الدعاء بها، هو الدعاء باسم الله الأعظم:

- فروى أصحاب السنن: عن عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه : أنه دخل مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم   المسجد فإذا رجل يصلي يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، قال  صلى الله عليه وسلم   : «والذي نفسي بيده، لقد سأله باسمه الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب».

وغير ذلك من الأحاديث.

باب منه: عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سَريّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختمُ بـ{قل هو الله أحدٌ}، فلما رجعوا ذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «سَلُوه، لأي شيءٍ يَصنع ذلك؟» فسألوه، فقال: «لأنها صفةُ الرحمن، فأنا أحبُّ أنْ أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أخبروه أنْ الله يُحبُّه».

 الشرح: الحديث أخرجه الإمام مسلم في الكتاب السابق (813) وبوب النووي: باب فضل قراءة {قلْ هو الله أحد}. وأخرجه البخاري في كتاب التوحيد (7375).

- قولها»: إن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بعث رجلاً على سَريّة، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختمُ بـ: {قل هو الله أحدٌ}» يدل هذا على جواز الجمع بين سورتين في ركعة من الصلاة، فرضا كانت أو نفلا.

قولها: «فيختمُ بـ:{قل هو الله أحدٌ}» أي إنه يقرأ بسورة ثم يقرؤها في كل ركعة.

ويحتمل أنه يختم بها قراءته فيختص بالركعة الأخيرة، والأول أظهر.

قولها: «فقال: لأنها صفةُ الرحمن» أي: لأن فيها أسماءه وصفاته، وأسماؤه مشتقة من صفاته، ولأنها ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى.

وفيه دليل على جواز قول: إن لله تعالى صفة، وأنها لفظة صحيحة، وهو قول الجمهور.

- وشذ ابن حزم فقال: هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم، ولم تثبت عن النبي  صلى الله عليه وسلم   ولا عن أحدٍ من أصحابه؟! ثم ضعف حديث الباب؟؟! (انظر الفتح للحافظ ابن حجر).

       وقد دلت أدلة الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة: على أن لله صفات، وأن صفاته منها ذاتية، وهي لا تنفك عنه بحال، كالحياة والسمع والبصر والقدرة والعلم وغيرها، وصفات فعلية يفعلها متى شاء، كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والاستواء والنزول وغيرها.

ومن قواعد أهل السنة والجماعة: أنه لا يجوز وصفه تبارك وتعالى إلا بما دلّ عليه الكتاب العزيز، والسنة الصحيحة الثابتة، وما أجمعت عليه الأمة (1).

قوله: «فأنا أحبُّ أنْ أقرأ بها» أي: لأن فيها صفات الرحمن فأنا أحب أن أتلوها وأتذكرها.

- قوله: «فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : «أخبروه أنْ الله يُحبُّه» قال ابن دقيق العيد: يحتمل أن يكون سبب محبة الله له، محبته لهذه السورة، ويحتمل أن يكون لما دلّ عليه كلامه؛ لأن محبته لذكر صفات الله الرب دالة على صحة اعتقاده.

قال المازري ومن تبعه: محبة الله لعباده إرادته ثوابهم وتنعيمهم! وقيل: هي نفس الإثابة والتنعيم!

قلت: هذا تفسير للصفة بلازمها، وهو مذهب المعتزلة والأشاعرة وغيرهم! وهو تأويل باطل، وتحريف لمعنى الحديث، وغيره من الآيات والأحاديث الكثيرة في الباب.

- ومذهب السلف في ذلك: إثبات صفة المحبة لله تعالى، كما أثبتها تعالى لنفسه في كلامه، وكلام أعلم الخلق به رسوله [، قال تعالى: {إن الله يحب المحسنين} وقال: {إن الله يحب المقسطين} وقال: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} وقال: {إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وقال: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} وغيرها من الآيات.

- وفي الحديث الصحيح: «إنّ الله إذا أحبَّ عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحبُّ فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبُّوه، فيُحبه أهل السماء... « رواه مالك والبخاري ومسلم.

- وفي الحديث الآخر:»... وما يزالُ عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به... « رواه البخاري (11/340) والبيهقي في الزهد (690).

ومن أسمائه تعالى «الودود» أي: المحب لأوليائه، والمحبوب لهم.

قال ابن جرير في تفسيره (12/64): ذو محبة لمن أناب وتاب إليه، يودُّه ويحبه. انتهى.

وهو قول عامة أهل العلم من سلف الأمة وخلفها.

فإن قيل: إن العقل يمنع من المحبة؛ لأنها ميل، وهو سبحانه مقدس عن ذلك؟!

قلنا: السمع والدليل دلّ على إثبات هذه الصفة، فيجب التسليم والقبول لها، وترك الاعتراض بالعقل.

فإن قيل: المحبة لا تكون إلا بين متجانسين!

- قلنا: هذا غير صحيح، فالإنسان قد يحب دابته التي يركبها إذا كانت تطاوعه، أو بهيمته التي عنده ينتفع بها، بل قد يحب آلة من الآلات في عمله، كما هو مشاهد ومحسوس.

وسبيل المؤمنين في ذلك التسليم والقبول لمعاني الآيات والأحاديث، وتفسيرها بما دلّت عليه من المعاني المعلومة من كلام العرب، والمعاني الشرعية المعروفة.

والله تعالى أعلم وأحكم.

هامش:

1- وقد كتب علماء الإسلام في ذلك جملة وافرة من الكتب والرسائل، ككتاب التوحيد لابن خزيمة، وكتاب الصفات للدارقطني، وكتاب العقيدة الطحاوية وشروحها، ومن الكتب الجيدة في هذا الموضوع: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقد شرحه بتفصيل الشيخ العلامة ابن عثيمين، رحمهم الله تعالى جميعا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك