رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: forqan 2 أكتوبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: مَنْ أَكَلَ يَومَ عَاشُورَاء فَلْيَكُفّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ

 

  • الصّحيح عند أهلِ الحَديث وأهلِ الأصُول: أنّ الصّحابي إذا قال فَعَلْنا كذا في عَهْد رسول الله  صلى الله عليه وسلم كان حُكْمُه الرّفع لأنّ الظّاهر اطّلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك
  • في الحديث حُجّة على مَشْروعيّة تَمرين الصِّبيانِ على الصِّيامِ ولو كانوا صِغاراً غيرَ مُكلّفين
 

عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ قَالَتْ: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ، إِلَى قُرَى الْأَنْصَارِ الَّتِي حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِماً فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، ومَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ»، فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ونَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/798) وبوّبَ عليه النّووي بمثلِ تبويب المُنْذري، ورواه البخاري في الصوم (1960) باب: صَوم الصِّبيان.

       الرُّبيّع بنت مُعوّذ بن عَفراء، النّجّارية الأنْصَاريّة، وهمْ بطنٌ مِنَ الخَزرج، صحابية مِنْ ذَوات الشأن في الإسْلام. بايعتْ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرّضْوان، تحتَ الشّجرة، وصَحِبته في غَزَواته، قالت: كنّا نغزُو مع رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم - فنَسْقي القوم ونَخْدمهم، ونُداوي الجَرحى، ونَردّ القَتْلى والجَرْحى إلى المدينة. وجاء أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أتَاها يوم عُرسها فقعد عَلَى موضِع فراشها. وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يَغْشى بيتها، فيتوضّأ ويُصلي، ويأكل عندها. عاشت إلى أيام معاوية.

الأمر بصيام عاشوراء

        تَحكي الصحابية الرُّبَيِّعُ بِنتُ مُعوِّذٍ -رَضيَ اللهُ عنها- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أرسَلَ صَباحَ يومِ عاشوراءَ- وهو اليومِ العاشِرِ مِن المُحرَّمٍ كما سبق- رُسُلًا إلى قُرى الأنصارِ، الَّتي حَولَ المدينةِ؛ يُنادُون فيهم: مَنْ أصبَحَ مُفطِراً فلْيُمسِكْ عن الطَّعامِ، ويَبْقى صائماً، ومَنْ أصبَحَ صائماً، فلْيَستمِرَّ على صَومِه بَقيَّةِ يَومِه.

فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ

         قولها: «فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ، ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»، وزاد في رواية لمسلم: «ونَذهب بِهمْ إلى المَسْجد»، فأخبَرَت أنَّهم كانوا يَصُومُون يومَ عاشوراءَ بعْدَ ذلك، ويَجعَلون صِغارَهم يَصومونَه، ويَجعَلون لهم ما يَلعَبون به مِن العِهْنِ، وهو الصُّوفُ المَصْبُوغُ، يُجْعل على شَكل لُعبة، فإذا بَكَى أحدُهم على الطَّعامِ أعْطَوه تلك اللُّعْبِة؛ لِيَتلهَّى بها عن الطعام ويَنسى الجُوع، حتَّى يَأتيَ وَقْتُ الإفطارِ، تَشجيعاً وتَدريباً للأطفالِ على العِبادةِ.

باب صَوم الصّبيان

        وقد بوّب عليه البُخاري: باب صَوم الصّبيان. أي: هل يُشْرع أمْ لا؟ قال الحافظ ابن حجر: والجُمْهور على أنّه لا يجبُ على مَنْ دُون البُلوغ، واسْتحبّ جماعةٌ مِنَ السّلف، منْهم: ابنُ سِيرين والزُّهري، وقال به الشافعي، أنّهم يُؤمَرُون به للتّمْرين عليه إذا أطَاقُوه، وحَدّه أصحابُه بالسّبع والعَشْر كالصّلاة، وحدّه إسْحاق باثنتي عَشْرة سنة، وأحمد في رواية: بعَشْر سنين، وقال الأوزاعي: إذا أطاقَ صَومَ ثلاثة أيام تِبَاعاً، لا يضعف فيهنّ، حُمل على الصّوم، والأولُ قولُ الجمهور.

المشهور عن المالكية

         والمشهور عن المالكية: أنّه لا يُشْرع في حَقّ الصّبيان، ولقد تلطّف المُصنّف في التّعقّب عليهم، بإيرادِ أثر عُمر في صَدر التّرجمة؛ لأنّ أقْصَى ما يَعْتمدونه في معارضة الأحاديث: دَعْوى عَمل أهْلِ المدينة على خِلافها، ولا عَمَلَ يَسْتند إليه أقْوى منَ العَملِ في عَهد عُمر، مع شدّة تَحرّيه، ووفُور الصّحابة في زمانه، وقد قال للذي أفطر في رمضان مُوبّخاً له: «كيفَ تُفْطِر، وصِبْياننا صِيام؟». وفي رواية البغوي: «فلمّا رُفِعَ إليه؛ عَثَر، فقال عُمر: على وجْهك، ويْحَك؟ وصِبْياننا صِيام؟ ثمّ أَمَرَ به فضُرِبَ ثَمانين سَوطاً، ثمّ سَيّره إلى الشّام»، وأغربَ ابنُ الماجشون منَ المالكية فقال: إذا أطاقَ الصّبيانُ الصّيام ألْزمُوه، فإنْ أفْطَرُوا لغيرِ عُذْر، فعَليهم القَضاء. وأغربَ القُرطبي أيضاً فقال: لعلّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يَعلمْ بذلك، ويَبْعد أنْ يكونَ أمَرَ بذلك؛ لأنّه تَعذيبُ صغير بعبادة غير متكررة في السّنَة. فردّ عليه الحافظ بقوله: مع أنّ الصّحيح عند أهلِ الحَديث وأهلِ الأصُول: أنّ الصّحابي إذا قال: فَعَلْنا كذا في عَهْد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان حُكْمُه الرّفع؛ لأنّ الظّاهر اطّلاعه - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، وتَقْريرهم عليه مع توفّر دَواعيهم على سُؤالهم إيّاه عن الأحْكام، مع أنّ هذا ممّا لا مَجالَ للاجْتهاد فيه فما فَعَلُوه إلا بتَوقيف، والله أعلم.

صِيامَ عاشوراء على الخِيارِ

        وقد وَرَدَ في الصَّحيحَينِ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ صِيامَ عاشوراء على الخِيارِ بعْدَ أنْ فَرَضَ اللهُ رَمَضانَ؛ فعنِ ابنِ عمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان يَوماً يَصومُه أهلُ الجاهِليَّةِ، فمَن أحبَّ منْكم أنْ يَصومَه فَلْيَصُمْه، ومَن كَرِه فَلْيَدَعْه». فأبْقى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - صَومِه تَطوُّعاً. وقدْ جاء في فَضْلِ صِيامِ عاشوراء: أنَّه يُكفِّرُ ذُنوبَ سَنةٍ قَبْلَه، كما في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حَديثِ أبي قَتادةَ - رضي الله عنه . قولها: «فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ»، قال الحافظ: وهو مُشكل، ورواية البخاري توضّح أنه سَقَط منه شيء، وقد رواه مسلم من وجه آخر: عن خالد بن ذكوان فقال فيه: «فإذا سَألُونا الطّعام، أعْطَيناهم اللُّعبة، تُلْهيهم حتّى يُتمُّوا صَومَهم»، وهو يُوضّح صحّة رواية البخاري. قال الحافظ: واستدل بهذا الحديث: على أنّ عاشُوراء كان فَرضَاً قبل أنْ يُفْرض رمضان، وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في أول كتاب الصيام.    

فوائد الحديث

1- في الحديث حُجّة على مَشْروعيّة تَمرينُ الصِّبيانِ على الصِّيامِ، ولو كانوا صِغاراً غيرَ مُكلّفين.

2- وفيه: أنَّ الصَّحابيَّ إذا قال: فعَلْنا كذا في عهْدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، يكون حُكمُه الرَّفعَ؛ لأنَّ سُكوتَه - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، يدُلُّ على إقْرارِهم عليه؛ إذْ لو لم يكُنْ راضياً بذلك، لَأنكَرَ عليهم، ومنعهم.

3- واستدلّ به على جَواز ابتداء نيّة الصّوم مِنَ النّهار في النّفل، وأخرجه البخاري في باب: إذا نَوَى بالنّهَارِ صَوْماً.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك