رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 31 أغسطس، 2022 0 تعليق

شرح كتاب الطَّلاق من مختصر مسلم – باب: في الحَرام،

 

عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قالَ: إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ، فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا. وقَال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

     الشرح: في الباب ثلاثة أحاديث، رواها مسلم في الطلاق (3/1100) باب: وجوب الكفارة على مَنْ حرّم امرأته ولمْ ينوِ الطلاق. قول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التحريم: 1).

     قد ذَكر المُفسرون في سببٍ نزول هذه الآيات روايات مُتعددة، منْها ما رواه الشيخان وغيرهما: عن عائشة -رضى الله عنها- أنّها في العسل. وأخرج النسائيّ والحاكم وصحّحه وابن مردويه: عن أنس - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمَة يَطؤها، فلمْ تَزلْ به عائشة وحفصة، حتى جَعلها على نفسِه حَرَاما، فأنزل الله -تعالى-: {يا أيّها النَّبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ...} الآيات.

- وقال القرطبيّ ما ملخّصه: «وأصَحّ هذه الأقوال أوّلها... والصّحيح أنَّ التحريم كان في العَسَل، وأنّه شَربه عند زينب، وتَظَاهرت عليه عائشةُ وحفصة فيه، فجَرَى ما جرى، فحَلَفَ ألا يَشْربه وأسر ذلك، ونزلت الآية في الجميع».

- وقال الإمام ابن كثير -بعد أنْ ساقَ عدداً من الروايات في هذا الشأن-: والصّحيح أنَّ ذلك كان في تحريمه - صلى الله عليه وسلم - للعسل اهـ.

عتابٌ مِنَ الله لنبيه

- فقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} عتابٌ مِنَ الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، حين حرّم على نفسه شُرب العسل، أو سُريته (مارية)، مراعاةً لخاطر بعض زوجاته، فأنزل الله -تعالى- هذه الآيات (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ) أي: يا أيها الذي أنْعم الله عليه بالنّبوة والوحي والرسالة، (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) مِنَ الطّيّبات، التي أنعم الله بها عليك، وعلى أمتك.

غَفَر الله لرسُوله ورَفَع عنه اللوم

     (تَبْتَغِيَ) بذلك التحريم (مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا تصريحٌ بأنّ الله قد غَفَر لرسُوله، ورَفَع عنه اللوم، ورحمه، وصارَ ذلك التَّحريم الصادر منه، سَبباً لشرعِ حُكمٍ عامٍّ لجميع الأمة، فقال -تعالى- حاكماً حُكْما عاماً في جميع الأيمان. (انظر السعدي).

- قول ابن عباس: «إذا حرّم الرّجل امْرأته، فهي يمينٌ يَكفرها» أي: إذا قال لزوجته: أنتَ عليّ حَرام، كانت يميناً تُوجب الكفارة عليه.

فقوله -تعالى-: (لمَ تُحرّم) كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حرّم ولم يَحلف، فكانت يميناً، وحُجة ابن عباس وغيره من الصحابة ومن بعدهم، قول الله -تعالى- بعدها: (قد فرضَ اللهُ لكم تَحِلّة أيمانكم) فسمّاه يميناً.

ليس لأحدٍ أنْ يُحَرم ما أحلّ الله

- قال الزجاج: ليس لأحدٍ أنْ يُحَرم ما أحلّ الله، ولمْ يجعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُحرّم إلا ما حرم الله عليه، فمن قال لزوجته أو أمته: أنت عليّ حرام، ولمْ ينو طلاقاً ولا ظهاراً، فهذا اللفظ يوجب كفارة اليمين، ولو خاطب بهذا اللفظ جمعاً من الزوجات والإماء فعليه كفارة واحدة، ولو حرم على نفسه طعاماً أو شيئاً آخَر، لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعي ومالك، وتجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة. انتهى (تفسير القرطبي).

مذهب الشافعي

- ومذهب الشافعي فيه: أنه إنْ نوى طلاقَها كان طلاقاً، وإنْ نوى الظّهار كان ظِهاراً، وإنْ نوى تحْريم عينها بغيرِ طلاقٍ ولا ظهار، لزمه باللفظ نفسه كفارةُ يمين، ولا يكون ذلك يميناً. وإنْ لم ينو شيئا، ففيه قولان للشافعي: أصحّهما: يلزمه كفارةُ يمين، والثاني: أنه لغوٌ لا شيء فيه ولا يترتب عليه شيء من الأحكام، هذا مذهبنا. قاله النووي.

في المسألة أربعة عشر مذهبا

- وذكر عياض في المسألة أربعة عشر مذهبا، قال: والتاسع: مذهب الشافعي وسبق إيضاحه، وبه قال أبو بكر وعمر وغيرهما من الصّحابة والتابعين -رضي الله عنهم.

     واستدل القائلون بعدم وجوب الكفارة؛ بقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (المائدة: 87).

     وقوله -تعالى-: {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} (يونس: 59). فذم الله المُحرّم للحلال، ولمْ يُوجب عليه كفارة.

والصحيح: أنها ذمّ لمن فَعَلَ ذلك تَشْريعاً وحُكما، ولم تتطرق لحكم تحريمه على نفسه شيئاً، إلزامًا له بما التزمه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك