رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 21 فبراير، 2022 0 تعليق

شرح كتاب النكاح من صحيح مسلم – باب: في إجَابة الدَّعْوة في النِّكاح

 

عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ، عُرْسًا كَانَ أَوْ نَحْوَهُ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيها، وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ».

     في الباب ثلاثة أحاديث، كلها رواها مسلم في النكاح (2/1052-1054) باب: الأمْر بإجابة الدَّاعي إلى دعوة، أما الحديث الأول فيقولُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيه: «إذا دَعا أحَدُكم أخاهُ»، يعني: إلى طعامٍ أو وَليمةٍ، وهي كلُّ طعامٍ يُصنعُ لجمعٍ من الناس، لِسُرورٍ حادثٍ مِن نكاحٍ أو خِتانٍ أو قدومٍ من سفر، أو غيرِ ذلِك مِنَ المناسباتِ، والمشهورُ عندَ إطلاقِها أنَّها تكونُ على وَليمةِ العُرسِ.

قوله: «فلْيُجِبْ»

     قوله: «فلْيُجِبْ»، أي: لِيُجِبْ أخاه، وليَقبَلْ دَعوتَه، وقوله: «عُرسًا كان أو نحوَه»، أي: للعموم، سواءٌ كانت هذه الوليمةُ للزَّواجِ أو غيرِه كالعقيقةِ والدَّعواتِ العامَّةِ؛ فإنَّه مأمورٌ بالإجابةِ إليها؛ لِما في إجابةِ الدَّعوةِ من تَأليفِ القُلوبِ، وإدْخالِ السُّرورِ على الداعي، وهذا مِن فضل الإسْلامِ وكماله أنَّه راعَى تَرابُطَ الناسِ وتَوادَّهم؛ حيثُ حثَّ على إجابَةِ الدَّاعي، وجعَلَها حقًّا مِن حُقوقِ المسلمِ على أخيهِ؛ مِن أجلِ مُجتمَعٍ تَسودُه رُوحُ المودَّةِ والإخاءِ، والتَّرابطِ والتَّلاحُمِ.

الحديث الثاني

     في الحديث الثاني قَال - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ؛ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ»، يُرشِدُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى أنَّه إذا دُعِيَ أحدٌ إلى طَعامٍ -سواءٌ كان وَليمةً أم غيرَها- فليُجِبِ الدَّعوةَ وليَذهَبْ إليها، فإنْ كان صائمًا نفْلًا أو قَضاءً أو نَذرًا؛ إذْ لو كانَ الصِّيامُ فرْضاً في رَمضانَ لَما دَعاه الدَّاعي؛ ولِذلكَ أَرشَدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّائمَ إلى أنْ يُوضِّحَ حالَه، كما في رِوايةٍ أُخرى لمسلمٍ: «فَلْيَقُلْ: إنِّي صائمٌ» وهو اعتِذار للدَّاعي، وإعلامٌ بحالِه أنَّه صائمٌ، ولنْ يَستطيعَ الأَكلَ مِن طَعامِه.

قوله: «فليُصَلِّ»

     وقوله: «فليُصَلِّ»، أي: فلْيَدْعُ لأهلِ البَيتِ، بالخَيرِ والبركةِ، ويَشتغِلْ بالدُّعاءِ لهم، وليُعلِمْ أَخاه المُسلمَ الدَّاعيَ أنَّ امتناعَه ما كانَ إلَّا لأَجلِ صَومِه، لا لأنَّه كاره أنْ يَأكُلَ طَعامَه، أو متحرَّجَ مِنه، وكانَ مِنْ عادةِ العربِ أنَّهم إذا أَضْمَروا لأَحدٍ شَرًّا؛ لم يَأكُلوا مِن طَعامِه، وأمَّا إنْ كانَ المدعوُّ مُفطِرًا غيْرَ صائمٍ، فلْيأكُلْ مِن الطَّعامِ، وليُدْخلَ السرور على أخيه.

الحديث الثالث

     وفي الحديث الثالث قوله - صلى الله عليه وسلم -: «شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ، يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيها» أي: يكون طعامها شرّ الطّعام، إذا كان يُدْعى إليها مَنْ يأباها، ويمنعها مَنْ يَأتيها، يعني يُدْعى إليها الأغْنياء، والغَني لا يَحْرص على الحُضور إذا دُعي؛ لأنَّه مستغنٍ بماله وطعامه، ويمنع منها الفقراء، والفقير إذا دُعي أجاب؛ لحاجته وفقره وجوعه، فهذه الوليمة ليست وليمة مُقرِّبةً إلى الله؛ لأنه لا يُدْعى إليها مَنْ هم أحقُّ بها، وهم الفقراء، بل يُدعى إليها الأغنياء.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «أَيْ أَنَّهَا تَكُون شَرّ الطَّعَام إِذَا كَانَتْ بِهَذِهِ الصِّفَة؛ ولِهذَا قال ابْن مَسْعُود: «إِذَا خُصَّ الغَنِيّ وتُرِكَ الْفَقِير، أُمِرْنَا أَلَا نُجِيب». «فتح الباري) (9/245)

شروط الإجابة للوليمة

 وقد ذكر العلماء لوجوب الإجابة للوليمة شروطاً :

(1) أنْ تكونَ الدعوة للشَّخْص بعينه، أي أنْ يَدْعوك صاحبُ الوليمة بنفسه، أو يُرسِل شخْصاً يَدْعوك، أو مِن خلال الهاتف، أو يرسلَ بطاقة دعوة باسمك، فيلزم الإجابة في كلِّ ذلك .

(2) أنْ يكون الدَّاعي مُسْلماً عاقلاُ بالغاً، فلا تَلْزم إجابة دَعوة الكافر، ولا المعتوه، ولا الصَّبي الصغير.

(3) ألا تَشْتمل الوليمة على مُنْكر ومُحرّم، كمعازف أو خمرٍ، أو اختلاط الرجال بالنساء، ولا يستطيع تغييره، فإنْ كان يستطيع تغييره، لزمته الإجابة والتغيير.

الأسْباب المُبِيحة للتخلّف عن الوليمة

(1) أن تشتمل الوليمة على مُنكر لا يستطيع تغييره، كما ذكرنا.

(2) أنْ يوجد عذرٌ شرعي لدى المَدْعو، يَمنعه مِنَ الإجابة، كمرضٍ أو خوف أو شغل مانع.

(3) أنْ يَحصل له بحضُوره ضررٌ شرعي، كإيذاء مِنْ شخصٍ يعلم حضوره للوليمة، أو صُحبة سيئة قد قَطعها، ويخْشى بحضُوره معاودتهم له، ونحو ذلك.

(4) أنْ يكون الداعي ممّن يخصُّ بدعوته الأغنياء دون الفقراء.

(5) أنْ يكون الداعي ممن يجب هجرته شرعاً ولا مصلحة ترجى من إجابته.

(6)  إذا اعتذر من الداعي فقبل عذره؛ لأن حق ذلك حق له قد أسقطه.

مِنْ أحْكام الوليمة وآدابها

هناك أحكام وآداب للوليمة نذكر منها ما يلي:

(1) الحَذر من الإسْراف والتَّبذير

     ينبغي الحَذر من الإسْراف والتَّبذير في الوليمة؛ فالإسْلام دين التوسط، وقد نهى الله -تعالى- عن الإسراف فقال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31)، وما نراه اليوم من ظاهرة الإسْراف في الولائم أمرٌ غيرُ محمود، وتَكلُّفٌ لا ترتضيه الشّريعة، وحَريٌّ بالمسْلمين والمسْلمات أنْ يتدبَّروا هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته في حياته، ويلتزموها، كما مرّ معنا عن أنس - رضي الله عنه - قال: «ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوْلَم على امرأةٍ مِنْ نسائه ما أوْلمَ على زينب؛ فإنَّه ذبحَ شاة».

(2) دعوة الأهل والأقارب والأصحاب

يُشرع لصاحب الوليمة أنْ يَدْعو أهله وأقاربه، وجيرانه وأصْحابه، كما ينبغي أنْ يدعو لها أهل الخَير والصَّلاح.

(3) ألا يخص الأغنياء دون الفقراء

     لا يجوز في وليمة العُرس وغيرها أنْ يَخصَّ الدَّاعي بها الأغْنياء دون الفقراء؛ فالمُؤمنون أخوةٌ مُتَحابُّون، وليس في الإسْلام طبقية ولا اسْتكبار، والفقراء أحْوج بالدعوة مِنَ الأغنياء، لحاجتهم وفقرهم، وإظْهار الشفقة عليهم، ومواساتهم وجبر خواطرهم، وإشعارهم بروح الأخوّة والمودة، وإلا كان الطعام شرّ الطعام.

(4) استحضار نية العمل بالسنة

استحضار نيّة العمل بالسنة الواردة في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف: «أوْلِمَ ولو بشاة»، ليَحْصل لصاحب الوليمة الأجر والمثوبة في كل ما يقوم به ممَّا هو مشروع.

(5) ألا يقصد الرياء والسمعة

     ألا يكون مِنْ مَقاصد إقامة الوليمة الرِّياء والسُّمعة والمُفاخرة، ويظهر ذلك بالتكلف المبالغ فيها، كي يَتَحدّث الناسُ عنها، وبعض الناس قد يصرح بذلك فيقول: سأعمل وليمة لم ير الناس مثلها! أو أكبر مِنْ وليمة فلان! ونحو ذلك منَ المُراءاة للناس، وهذا فيه مِنَ الإثم وضياع الثواب على العمل ما فيه.

(6) الحذر من التشبه بغير المسلمين

     الحذر من التشبه بغير المسلمين في إقامة الولائم؛ لما في ذلك من ذوبان الشخصية الإسلامية، والوقوع في التشبه المنهي عنه، ومن ذلك: اختلاط الجنسين في الولائم، والعزف بالموسيقى والغناء، وتصوير النساء وهنَّ متبرجات، ومن ذلك: ما يفعله بعض الناس من إدخال الزوج وذويه على النساء، وهن بكامل زينتهن، وغير ذلك ممَّا لا تَرتضيه الشريعة ولا تقرُّه.

(7) إذا دعاه اثنان فأكثر فليجب الأقرب

     إذا دعاه اثنان فأكثر في الوقت نفسه، فإنْ أمكنَ الجَمْع بينهما فحَسَن، فيحضر لهذا وهذا، وإنْ لمْ يُمكنه إجابتهما معاً؛ قدَّم أسْبَقهما واعتذر للآخر، وإنْ كانت الدعوتان في وقتٍ واحد قدَّم أقربهما رَحِماً، ثم الأقرب جواراً، وعند الاستواء فإنه يستعمل القرعة في ذلك.

وأخيراً: فالإسلامُ دِينُ المحبَّةِ والمودَّةِ والإخاءِ، وقد شَرَعَ الدَّعوةَ إلى الطَّعامِ في كُلِّ وقتٍ عموما، وزادَها تأكيدًا في مُناسباتٍ خاصَّةٍ، وقد أَمَرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِإجابةِ الدَّعوةِ إلى الوَليمةِ لِمَن دُعِيَ لها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك