رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 31 يناير، 2022 0 تعليق

شرح كتاب النكاح من صحيح مسلم – باب: التزويج فِي شَوَّالٍ

 

 

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ، فَأَيُّ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي؟ قَال: وكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا فِي شَوَّالٍ.  الحديث رواه مسلم في النكاح (2/1039) باب: استحباب التّزوج في شوال، واستحباب الدخول فيه.

     قولها: «تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي شَوَّالٍ، وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ» أي: عقد عليها في شهر شوال، وهو الشهر الذي يلي رمضان، وبني بها، أي: دخل بها في شهر شوال أيضاً، وقد كانت العربُ في الجاهلية يتشاءمُون مِنَ الزواج في شهر شَوَّال، لاعتقادهم: أن المرأة تمتنع من زوجها كامتناع الناقة التي شوَّلت بذَنَبها بعد اللقاح من البعير، فأبْطل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - ذلك، وتزوَّج بأمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- في شوال، وقصدَت عائشةُ بهذا الكلامِ: رَدَّ ما كانتِ الجاهليةُ عليهِ، وما يَتخيَّلُه بعضُ العَوَامِّ اليومَ من كراهةِ التزوُّجِ والتزويجِ والدُّخولِ في شوالٍ، وهذا باطلٌ لا أصْلَ له، وهو من آثارِ الجاهليةِ، كانوا يتطيَّرون بذلك لِما في اسم شوالٍ من الإشالةِ والرفع.

قال النووي: فيه استحبابُ التَّزويجِ والتزوُّجِ والدُّخولِ في شوالٍ، وقد نصَّ أصحابُنا على استحبابهِ، واستدلُّوا بهذا الحديثِ. شرح مسلم (9/ 209).

وقال ابن كثير: وأنَّ دُخولَهُ -صلى الله عليه وسلم - بها كان بالسُّنحِ نهاراً، وهذا خلافُ ما يَعتادُه الناسُ اليومَ. «البداية والنهاية» (4/ 570).

والسُّنح: مكان بعوالي المدينة.

حكم الزواج في شوال

وسئلت (اللجنة الدائمة للإفتاء) عن الزواج بشوال: فأجابت: «ما يتخيّله بعض العوام والجهلة منْ كراهية عقد الزواج والدخول في شوال، فهو باطلٌ لا أصلَ له، بل هو مِنْ عادات الجاهلية، حيثُ كانوا يتطيّرون بذلك؛ لمَا في اسم شوال مِنَ الإشالة والرفع». مجموع فتاويها (19/ 161).

هل الزواج في شَوال مُسْتحب؟

لكنْ هل يصحّ القول: بأنَّ الزَّواج في شَوال مُسْتحب؟ ومثله أيضاً: هل يُستحبُّ الدخول نهاراً؟

والجواب: أنَّ الاسْتحباب حُكمٌ شرعيٌّ يَحتاجُ إلى دليلٍ، وقد تزوَّجَ - صلى الله عليه وسلم - بنسائهِ في أوقاتٍ مُختلفةٍ على حَسَبِ الاتفاقِ، ولم يَتحرَّ وقتاً مَخصوصاً، ولو كان مُجرَّدُ الوقوعِ يُفيدُ الاستحبابَ، لكان كُلُّ وقتٍ من الأوقاتِ التي تزوَّجَ فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُستحبُّ البناءُ فيه، وهو غيرُ مُسلَّمٍ. انظر: (نيل الأوطار) للشوكاني (6/ 225).

إلا: إذا ظهرتْ بدعةُ التَّشاؤم بالزواج في شَهر شوال في بلدٍ ما، فيُستحبُّ حينئذ قصد الزواج في شَوَّال؛ مُخالفةً لأهل البدع، وكذا: إذا اعتُقد كراهة الدُّخول على الزوجة نهاراً، فيُستحبُّ حينئذ مخالفتهم إظْهاراً للجواز.

باب: الوَليمة في النِّكاح

عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - يَقُولُ: ما أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أَكْثَرَ أَوْ أَفْضَلَ، مِمَّا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ. فَقَالَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ: بِمَا أَوْلَمَ؟ قَال: أَطْعَمَهُمْ خُبْزًا ولَحْمًا، حَتَّى تَرَكُوهُ.

في الباب حديثان: الحديث الأول: رواه مسلم في النكاح (2/1049) باب: زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العرس.

والوليمة في اللغة، مأخوذةٌ مِنَ الولم، وهو تمام الشيء واجتماعه، ثم أصبحت تطلق على العرف على كل طعام لسُرور حادث، مِثلِ النكاحِ أو الخِتانِ أو غيرِهِما، لكنَّ الأشهرَ استِعمالُها عندَ الإطلاقِ في النِّكاحِ.

وغلب إطلاقها في النصوص الشَّرعية وكلام العلماء على: طعام العُرس خاصَّة، فإذا أطْلقت الوليمة؛ فالغالب أنّ المراد بها ذلك، سُمِّيت بذلك تفاؤلاً باجتماع الزَّوجين، وتمام أمرهم، ولأجل اجتماع الناس مِنَ الأقارب والجيران ونحوهم.

الوَليمةُ مِن سُننِ النِّكاحِ

والوَليمةُ مِن سُننِ النِّكاحِ، وهي مِن الآدابِ الاجْتِماعيَّةِ الجميلة التي جاءَ بها الإسلامُ، ومِن فَوائِدها: الشُّهرةُ وإعلانُ النكاح، والذِّكرى له، والاستزادةُ مِن دُعاءِ المؤمنين بالبركةِ في الأهلِ والمالِ للزوجين.

وأكثر العلماء على وجُوب دَعْوة الوليمة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دُعيَ أحدُكم الوليمة فليَأتها». متفق عليه. ولوجوب الإجابة شروط يأتي الكلام عليها.

الوليمة سُنة مُؤكَّدة

والوليمة سُنة مُؤكَّدة عند جُمْهور العلماء، ودليل مَشْروعيتها أحاديث، منها: حديث أنس - رضي الله عنه - السابق: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال: «ما هذا؟» قال: يا رسولَ الله، إنّي تزوّجت امْرأةً على وزن نواةٍ مِنَ ذَهب، قال: «باركَ اللهُ لك، أولمْ ولو بشاه». أخرجه البخاري ومسلم. ومنها حديث الباب.

     وفي هذا الحديثِ: يُخبِرُ أنسٌ - رضي الله عنه - أنَّ: النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ما صَنَعَ طَعامَ وَلِيمةٍ لعُرسٍ مِن أعراسِهِ، مِثلَ الطَّعامِ الذي صَنَعهُ في عُرسِهِ على أمِّ المُؤمِنينَ زَينبَ بنتِ جَحْشٍ -رضِيَ الله عنها-؛ فقدْ أَوْلَمَ عليْها بِشاةٍ، لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ على صفيَّةَ وَلِيمةَ حَيْسٍ، وهو التَّمرُ مع السَّمنِ، وليسَ فيه خُبزٌ ولا لَحمٌ، وأَوْلَم على غَيرِها بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ، كما عند البُخاريِّ.

بركة وَليمةِ زيْنبَ -رضي الله عنها

     وكأنَّ أنسًا - رضي الله عنه - أرادَ أنَّه وقَعَ في وَليمةِ زيْنبَ بالشَّاةِ مِن البركةِ في الطَّعامِ، ما لم يقَعْ في غيْرِها؛ فإنَّه أشْبعَ النَّاسَ خُبزًا ولحْمًا؛ وهذا فَعَلَه النبي -صلى الله عليه وسلم - إمَّا شُكرًا لنِعمةِ اللهِ تعالَى؛ إذْ زوَّجَه زَينبَ بنتَ جَحشٍ بالوحْيِ، لا بِوَليٍّ وشُهودٍ، بخِلافِ غيرِها مِنْ نسائه، وإمَّا وقَعَ اتِّفاقًا لا قصْدًا، ولوْ وجَدَ في زواجِه على الأُخرَياتِ شاةً أو أكبَرَ منها لأَوْلَمَ بها؛ لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ أجْودَ النَّاسِ وأكرَمَهُم.

الولِيمَةَ تكونُ بأيِّ شَيءٍ

وقد ورَد اختِلافُ فِعْلِه - صلى الله عليه وسلم - في الوَلائمِ على زَوْجاتِه، وهو يَدُلُّ على أنَّ الولِيمَةَ تكونُ بأيِّ شَيءٍ يَقدِرُ عليه الزّوج وقْتَ الزَّواجِ، دونَ إسْرافٍ ولا فخْرٍ أو رياء، وليس في قوْلِ النَّبيِّ -[- لعبدِ الرَّحمنِ بنِ عوْفٍ في الصَّحيحينِ: «أوْلِمْ ولو بشَاةٍ» منْعٌ لِمَا دُون ذلك، وإنَّما جعَل الشَّاةَ غايَةً في التَّقليلِ؛ لِيَسارِ عبدِ الرَّحمنِ وغِناهُ، وأنَّها ممَّا يُستطاعُ له.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك