رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 6 فبراير، 2023 0 تعليق

شرح كتاب النَّفَقات من مختصر مسلم – باب: فضْلُ الن

 

عَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ: دِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى عِيَالِهِ، ودِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وبَدَأَ بِالْعِيَالِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَأَيُّ رَجُلٍ أَعْظَمُ أَجْراً مِنْ رَجُلٍ يُنْفِقُ عَلَى عِيَالٍ صِغَارٍ! يُعِفُّهُمْ أَوْ يَنْفَعُهُمْ اللَّهُ بِهِ وَيُغْنِيهِمْ، وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ - رضي الله عنه - : عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً».

     في الباب حديثان، الحديث الأول: رواه مسلم في الزكاة (2/692) في الباب السابق، في هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنواعا وأبْواباً مِن أبْوابِ الإنْفاقِ، ويُرتِّبُه بحسَبِ الأولويّة شرعاً، إذا تَزاحمَتْ أوجُهُ الإنْفاقِ في وَقتٍ واحدٍ، فأخبَرَ أنَّ أَكثرَ الدَّنانيرِ ثَواباً هو الدِّينارُ الَّذي يُنفقُه الإنْسانُ عَلى عياله، وهم مَن يَعولُهم وتَلزَمُه مُؤنتُهم، مِن زَوجةٍ ووَلدٍ وخادمٍ، وهذا إذا نَوى بهِ وَجهَ اللهِ، كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ: «إنَّ المُسلِمَ إذا أنْفَقَ على أهْلِهِ نَفَقةً وهو يَحتَسِبُها، كانتْ له صَدَقةً». فبيَّنتْ أنَّه إذا احتَسَبَها للهِ فهي له نَفقةٌ وصَدَقةٌ؛ وذلِكَ لأنَّ النَّفَقةَ عليهم واجِبةٌ، ويَأثَمُ إنْ ضيَّعَهم، فكان الأجْرُ أعظَمَ ممَّا لو أنفَقَ مُتطوِّعاً على غَيرِ عِيالِهِ وترَكَهُم، ولفظُ «الدِّينارِ» هنا عامٌّ يشمَلُ كلَّ ما أُعِدَّ للنَّفقةِ، وكان مالًا، ويدخُلُ فيه العُملاتُ المعاصِرةُ بمختَلِفِ أنواعها.

قوله: «يُنْفقه الرّجل»

     وقوله: «يُنْفقه الرّجل» يَشْمل المرأة أيضا، لكنّه خَرج مخْرج الغالب، فهي مأجورةٌ أيضاً لو أنفقتْ على زوجها وأولادها، ثُمَّ ذكَرَ - صلى الله عليه وسلم - الإنْفاقَ على مَركوبِ الإنْسانِ، المُعَدِّ للقتال في سَبيلِ اللهِ، فقال: «ودِينارٌ يُنفِقُه الرَّجلُ عَلى دابَّتِه» المَربوطةِ، «في سَبيلِ اللهِ»، أي: التي أعَدَّها للغَزوِ عليها، وما في مَعْناها مِنَ المراكب الحديثة.

قوله: «دِينارٌ يُنفِقُه عَلى أصْحابِه»

     حالَ كَونِهم مُجاهِدينَ «في سَبيلِ اللهِ»، فيُنفِقُ عَلى رُفقتِه الغُزاةِ. وقيلَ: المرادُ بسَبيلِ اللهِ كلُّ طاعةٍ يُحبّها الله، ومِنْ أعظمها الدعوة إلى الإسْلام، والأمر بالمَعروف، والنَّهي عن المنكر، وفي آخِرِ الحَديثِ: قالَ التَّابِعيُّ أبو قِلَابةَ وهو عبدُاللهِ بنُ زَيدٍ الجرمي، راوي الحَديثِ: «بَدأَ بالعيالِ»، أي: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جعَلَ أوْجَبَ النَّفقاتِ الَّتي يُنفِقُها الرَّجلُ، هي الَّتي تكونُ على عيالِه.

وأيُّ رَجلٍ أعْظمُ أجْراً؟!

     ثُمَّ قالَ أبو قِلَابةَ: «وأيُّ رَجلٍ أعْظمُ أجْراً مِن رَجلٍ يُنفِقُ عَلى عِيالٍ صِغارٍ؟! يُعِفُّهُم، أو يَنفَعُهمُ اللهُ به، ويُغنِيهِم» وهذا بيانٌ وتوضيح مِن أَبي قِلَابةَ في تَرتيبِ الأوْلَوِيَّةِ بيْنَ الأُمورِ المَذكورةِ، وأنَّ أفْضلَ النَّفقةِ وأوْلَاها هيَ النَّفقةُ عَلى العِيالِ والأوْلادِ الصِّغارِ، الَّذينَ لا يَستَطيعونَ التَّكسُّبَ؛ فإنّ هَذه النَّفقةُ تكونُ إعْفافًا لَهُم عن سُؤالِ النَّاسِ، وإغْناءً لَهم عنِ الذِّلَّةِ والمَهانةِ، وهو موافِقٌ لمَا جاء في حَديثِ مُسلِمٍ: عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «دينارٌ أنفقْتَهُ في سبيلِ اللهِ، ودينارٌ أنفقتَهُ في رقَبَةٍ، و دينارٌ تصدقْتَ بِهِ على مِسْكينٍ، ودينارٌ أنفقتَهُ على أهلِكَ، أعظمُهما أجراً الذي أنفقْتَهُ على أهلِكَ».

الحديث الثاني

      حديث أبي مسعود الأنصاري البدري، وهو عُقْبة بن عمرو، لمْ يشهد بدراً على الصحيح وإنّما نزل ماء ببدر، فشهر بذلك، وكان ممن شهد بيعة العقبة، وكان شابا من أقران جابر في السن، روى أحاديث كثيرة، وهو معدودٌ في علماء الصحابة، نزل الكوفة. قال خليفة: مات أبو مسعود قبل الأربعين، وقال ابن قانع: سنة تسع وثلاثين، وقال المدائني وغيره: سنة أربعين.

الأجْر لا يَحْصل إلا إذا كان مقروناً بالنية

     قوله: «إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً، وهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» يستفاد منه أن الأجْر لا يَحْصل بالعمل، إلا إذا كان مقروناً بالنية؛ ولهذا أدخل البخاري حديث أبي مسعود المذكور في باب: «ما جاء أنّ الأعْمال بالنيّة والحسبة» وحذف المقدار من قوله: «إذا أنفق» لإرادة التّعميم ليشمل الكثير والقليل.

     وقوله: «على أهله» يَحتمل أنْ يشملَ الزوجة والأقارب، ويحتمل أنْ يختصَّ بالزوجة، ويلحق به مَنْ عَداها بطريق الأولى؛ لأنّ الثّواب إذا ثبتَ فيما هـو واجب، فثبوتُه فيما ليس بواجبٍ أولى.

     وقال الطبري ما ملّخصه: الإنفاقُ على الأهل واجبٌ، والذي يُعطيه يؤجر على ذلك بحسب قَصْده، ولا مُنافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صَدقة، بل هي أفضل مِنْ صَدَقة التطوع.

النَّفقة على الأهل واجبة بالإجماع

     وقال المهلب: النَّفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سمّاها الشارع صدقة، خشية أن يظنوا أنّ قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عَرفوا ما في الصدقة من الأجر، فعرفهم أنّها لهم صدقة، حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل، إلا بعد أنْ يكفوهم؛ ترغيباً لهم في تقديم الصّدقة الواجبة قبل صدقة التطوع.

     وقال ابن المنير: تسمية النّفقة صدقة، منْ جنس تسمية الصّداق نِحْلة، فلما كان احتياج المرأة إلى الرجل كاحتياجه إليها في اللَّذّة والتأنيس والتحصين وطلب الولد، كان الأصْل ألا يجبَ لها عليه شيء، إلا أنّ الله خصّ الرّجل بالفَضل على المرأة بالقيام عليها، ورفْعه عليها بذلك درجة، فمِنْ ثَمَّ جاز إطلاق النّحلة على الصداق، والصدقة على النفقة. (الفتح)، فإذا أنفق الرجل على أهله الذين تلزمه نفقتهم كزوجه وولده، وغيرهم كذلك، وهو يتقرّب بذلك إلى الله -تعالى-، ويَحْتسب عنده أجر ما ينفق؛ فإنّه يُجزى بهذه النفقة كأجر الصّدقة على الفقراء ونحوهم من وجوه البر.

 

فوائد الحديث الأول

- وُجوهِ الإنْفاقِ في البرِّ والخَيرِ والصَّدَقةِ، كثيرة ومُتعدّدة، تُقدَّرُ بقَدْرِها، ويُفاضَلُ بيْنَها بحَسَبِ الأحْوالِ والظُّروفِ، والفقيه في الشرع مَنْ يُقدّم الأولى فالأولى.

- وفيه: أنَّ النَّفَقةَ عَلى العِيالِ هي أفضَلِ النَّفَقاتِ، إذا احْتسبها المُسلم والمُسلمة.

- وفيه: أنَّ النَّفَقةَ عَلى الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ مِن أعظَمِ النَّفَقاتِ، مِثلَ إعْدادِ الرِّجالِ للجِهادِ، وشراء الزّاد لهم والسلاح.

 

فوائد الحديث الثاني

- إنّ مِنْ أفْضَلِ النَّفقاتِ: النَّفقةُ على الأهلِ والعيالِ والأقرَبين، كما أنَّ تَضييعَهم فيه إثمٌ عظيمٌ.

- وأفاد مَنطوقُ الحديثِ أنَّ الأجرَ في الإنفاقِ إنَّما يَحصُلُ بقصْدِ القُربةِ، سواءٌ كانتْ واجبةً أم مُباحةً، وأنَّ مَن لم يَقصِدِ القُربةَ لم يُؤجَرْ، لكنْ تَبرَأُ ذِمَّتُه مِن النَّفقةِ الواجبةِ.

- وفيه: التَّرغيبُ في النِّيَّةِ الصَّالحةِ في جَميعِ الأعمالِ، واعتِبارُ نِيَّةِ القلبِ في الأعمالِ مُطلقًا، فَدخَلَ الإيمانُ وغيرُه مِن العِباداتِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك