رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 فبراير، 2022 0 تعليق

شرح كتاب النكاح من صحيح مسلم – باب الوليمة في النكاح

 

 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَال: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ، قَال: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ، فَقَالَتْ: يا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَال: فَذَهَبْتُ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْتُ: إِنَّ أُمِّي تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَال: «ضَعْهُ» ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وفُلَانًا وفُلَانًا، ومَنْ لَقِيتَ» وسَمَّى رِجَالًا، قَال: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى ومَنْ لَقِيتُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: عَدَدَ كَمْ كَانُوا؟ قَال: زُهَاءَ ثَلَاثِ مِائَةٍ، وقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يا أَنَسُ، هَاتِ التَّوْرَ» قَال: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ والحُجْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، ولْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ، قَال: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، قَال: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ ودَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ، فَقَالَ لِي: «يَا أَنَسُ ارْفَعْ»، قَال: فَرَفَعْتُ فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ، قال: وجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ في بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ورَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الحَائِطِ، فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَجَعَ؛ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ، قَال: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ، وجَاءَ رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ، ودَخَلَ وأَنَا جَالِسٌ فِي الحُجْرَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَلَيَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ولَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَال الجَعْدُ: قَال أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهَذِهِ الْآيَاتِ، وحُجِبْنَ نِسَاءُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الحديث رواه مسلم في الباب السابق.

     يخبرُ أنس - رضي الله عنه- عن زواج النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِأم المؤمنين زَينبَ بنتِ جَحْشٍ الأَسَدِيَّةِ، ووليمته عليها، وعن مشاركة أمّه أمُ سُليم -رضي الله عنها- بوليمته، وقد كانَ الصَّحابةُ الكِرامُ -رِضْوانُ اللهِ عَلَيهم- يُحِبُّونَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ويَفْدونَه بِأرْواحِهم وأنفُسِهم وأموالِهم، وكانوا يجتَهِدون في الإهداءِ إليه وإدخالِ السُّرورِ عليه.

قوله: «فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ»

     والحيس هو طَّعامِ يُصنع من التَّمرِ والسَّمْنِ والأقِطِ. والتور: بتاء مثناة فوق مفتوحة ثم واو ساكنة، إناء مثل القدح. فَقَالَتْ: يا أَنَسُ، اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقُلْ: بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، فيه: أنه يُستحب لأصدقاء المتزوج، أن يبعثوا إليه بطعام يساعدونه به على وليمته، وقوله: «وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ» فيه: الاعتذار إلى المبعوث إليه، وفيه استحباب بعث السلام إلى الصَّاحب والمتزوّج، وإنْ كان أفضل مِنَ الباعث، لكن هذا يحسن إذا كان بعيداً من موضعه، أو له عُذر في عدم الحضور بنفسه للسلام.

     قوله - صلى الله عليه وسلم -: «اذهبْ فادعُ لي فلاناً وفلانا، ومَنْ لقيت، وسمَّى رجالاً» أي: ادْعُهم لوليمة الزواج. وقد خَدَمَ أَنَسٌ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سِنينَ، وهي التي عاشها في المدينةِ بعد الهِجرةِ، قال أنس: فدعوت مَنْ سمّى، ومن لقيت. قال: قلت لأنس: عدد كمْ كانوا؟ قال: «زهاء ثلاثمائة». زهاء» بضم الزاي وفتح الهاء وبالمد، معناه: نحو ثلاثمائة. وفيه: أنه يجوز في الدعوة أنْ يأذن المُرسل في ناسٍ معينين، وفي ناس مبهمين، كقوله: «من لقيت»، و«من أردت»

 قوله - صلى الله عليه وسلم -: «يا أنس، هات التور»

     هو بكسر التاء من «هات» كسِرت للأمْر، كما تكسر الطاء من أعط، قال أنس: «فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ والحُجْرَةُ»، وفي رواية البخاري: «فرجعتُ فإذا البيت غاصّ بأهله». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، ولْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ، قَال: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، قَال: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ ودَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ» أي: حتى شبعوا كلهم، وفي هذا الحديث معجزةٌ ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتكثير الطعام، حيث وسِع خَلْقاً كثيراً.

قوله: «فَقَالَ لِي: يَا أَنَسُ، ارْفَعْ»

     قَال: فَرَفَعْتُ، فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ؟» أي: في الصورة، وإلا فلا شك أنَّه حين الرفع أكثر؛ ببركةِ وضع يده - صلى الله عليه وسلم - في الطعام، وفضلة أصحابه -رضي الله عنهم-، وقد قيل: ظاهره أنَّ الوليمة لزينب كانت من الحيس الذي أهْدته أم سليم، والمشهور من الروايات أنَه - صلى الله عليه وسلم - أولم عليها بخبزٍ ولحم، ولم يقع في القصة تكثير ذلك الطعام. وأجيب: بأنه يجوز أن يكون حضور الحيس صادف حضور الخبز واللحم، وإنكار وقوع تكثير الطعام في قصة الخبز واللحم عجيب، فإنَّ أنساً يقول: أولم عليها بشاة، وأنه أشبع المسلمين خبزاً ولحما، وهم يومئذ نحو الألف. قلت: لا دلالة فيه على أنَّ الحيس وليمة، وإنَّما وقع إرساله هدية، ثم إمَّا في آخر ذلك اليوم، وإما في يوم آخر، أولم عليها بشاة؛ وأشبع الألف خبزاً ولحما، فلا منافاة بين القضيتين، ولا معارضة بين المعجزتين، والله -سبحانه وتعالى- أعلم

قوله: «وجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ في بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم »

     قوله: «وجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ في بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، ورَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الحَائِطِ» أي: بعد تناولهم الطعام، جلس بعضهم للحديث والسمر، وقوله: «وزوجته موليةٌ وجهها» هكذا هو في جميع النسخ «وزوجته» بالتاء، وهي لغةٌ قليلة تكرّرت في الحديث والشعر، والمشهور حذفها.

قوله: «فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم »

     قوله: «فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَجَعَ؛ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ، قَال: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ» أي: علموا أنهم قد شقوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطول جلوسهم، وقد كانَ الصَّحابةُ الكِرامُ -رِضْوانُ اللهِ عَلَيهم- يُحِبُّونَ رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ويَفْدونَه بِأرْواحِهم وأنفُسِهم وأموالِهم، وكانوا يجتَهِدون في طاعته، ويكرهون ما يكره.

قوله: «وجَاءَ رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ»

     قوله: «وجَاءَ رسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ، ودَخَلَ وأَنَا جَالِسٌ فِي الحُجْرَةِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَلَيَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ولَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، أي: أيها المؤمنون لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلَّا مَصحوبينَ بالإِذْن، ولا تَرقُبوا الطَّعامَ إذا طُبِخَ، حتَّى إذا قاربَ الاستِواءَ تَعرَّضتُم للدُّخولِ، وبَعْدَها إذا تناولتم الطعام تَفرَّقوا واخْرُجوا مِن مَنزِله، ولا تَنتَظِروا للحديثِ؛ لأنَّ في ذلك تَضييقَ المَنزِل عليه وعلى أهلِه، والنَّبيُّ يَستَحْيي منكم أنْ يُخرِجَكم، ولكنَّ اللهَ لا يَستَحيي من الحقِّ أنْ يُعلِمَكم ويُبَيِّنَ لكمْ آدابَ دِينِكم.

فوائد الحديث

وفي الحَديثِ فوائد منها ما يلي:

- مَشروعيَّةُ الهديَّةِ للعَروسِ.

- وفيه: اتِّخاذُ الوَليمةِ في العُرسِ، وأنَّها تكونُ بالمتاحِ دونَ تكَلُّفٍ.

- وفيه: دُعاءُ النَّاسِ إلى الوَليمةِ.

- وفيه: مُعجِزةٌ عُظمى للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث دُعِيَ الجَمعُ الكَثيرُ إلى شَيءٍ قَليلٍ وكفاهم.

- وفيه: لُطفُه - صلى الله عليه وسلم -، وحَياؤُه الغَزيرُ.

- وفيه: التَّسميةُ على الأكْلِ.

 وفيه: تُخفيفُ الزِّيارةِ للزَّائرِ، ولا سيَّما عَقِبَ الطَّعامِ؛ فإذا طَعِمَ الضَّيفُ انصرَفَ.

 وفيه: أنَّ المُسلِمَ لا يَحقِرُ شَيئًا يُقدِّمُه إلى أخيه إذا كانَ مُنتَهى وُسْعِه في وَقتِه ذلِك.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك