رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 6 سبتمبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب الطَّلاق من مختصر مسلم – باب: في الحَرام،

 

857. عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- تُخْبِرُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا، قَالَتْ: فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ولَنْ أَعُودَ لَهُ، فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (التحريم:1). إِلَى قَوْلِهِ {إِنْ تَتُوبَا} لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ، {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (التحريم:2). لِقَوْلِهِ: «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا».

الشرح:

الحديث الثاني: عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها.

قولها: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا»

- قولها: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلًا» أي: كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يدخل عندها ويَمكُثُ عندها -رضي الله عنها- حِين يَدورُ على نِسائِه لا عندَ نَوبتِها، ويَشرَبُ عِندَها عَسَلًا، وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة غِرْن ممّا قد حَصل من زينب، فتواصين عليه.

- قَالَتْ: «فَتَوَاطَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ؟» المغافير: هو جمع مغفور، وهو صمغ حلو كالناطف، وله رائحةٌ كريهة ينضحه الشجر، يقال له: العرفط، يكون بالحجاز. فقولها: «فتواطيت أنا وحَفْصة» فتواطيت أصله: فتواطأت، بالهمز، أي اتفقت.

قولها: «فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا»

- قولها: «فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ ذَلِكَ لَهُ، فقال: «بل شربتُ عَسَلاً عند زينب بنتِ جحش» وفي الرواية التي بعدها: «أن شُرب العَسَل كان عند حفصة» قال القاضي: ذكر مسلم في حديث حجاج عن ابن جريج: أن التي شَرب عندها العسل زينب، وأنّ المُتظاهرتين عليه عائشة وحفصة، وكذلك ثبتَ في حديث عمر بن الخطاب وابن عباس -رضي الله عنهما-: أنّ المتظاهرتين عائشة وحفصة، وذكر مسلم أيضا من رواية أبي أسامة عن هشام: أن حفصة هي التي شرب العسل عندها، وأن عائشة وسودة وصفية من اللواتي تظاهرن عليه. قال: والأول أصح. قال النسائي: إسناد حديث حجاج صحيح جيد غاية.

     وقال الأصيلي: حديث حجاج أصح وهو أولى بظاهر كتاب الله -تعالى- وأكمل فائدة. يريد قوله -تعالى-: (وإنْ تظاهرا عليه) فهما اثنتان لا ثلاث، وأنّهما عائشة وحفصة كما قال فيه، وكما اعْتَرف به عمر - رضي الله عنه .

     قال النسائي: إسناد حديث عائشة في العسل جيد صحيح غاية. هذا آخر كلام القاضي. ثم قال القاضي بعد هذا: الصواب أن شُرب العسل كان عند زينب.

وفي حَديثٍ آخَرَ أنه شَرِبَ العسلَ في بيْتِ حَفْصةَ

     وفي حَديثٍ آخَرَ في الصَّحيحينِ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - شَرِبَ العسلَ في بيْتِ حَفْصةَ -رضي الله عنها-، وفي هذا الحديثِ أنَّه شَرِبَه في بيْتِ زَيْنبَ -رضي الله عنها-. والجمْعُ بيْنَ هذا الاختلافِ: الحَملُ على التَّعدُّدِ؛ فلا يَمتنِعُ تَعدُّدُ السَّببِ لِلأمرِ الواحدِ. وقيل: الأرجَحُ أنَّها زَينبُ؛ لأنَّ نِساءَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ حِزبَينِ: عائِشةُ وحَفصةُ وسَودةُ وصَفِيَّةُ في حِزْبٍ، وزينبُ بنتُ جَحشٍ وأمُّ سَلَمةَ والباقياتُ في حِزبٍ، وهذا يرجِّحُ أنَّ زينبَ هي صاحِبةُ العَسَلِ؛ لأنَّها المنافِسةُ لها.

- فَنَزَلَ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (التحريم:1). هذا ظاهر أن الآية نزلت في سبب ترك العسل، وفي بعض الروايات: أنها نزلت في تحريم مارية، ولا مانع من تعدّد سبب نزولها. إِلَى قَوْلِهِ (إِنْ تَتُوبَا) لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ. يريد أنّ المراد باللتين تواطأتا وحكى في الآية تظاهرهما على النبي - صلى الله عليه وسلم - هما: الصديقة، وحفصة -رضي الله تعالى عنهما.

قوله -تعالى-: {وإذْ أسَرّ النبيّ إلى بعضِ أزواجه حَديثا}

- قوله -تعالى-: {وإذْ أسَرّ النبيّ إلى بعضِ أزواجه حَديثا} هو قوله: بل شربتُ عَسَلا، هكذا ذكره مسلم. قال القاضي: فيه اختصار، وتمامه: ولنْ أعُود إليه، وقد حلفت ألا تُخْبري بذلك أحدا، كما رواه البخاري. وهذا أحد الأقوال في معنى السر. وقيل: بل ذلك في قصة مارية، وقيل غير ذلك.

 

 

الطلاق ليس محبوبا

قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله:

     الطلاق لا شك أنه غير محبوبٍ إلى الله، وقد أمر الله -سبحانه وتعالى- بالصبر على المرأة؛ فقال: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } وقال في المولين: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، تأمل كيف فرق بين الفيئة وهي الرجوع إلى أهله، وبين عزم الطلاق، فقال في الأول: {فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وقال في الثاني: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، وهذا يدل على أن الطلاق ليس محبوباً إلى الله -عز وجل-، وهو كذلك؛ لما يحصل به من الفرقة بعد الألفة، وربما يكون بين الزوجين أولاد فيتفرق الأولاد، وتتشتت أفكارهم، وربما يكون هذا الطلاق سبباً للعداوة بين الزوج وأهل المرأة، وبين المرأة والزوج إلى غير ذلك من المشكلات التي تحصل بالطلاق؛ ولهذا ينبغي للإنسان ألا يطلق إلا عند الضرورة القصوى التي لا تحمل معها البقاء مع زوجته، ثم إن بعض الناس يغضب إذا قالت له زوجته: طلقني، أو إن كنت رجلاً فطلقني، أو أتحداك أن تطلقني فيغضب، ثم يسرع بالطلاق، وهذا لا ينبغي للرجل، لا ينبغي للرجل أن يكون قوياً، وأن يكون شديداً، شديد النفس، وألا يتأثر بهذا القول من المرأة، وربما تكون في تلك الساعة قد تساوى عندها البقاء والفراق، ولكنها تندم فيما بعد أشد الندم، فإذا تحدثت لك زوجتك بالطلاق أو قالت طلقني، أو ما أشبه ذلك فاتركها لا تطلقها، ولا تغضب من هذا، وإذا رأيت من نفسك أنها قد تسيطر عليك، وتكون أقوى منك في طلب الطلاق، فاخرج من البيت، حتى يهدأ غضبها، وترجع إلى سكينتها، فنصيحتي للأزواج ألا يتعجلوا في الطلاق وأن يتأنوا، ثم ليتذكر الإنسان ما كان بينه وبين زوجته من عشرة طيبة، ثم يتذكر أيضا أنه ليس بالسهولة أن يجد زوجةً إذا طلق هذه، وربما ينفر الناس منه إذا رأوه يتزوج ويطلق، يتزوج ويطلق، فلا يزوجونه، وإن كان ذا خلقٍ ودين.

      أما حديث الطلاق أبغض الحلال إلى الله، فهذا حديثٌ ضعيف يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه ضعيف، وفي متنه ما فيه، يعني في لفظ الحديث ما فيه؛ لأن قوله: أبغض الحلال إلى الله الطلاق يقتضي أن يكون الحلال بغيضاً إلى الله، ولو كان بغيضاً إلى الله ما كان حلالاً؛ لأن كل ما كان بغيضاً إلى الله أنه أقل الأحوال يكون حراماً، فالحديث هذا لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك