رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 26 مارس، 2012 0 تعليق

شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (6) باب: فضل قراءة المعوذتين

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا.  والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا.  والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

2102. عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ، لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ؟ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)».

 الشرح: باب: فضل قراءة المعوذتين، وقد رواه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين (814) وبوب عليه النووي: باب فضل قراءة المعوذتين.

وقد أورد فيه حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، وهو صحابي مشهور، ولي إمرة مصر لمعاوية ثلاث سنين، وكان فقيها فاضلا، مات في قرب الستين، روى له الستة.

قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس».

هذا الحديث قال الإمام النووي: فيه بيان عظم فضل هاتين السورتين، وقد سبق قريبا الخلاف في إطلاق تفضيل بعض القرآن على بعض. انتهى.

وقد ذكرنا أن الصحيح في هذه المسألة هو أنه يجوز تفضيل بعض القرآن على بعض، وأن هذا التفضيل من عند الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى جعل بعض كلامه أفضل من بعض، وذلك أن الكلام يشرف بشرف موضوعه، فالآيات التي تتحدث عن الله تعالى وعن أسمائه وصفاته، أشرف من الآيات التي تتحدث عن صفات عباده، أو عن الحلال والحرام، أو عن صفات الجنة والنار، وغيرها من المواضع، والمرجع في التفضيل بينها هو الأدلة الصحيحة.

وقوله: «ألم تر آيات أنزلت الليلة» هذا دليل على تفخيم وتعظيم أمر هاتين السورتين من القرآن.

وقد كثرت الأحاديث في فضلهما وثواب قراءتهما، كما سنذكر منها ما تيسر.

وقد جاء فيما رواه عبد الله بن أحمد في المسند والطبراني والبزار: عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله!»، وفي رواية عنه: «إنما أمر النبي  صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما».

قال البزار: لم يتابع عبدالله بن مسعود أحدٌ من الصحابة، وقد صحّ عن النبي أنه قرأهما في الصلاة، وأثبتتا في المصحف. انتهى.

قلت: وهذا قوله أولا؛ فإنه توهّم أنهما تعوذاتٌ وأدعية وأذكار، وليستا من القرآن، ثم رجع إلى قول الجماعة؛ فإنَّ الصحابة قاطبة أثبتوهما في المصاحف الأئمة، وأرسلوا بها إلى سائر الآفاق، ولم يختلفوا في ذلك، وكذا جميع أهل الإسلام طبقة بعد طبقة أجمعوا على أن المعوذتين من القرآن، بأدلة كثيرة، ولله الحمد والمنة.

ومنها هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ألم تر آياتٍ أنزلت هذه الليلة» وهذا دليل على أنهما آيات من القرآن، وأنهما من كتاب الله عز وجل.

 وأيضا ورد عند أبي داود والنسائي (5024): عن عقبة بن عامر أيضا: قال  صلى الله عليه وسلم  له: «ألا أعلّمك خير سورتين قُرئتا» فعلّمني: {قلْ أعوذُ برب الفلق}، و{قل أعوذ برب الناس}. وهذا يدل على أنهما من القرآن أيضا.

ومن الأدلة: أنه كان النبي  صلى الله عليه وسلم  يقرأ بهما في الصلاة، فورد عنه صلى الله عليه وسلم  أنه قرأ بهما في صلاة الغداة. رواه النسائي (5022).

وأنه أحيانا كان يقرأ بهما في صلاة الوتر في الركعة الأخيرة بعد سورة الإخلاص، يضم إليها: {قلْ أعوذُ برب الفلق}، و:{قل أعوذ برب الناس}.

وفي هذا الحديث: دليل على أن لفظة (قل) هي من هذه السورة، وثابتة في القرآن؛ لأن النبي  صلى الله عليه وسلم  يقول: «أنزلت علي آيات {قل أعوذ برب الفلق} {قل أعوذ برب الناس} خلافا لقول من قال من الجهلة إن لفظة (قل) كانت موجهة للنبي  صلى الله عليه وسلم ؟! أما نحن فلا نقول: قل؟! فهذا القول باطل! لأن الحديث نصّ على أن كلمة (قل) هي من القرآن الكريم، وأنها ثابتةٌ من أول السورة، وقد أجمعت الأمة على هذا، كما قال الإمام النووي: أجمعت الأمة على أن لفظ (قل) من القرآن.

ومما ورد في هاتين السورتين من الفضل والمزية: أن النبي  صلى الله عليه وسلم  كان إذا اشتكى قرأ بهما، ونفث في يده اليمنى ومسح بها على الموضع الذي يشتكي، فلما كان مرضه  صلى الله عليه وسلم  كانت عائشة تقرأ بهما وتنفث في يده  صلى الله عليه وسلم ، وتمسح بها، قالت: «لأنها كانت أعظمُ بركةً منّي».

وأيضا: كان عليه الصلاة والسلام يقرأ بهما دبرَ كل صلاةٍ، وأمر بذلك عقبة بن عامر، كما رواه أبوداود والترمذي (3079) والنسائي.

وفي لفظ للنسائي قال له: «إن الناس لم يتعوّذوا بمثل هذين {قل أعوذ برب الفلق} {قل أعوذ برب الناس}».

وفي لفظ له أيضا: «ما سأل سائلٌ بمثلهما، ولا استعاذَ مستعيذٌ بمثلهما».

ونحوه عن جابر وابن عابس الجهني رضي الله عنهما.

وفي لفظ له أيضا: «اتبعتُ رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وهو راكبٌ، فوضعت يدي على قدميه، فقلت: أقرئني سورة هود، أو سورة يوسف، فقال: «لن تقرأ شيئاً أنفع عند الله من {قل أعوذ برب الفلق}».

قال الحافظ ابن كثير في التفسير: فهذه طرقٌ عن عقبة كالمتواترة، تفيد القطع عند كثير من المحققين في الحديث. اهـ.

وروى الترمذي والنسائي وابن ماجة: عن أبي سعيد رضي الله عنه: أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كان يتعوّذ من أعين الجان، ومن أعين الإنسان، فلما نزلت المعوذتان، أخذَ بهما، وتركَ ما سواهما.

وذلك لأن فيهما التعوذ بالله عز وجل من الشرور كلّها؛ إذ يقول الله تعالى فيها: {قل أعوذ برب الفلق} والفلق هو الصبح، كقوله {فالق الإصباح}.

وقال ابن عباس: (الفلق): الخَلق.

{من شر ما خلق}، أي: من شر ما خلق الله تعالى فيه الشر، من إنس أو جان أو شيطان أو حيوان أو ثعبان أو سبع أو عدو، أو جهنم أو عذاب القبر، وكل ما فيه شر.

{ومنْ شرّ غاسقٍ إذا وَقَب} الغاسق هو الليل، إذا وقب، أي: إذا دخل، فاستعاذ من شر الليل وما يكون فيه، حيث تنتشر الشياطين ومن شابههم وتابعهم، من الأشرار والفجار، كاللصوص وأهل الخيانة والفساد، والفواحش والمنكرات، كما هو معلوم ومشاهد.

{ومنْ شرّ النّفّاثات في العُقد} وهنّ السّواحر من النساء إذا رقين ونفثن في عقد الخيوط؛ إذ يكثر فيهن ذلك، وقيل: أهل النفوس الخبيثة من السحرة.

ودلت هذه الآية على أن السحر له حقيقة، وأن له ضرراً يخشى منه، فينبغي الاستعاذة بالله منه ومن أهله.

{ومنْ شرّ حاسدٍ إذا حسد} وهو من يتمنّى زوال النعمة عن المحسود، ويسعى في ذلك بقولٍ أو عمل.

ويدخل في الحاسد: والعائن، فإنه في العادة يكون حاسدا.

وأما سورة الناس، فهي مشتملةٌ أيضا على الاستعاذة برب الناس ومالكهم وإلههم، من شر الشيطان ووساوسه، والذي هو أصل الشرور كلها ومادتها.

{الذي يوسوس في صدور الناس} أي: يزيّن لهم القبائح، ويحسّن لهم الشرور، ويثبّطهم عن الخيرات ويقبحها لهم، وهو يقوى بالغفلة عن ذكر الله تعالى، ويخنس -أي: يضعف ويتأخر- إذا ذكر العبدُ ربّه واستعان به، واستعاذ به من شره.

والوسوسة وتزيين الشرور، وتقبيح الحسن، كما تكون من شياطين الجن، فإنها تكون من شياطين الإنس أيضا، ولهذا قال: {من الجنة والناس}.

فهذا مضمون هاتين السورتين العظيمتين.

  باب: منْ يُرفع بالقرآن

 2103. عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنْ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا؟ قَال:َ فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ».

الشرح:  هذا الحديث في فضل القرآن وأهله، وقد رواه مسلم في صلاة المسافرين (817) وقد بوب عليه النووي: باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمةً من فقهٍ أو غيره فعمل بها وعلّمها.

وهو حديث عامر بن واثلة، وهو أبو الطفيل الليثي، ولد عام أحد ورأى النبي عليه الصلاة والسلام وروى عن أبي بكر، وعمّر حتى مات سنة 110 للهجرة، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره، روى له الستة.

قال: «إن نافع بن عبد الحارث» هو الخزاعي، وهو أحد الصحابة ممن أسلم عام الفتح، وأمّره عمر رضي الله عنه على مكة، فأقام بها إلى أن مات، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

قال: «لقي عمر بعسفان» كان نافع والي عمر على مكة، وعمر جاء إلى مكة فلقيه في الطريق، فقال له: «من استعملت على أهل الوادي» أهل الوادي يعني أهل مكة؛ لأن مكة في وادٍ تحيط به الجبال {إني أسكنتُ منْ ذُريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم} (إبراهيم: 37).

فقال له: «من استعملت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا» المولى هو العبد الذي أعتق وصار حرا.

فقال له عمر رضي الله عنه: «استخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله، وإنه عالم بالفرائض» أي إن عمر تعجب كيف تستخلف على أهل مكة، وعلى قريش التي هي أشرف العرب نسبا، وفيها مشايخ العرب وأشرافهم، تستخلف عليهم رجلا كان عبدا فأعتق؟! أي استغرب عمر رضي الله عنه  من ذلك الاستخلاف، فقال عامله نافع: إنه قارئٌ لكتاب الله، وإنه عالمٌ بالفرائض، يعني أنه حافظٌ لكتاب الله سبحانه وتعالى، وعالم بأحكامه وفرائضه؛ لأن القارئ في عُرف السلف ليس مجرد من يقرأ القرآن، فمجرد القراءة لا يقال لصاحبها: إنه قارئ لكتاب الله، بل لا بد من شيء من الفهم والعلم والفقه والدراية بكتاب الله سبحانه وتعالى، وأيضا هو عالم بعلم الفرائض، الذي هو علم المواريث، وهذا العلم من العلوم العزيزة، أي قلّ منْ يتقن هذا العلم الشريف، بل جاء في بعض الآثار: أن علم الفرائض هو أول علم يرفع وينسى، أو أول علم يتركه الناس فلا يكاد يعلمه إلا القليل.

فبين له سبب أن استخلاف ابن أبزى على أهل مكة هو العلم والفقه والقرآن، فعند ذلك قال عمر رضي الله عنه: أما إن نبيكم  صلى الله عليه وسلم  قد قال: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين» يعني أن الله يرفع بالقرآن أقواما منازل عالية في الدنيا والآخرة، حتى يفوقوا غيرهم ممن هو أشرف منهم نسبا وحسبا، كما قال سبحانه: {يرفع اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أُوتوا العلمَ درجات} (المجادلة:11).

قوله «ويضع به آخرين» يضع يعني يذل ويخفض، أي: يضع منزلتهم فتكون منزلتهم وضيعة أي دنيئة، وسبب الذلة: الإعراض عن القرآن وتعلمه وفهمه.

قال العلامة صديق حسن خان: وهذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة، فقد وقع ما أخبر به  صلى الله عليه وسلم  في هذا، ورفع الله بكتابه العظيم جمعاً جما من الناس الموالي وغيرهم، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا، ووفق عصابةً عظيمة منهم لتفسيره، وضبط معانيه ومبانيه، فارتفعت منازلهم، وهكذا. وترك أقوام إياه - أي تركوا القرآن – قال: كالروافض ومن يحذوا حذوهم، ونبذوه وراء ظهورهم وهجروه، فاتضعتْ مراتبهم، وُنسوا كما نسوه.

اللهم نوّر قلوبنا بالقرآن، واختم أعمالنا به يا رحمن. اهـ.

قلت: صدق رحمه الله، ومن العجيب أن كثيرا من أهل البدع لا يحفظون القرآن؟! ولا يهتمون لذلك؟ حتى إن بعض القنوات الفضائية المتخصصة في الرد على المبتدعة، عملت تحديا بأن يأتي إمام منهم حافظ للقرآن، فلم يتقدم أحد؟!! وقالوا: نعطيه مليون ريال إذا ثبت أنه حافظ للقرآن، ولم يتقدم أحد؟؟! وقد وضعوا لأهل البدع عدة مقاطع صوتية يخطئون فيها في جزء (عم) وبعضهم يخطئ في المعوذتين؟! وبعضهم يخطئ في السور القصار، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

فسبب رفعة المنزلة في الدنيا والآخرة هي بهذا الكتاب، وأيضا ليست بمجرد العلم والتعليم، بل بالعمل به واتباع آياته، فيقرأ ويعمل به ويعلمه، فيهذا ترتفع منزلته عند الله.

وورد في الحديث أنه يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: «اقرأ وارتق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» رواه الترمذي، فكلما قرأ آية ارتفع منزلة عند الله تبارك وتعالى.

نسال الله تعالى أن يرفع منازلنا بالقرآن العظيم.

 وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه أجمعين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك