رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 أكتوبر، 2022 0 تعليق

شرح كتاب الطَّلاق من مختصر مسلم – باب: في المُطَلّ

 

 

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه -: يَقُولُ طُلِّقَتْ خَالَتِي، فَأَرَادَتْ أَنْ تَجُدَّ نَخْلَهَا، فَزَجَرَهَا رَجُلٌ أَنْ تَخْرُجَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «بَلَى، فَجُدِّي نَخْلَكِ، فَإِنَّكِ عَسَى أَنْ تَصَدَّقِي، أَوْ تَفْعَلِي مَعْرُوفًا». الحديث رواه مسلم في الطلاق (2/1121) باب: جواز خُروج المُطلّقة البائن، والمُتوفّى عنها زوجُها في النّهار لحاجتها.

     والمُطلّقة البائن، هي: مَنْ طُلقت ثلاثاً، فالزّوج إنْ طلقها الطَّلقة الثالثة؛ فإنّه يكون طلاقًا ليس برجعي، تبينُ منه بَيْنونة كبرى، لا تصلح له إلا بعد زوجٍ ودُخول، أمّا إذا طَلْقها طلقةً واحدةً، أو طَلقتين، فهذا طلاق رجعي، له الرجوع إليها ما دامت في العدة.

     ويَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضي الله عنهما-، أنَّ خالَتَه، قيلَ: اسْمُها أسْماءُ. طُلِّقَتْ طلاقًا بائنًا، كما في رِوايةِ أبي داودَ: «طُلِّقَتْ خالَتي ثلاثًا».

قال: «فأرادتْ أنْ تَجدَّ نَخْلها» أي: أرادَتْ أنْ تخرُجَ في عِدَّتِها لتَقْطَعَ الثِّمارَ الَّتي في نَخلِهَا.

قوله: «فزَجَرها رجُلُ أنْ تَخْرج» أي: فزجَرَها رجُلٌ ونَهاها عنِ الخُروجِ، حتَّى تَقضيَ العِدَّةَ.

     وقوله: «فأتت النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: بلى فجُدّي نَخْلك، فإنّك عَسَى أنْ تَصَدّقي، أو تفعلي مَعْروفاً» أي: فجاءتْ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ وذلك حتَّى تَسْألَه، وأخْبرَتْه بما حدَثَ، وبحالِها وضَرورَتِها للخروج إلى جِذاذِ نَخلِها، وجَنيِ ثَمارِه، وهل يجوزُ لها أنْ تخرُجَ مِنْ بَيتِها في عِدَّتِها لهذه الضَّرورةِ؟

     ‏قوله: فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «بَلى»، وعندَ أبي داودَ: «اخْرُجي»، واقَطَعي ثمارَكِ، فعَسى بعدَ أنْ تَقطَعي ثمَرَ نَخلِكِ، أنْ تتَصَدَّقي منه على الفُقَراءِ والمَساكينِ، «أو تَفْعَلي مَعْروفًا»، والمعروفُ: اسمٌ جامعٌ لكُلِّ ما عُرِفَ مِن طاعةِ اللهِ، والإحْسانِ إلى النَّاسِ، وهذا تَعليلٌ لإباحةِ الخُروجِ، وإنْ خُرِّجَ مَخرَجَ التَّنبيهِ لها، والحَضِّ على فِعلِ الخيرِ.

كما أنَّه أباحَ لها الخُروجَ لحاجَتِها، لرعايةِ مَصالحِها ونَخلِها ومالِها، كما هو ظاهرُ الحديثِ في أوَّلِه.

وجه الفَرقِ بينَ الصَّدقةِ والمعروفِ

ولعَلَّ وجهَ الفَرقِ بينَ الصَّدقةِ والمعروفِ: أنْ يكونَ المُرادُ بالصَّدقةِ الواجبةِ هي الزكاة، وبالمعروفِ صَدَقةَ التَّطوُّعِ.

     وقيل: إنَّما قال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك؛ لأنَّه كان يعلَمُ أنَّها صاحِبةُ خَيرٍ، عُهِدَ منها المعروفُ، أو أجابَها بما فيه إرْشادٌ لها إلى الصَّدَقةِ والتَّطوُّعِ، ولا يَخْفى ما فيه مِنْ لُطْفٍ وحِكمةٍ.

     قال النووي: و‏هذا الحديث: دليلٌ لخُروج المُعْتدّة البائن للحَاجة، ومذهب مالك والثوري والليث والشّافعي وأحمد وآخرين: جواز خُرُوجها في النّهار للحاجة، وكذلك عند هؤلاء: يجوزُ لها الخروج في عدّة الوفاة، ووافقهم أبو حنيفة في عدّة الوَفاة، وقال في البائن: لا تَخْرج ليلاً ولا نهاراً؟!

     وفيه: اسْتحباب الصَّدقة مِنَ التّمر عند جُداده، والهدية، واسْتِحباب التَّعْريض لصاحب التمر بفعل ذلك، وتذكير المعروف والبر، والله تعالى أعلم.

فوائد الحديث

- إرْشادُ السَّائلِ إلى ما فيه خيْرٌ له في دِينِه ودُنْياه، والزِّيادةُ في الجوابِ لحاجةِ السَّائلِ ومصلحته.

- وفيه: مَشروعيَّةُ خُروجِ المُطلَّقةِ في عِدَّتِها للضَّرورةِ، وقَضاءِ مَصالِحِها الَّتي لا غِنَى لها عنها.

- وفيه: مَشروعيَّةُ العِنايةِ بحِفظِ المالِ، واقْتِنائِه لفِعلِ الخَيرِ، والمواساةِ به.

- وفيه: الصَّدَقةُ منَ التَّمرِ عندَ جَنْيِه، والهَديَّةُ منه.

- وفيه: التَّعْريضُ لصاحِبِ التَّمرِ بالصَّدَقةِ، وتَذْكيرُه بالمعروفِ والبِرِّ.

- وفيه: أنّ الشَّريعة الإسْلاميَّة جاءَت باليُسْرِ والخَيْرِ للنَّاسِ، فراعَتْ أحْوالَهم عندَ تَنْفيذِ أحْكامِ الشَّرعِ، حتَّى لا يَقَعوا في الحَرَجِ والضِّيقِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك