رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 نوفمبر، 2021 0 تعليق

شرح كتاب النكاح من صحيح مسلم – باب: الشروط في النكاح


عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ؛ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»، الحديث رواه مسلم في النكاح (2/1035) باب: الوفاء بالشُّروط في النّكاح، ورواه البخاري في النكاح (9/217) باب: الشروط في النكاح. قوله: «أحقّ الشَّرط أنْ يُوفى به»، وفي الرواية الأخْرى لمسلم: «إنَّ أحقّ الشُّروط». وفي رواية البخاري: «أحقّ ما أوْفيتم مِنَ الشُّروط أنْ تُوفوا به» أحق الشروط، أي: أولى الشُّروط المشروعة. «أن توفوا» بالتوفية والالتزام.

الوفاء بشُروط النكاح

     الوفاء بشُروط النكاح، آكد منَ الوفاء بغيرها؛ لأنَّها في مقابل الزواج وهي داخلة في قوله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} (المائدة: 1). يعني: أوفوا بأصْلها ووصْفها، قال الحافظ ابن حجر: أي أحقّ الشّروط بالوفاء: شروط النكاح؛ لأنَّ أمْره أحوط، وبابه أضيق.

الشروط مختلفة

     وقال الخطابي: الشُّروط في النّكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمرَ الله به من إمساكٍ بمعروف، أو تسريح بإحسان، قال: ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسُؤال طلاق أختها، ومنْها ما اختلف فيه، كاشتراط ألا يتزوَّج عليها، أو لا يتسرَّى، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله. انتهى.

مقاطع الحقوق عند الشروط

- وقال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من الصحابة، منهم عمر رضي الله عنه ، قال: إذا تزوج الرجل المرأة، وشرط ألا يُخرجها، لزم، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. فتح الباري (9/ 217)،

- وقال البخاري: وقال عمر رضي الله عنه : إن مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت،

- وقال المسور: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر صهرًا له، فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن، قال: حدثني وصدقني، ووعدني فوفَّى لي انتهى. صحيح البخاري (3 /249).

المؤمنون على شروطهم

     وعن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت مع عمر رضي الله عنه ؛ حيث تصل ركبتي ركبته، فجاءه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين، تزوجتُ هذه وشرطتُ لها دارها، وإنّي أجمعُ لأمْري أو لشأني، أنْ أنتقل إلى أرضِ كذا وكذا، فقال له: بشرطها، فقال الرجل: هلك الرجال إذْ لا تشاءُ امرأة أنْ تُطلق زوجها إلا طلقت، فقال عمر رضي الله عنه : المؤمنون على شُروطهم، عند مَقاطع حُقوقهم. أخرجه سعيد بن منصور، وفي لفظ: فقال عمر: إنَّ مقاطع الحقوق عند الشروط، ولها ما اشترطت.

الشروط في النّكاح قسمان

- الأول: صحيح، وهو: مالا يُخالفُ مُقْتضى العقد، وأنْ يكون للمُشْترط من الزَّوجين غرض صحيح.

- الثاني: وباطل وهو: ما كان مُخالفاً لمقتضي العقد، أو تضمَّن مخالفة شرعية.

- والميزان في هذه الشروط ونحوها:

1- قوله - صلى الله عليه وسلم -: في حديث عائشة في قصة بريرة :»كل شَرطٍ ليس في كتاب الله، فهو باطل». متفق عليه.

لافرق قبل وبعد العقد

2- وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «المُسْلمون على شروطهم، إلا شَرطاً حرّم حلالاً، أو أحلَّ حراماً». رواه أبوداود والطبراني والحاكم، ولا فرق بين أنْ يقع اشتراطها قبل العقد أو معه.

صحة الشرط

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الاختيارات: «إذا شَرَط الزوجُ للزوجة في العقد، أو اتَّفقا قبله، ألا يُخرجها من ديارها أو بلدها، أو لا يتزوج عليها، أو لا يتسرَّى، أو إنْ تزوَّج عليها، فلها تطليقها، صحَّ الشرط، وهو مذهب الإمام أحمد، ولو خدعها فسافر بها، ثم كرِهته لم يكرهها،

شرط السكن

- قال: ومَنْ شَرَط لها أنْ يُسْكنها منزل أبيه، فسَكنت، ثم طلبت سُكنى مُنْفردة وهو عاجز، لم يلزمه ما عجز عنه، بل لو كان قادرًا، فليس لها عند مالك وهو أحد القولين في مذهب الإمام أحمد وغيره، غيرَ ما شرط لها.

الخيار في الشرط

- قال: وإنْ شَرَط الزوجان أو أحدهما فيه خيارًا، صحَّ العقدُ والشرط، وإنْ شَرَطها بكرًا أو جميلة أو ثيبًا، فبانتْ بخِلافه؛ ملك الفسخ، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقول مالك وأحد قولي الشافعي، قال: ولو شرطت مقام ولدها عندها، ونفقته على الزوج، فهو مثل اشتراط الزيادة في الصداق، ويرجع في ذلك إلى العُرْف، كالأجير بطعامه وكسوته.

العُيوب المثبتة للفسخ

- وقال أيضًا: فصل في العُيوب المثبتة للفسخ: والاستحاضة عيبٌ يثبتُ به فَسْخُ النكاح في أظهر الوجهين، قال: والسَّنّة المعتبرة في تأجيل العِنين هي الهلالية (أي يمر عليه الفصول الأربعة) ، هذا هو المفهوم من كلام العلماء، لكن تعليلهم بالفصُول يُوهم خلاف ذلك، لكن ما بينهما متقارب.

- وأمَّا شرط ما ينافي مقتضى النكاح: كأنْ لا يَقْسم لها، أو لا يتَسرَّى عليها، أو لا يُنْفق أو نحو ذلك، فلا يجب الوفاء به؛ بل إنْ وقع في صُلب العقد، كفى وصح النكاح بمهر المثل، وفي وجه: يجبُ المُسمّى ولا أثر للشرط، وفي قول للشافعي يبطل النكاح. وقال أحمد وجماعة: يجب الوفاء بالشرط مطلقا. الفتح(9/218).

فوائد الحديث

وفي الحديث فوائد منها يلي:

1-  وجوب الوفاء بالشروط التي التزم بها أحد الزوجين لصاحبه، وذلك كاشتراط زيادة في المهر، أو السُّكنى بمكانٍ معين من جانب المرأة، وكاشْتراط الجمال أو النَّسب، من جانب الزوج .

2- المؤمنونَ عندَ شُروطِهم، وكلُّ شَرطٍ وافَقَ كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ نَبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، ولم يَتعارَضْ معهما، يَجب على المُسلِمِ الوفاءُ به.

3- وفيه الحثُّ على أداءِ حُقوقِ الزَّوجيَّةِ، وهذا مَحمولٌ على شُروطٍ لا تُنافي مُقتضَى النِّكاحِ، بلْ تكونُ مِن مُقتضياتِه ومَقاصِدِه، كاشتراطِ العِشرةِ بالمعروفِ، والإنفاقِ عليها وكِسوتِها، وسُكناها بالمعروفِ، وأنَّه لا يُقصِّرُ في شَيءٍ مِن حُقوقِها، ويَقسِمُ لها كغَيرِها، وأنَّها لا تَخرُجُ مِن بَيتِه إلَّا بإذنِه، ولا تَنشُزُ عليه، ولا تَصومُ تَطوُّعًا بغَيرِ إذْنِه، ولا تَأذَنُ في بَيتِه إلَّا بإذْنِه، ولا تَتصرَّفُ في مَتاعِه إلَّا برِضاهُ، ونحْوِ ذلك.

شرط لايجب الوفاء

     وأمَّا شَرْطٌ يُخالِفُ مُقتضاهُ -كشَرْطِ ألَّا مهر لها ولا نفقة، ونحْوِ ذلك- فلا يَجِبُ الوفاءُ به، بلْ يُلغى الشَّرطُ ويصِحُّ النِّكاحُ؛ لقولِه - صلى الله عليه وسلم - في الصَّحيحينِ: «ما كان مِن شَرطٍ ليس في كِتابِ الله، فهو باطلٌ، وإنْ كان مِئةَ شَرْطٍ».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك