رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 4 يوليو، 2022 0 تعليق

شرح كتاب النكاح من صحيح مسلم – باب: في تَرْك القَس

 

عن عَطَاء قَالَ: حَضَرْنَا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ جَنَازَةَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِسَرِفَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا؛ فَلَا تُزَعْزِعُوا وَلَا تُزَلْزِلُوا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - تِسْعٌ؛ فَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ. قَالَ عَطَاءٌ: الَّتِي لَا يَقْسِمُ لَهَا: صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ. الحديث رواه مسلم في الباب السابق (2/1086)، ورواه البخاري في كتاب النكاح (5067) باب كثرة النساء.

      قوله: «حضَرْنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -»، وهي أم المؤمنين، ميمونة بنت الحارث بن حَزْن الهلالية، آخر امرأة تزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -، أختها لبابة الكبرى زوجة العباس بن عبدالمطلب، ولبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة، فهي خالة عبدالله بن عباس، وخالد بن الوليد -رضي الله عنهم.

زواج النبي صلى الله عليه وسلم من ميمونة

     تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد فراغه مِنْ عمرة القَضاء في ذي القعدة من السّنة السّابعة للهجرة، وذلك عندما قدِم عليه جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - من أرض الحَبشة فخَطبها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأجابته، وقامت بتوكيل العباس بن عبدالمطلب في أمر زواجها، فزوّجها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد أنْ أنْهى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - عُمرته، خرج إلى (سرف)، وهو موضع قرب التنعيم، يبعد عن مكة عشرة أميال، وبنى بها، وكان عمرها آنذاك (26) سنة، وعمره - صلى الله عليه وسلم - (59) سنة، وقد أوْلم عليها بأكثر مِنْ شاة، وأصْدقها أربعمائة درهم، وقيل: خمسمائة درهم، وكان ابن عباس - رضي الله عنه - يَبيت عندها أحيانًا في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيكتسب علمًا، وأدبًا وخُلُقًا، ويَبثّه بين المسلمين.

وفاتها -رضي الله عنها

     قدّرَ الله -تعالى- أنْ تكون وفاتها في الموضع الذي بَنى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند زواجه منْها، وذلك سنة (51) للهجرة، وكان عُمرها إذْ ذاك ثَمانين سنة، وصلّى عليها ابن عباس -رضي الله عنهما.

قوله: (بسَرِف)

      قوله: «بسَرِف» بفتح المهملة وكسر الراء بعدها فاء: مكان معروف بظاهر مكة، وأخرج ابن سعد بإسنادٍ صحيح: عن يزيد بن الأصم قال: «دفنا مَيمُونة بسرف في الظُّلة التي بَنَى بها فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم ». ومن وجه آخر عن يزيد بن الأصم قال: صلى عليها ابن عباس، ونزلَ في قبرها عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، وهي خالة أبيه، كما هـي خَالة ابن عباس، وقوله: «فإذا رَفعتُم نَعْشها» بعين مهملة وشين معجمة: وهو السَّرير الذي يُوضع عليه المَيت.

قوله: «فلا تُزْعزعوها»

      بزاءين معجمتين وعينين مهملتين، والزَّعْزعة: تَحْريك الشَّيء الذي يُرفع. وقوله «ولا تُزْلزلوها» الزَّلزلة: الاضطراب، وقوله: «وارْفقوا» إشارة إلى أنَّ مُراده السير الوَسَط المعتدل، ويستفاد منه: أنَّ حُرْمة المؤمن بعد موته باقية، كما كانت في حياته، وفيه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كَسْرُ عَظْم المُؤْمن مَيْتاً ككَسْره حيَّاً». أخرجه أبو داود وابن ماجة وصحّحه ابن حبان.

قوله: «فإنَّه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - تِسْع»

- أي: تِسْع نسوة عند موته، وهنَّ: سَودة، وعائشة، وحفْصة، وأمّ سَلمة، وزينب بنت جَحْش، وأمّ حبيبة، وجُويرية، وصفيّة، ومَيْمونة. هذا ترتيب تزويجه إياهنّ -رضي الله عنهن-، ومات وهنَّ في عصمته. واختُلف في ريحانة: هل كانت زوجة أو سُرّيّة؟ وهل ماتت قبله أو لا؟ قاله الحافظ (9/113)

قوله: «فكان يَقسم لثمان ولا يقسم لواحدة»

      قال عطاء: التي لا يَقْسم لها: صفية بنت حيّي بن أخطب، قال النووي: وأما قول عطاء التي لا يقسم لها صَفية، فقال العلماء: هو وهم من ابن جريج الراوي عن عطاء، وإنّما الصواب سودة كما سبق في الأحاديث انتهى.

قال عياض: قال الطَّحاوي: هذا وَهْم، وصوابه: سَودة، كما تقدّم أنَّها وَهَبت يومها لعائشة، وإنَّما غَلَط فيه ابنُ جُريج، راويه عن عطاء.

      وحديث عائشة «إن سَودة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم لعائشة يومها ويوم سودة» مرَّ معنا في الباب، وأنَّها كانت قد كَبِرَت وخافت أنْ يُطَلِّقَها رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فتَنازَلتْ عَن ليْلتِها لِعائشةَ -رضي الله عنها-؛ لِتبْقى في عِصمتِه - صلى الله عليه وسلم - في الدُّنيا، وتكونَ زَوْجةً له في الآخرةِ، وهو ما رجّحه الحافظ فقال: فيترجّح أنّ مراد ابن عباس بالتي لا يَقسم لها سودة، كما قال الطحاوي، لحديث عائشة.

وقال: والراجح عندي ما ثبت في الصَّحيح، ولعل البخاري حَذف هذه الزيادة عمداً. انتهى. يعني: كلام عطاء قد حذفه البخاري من الصحيح.

وزاد عند مسلم: قال عطاء: كانت آخرهن موتاً، ماتتْ بالمدينة.

      قال النووي: قوله: آخرهنَّ موتا، قيل: ماتت ميمونة سنة ثلاث وستين. وقيل: ست وستين. وقيل: إحدى وخمسين قبل عائشة؛ لأنَّ عائشة تُوفيت سنة سبع، وقيل: ثمان وخمسين، وأمَّا صفية فتوفيت سنة خمسين بالمدينة، هذا كلام القاضي، ويحتمل أنْ قوله: «ماتت بالمدينة، عائدٌ على صفية، ولفظه فيه صحيح يحتمله، أو ظاهر فيه، والله أعلم.

 

فوائد الحديث

- من فوائد الحديث أنَّ حُرمة المُؤمن ومكانته باقية بعد موته، كحُرمته حيًّا؛ فهذه زَوجةُ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حُرمتها بعْدَ مَوتِها باقيةٌ كَحرمتِها في حَياتِها، وقد ذكِّرَ ابن عباس بفَضلِها ومَكانتِها مَن يَحمِلونَ جِنازتَها، فقال: «فإذا رفَعْتُم نَعْشَها، فلا تُزَعْزِعوها ولا تُزلزِلوها».

- وفيه: بَيانُ ما يجب لِأُمَّهاتِ المُؤمنينَ -رضِيَ اللهُ تعالى عنهنَّ- مِنَ الاحْترامِ، والتَّعظيمِ، أكثرَ مِن غيْرِهنَّ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك