رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 5 فبراير، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: مَنْ يُصْبِح صَائماً تطوّعاً ثمَّ يُفْطر

عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: «فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ»، ثُمَّ أَتَانَا يَوْماً آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: «أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِماً، فَأَكَلَ».، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/808) باب: جواز صوم النافلة بنيةٍ مِنَ النّهار قبل الزّوال، وجواز فِطر الصّائم نفلاً منْ غير عُذر، والحديث من أفراد مسلم -رحمه الله.

       تقول أمُّ المُؤمنينَ عائشةُ -رضي الله عنها-: إنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سَألها ذاتَ يومٍ، وهو في بيتِها صباحاً، كما في رِوايةٍ للنَّسائيِّ، فقال: «يا عائشةُ، هلْ عندَكم شَيءٌ؟» يَقصِدُ طَعاماً يَأكُلُه؛ فأَجابتْه بأنَّه لا طَعامَ عِندَها، فقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عاقِدًا الصَّومَ: «فإِنِّي إذن صائمٌ»، أي: فإنِّي صائمٌ ومُمسِكٌ عنِ الطَّعامِ.

مَشروعيَّة عقْدِ نِيَّةِ صِيامِ النَّفلِ في النَّهارِ

وهذا يدُلُّ: على مَشروعيَّةِ عقْدِ نِيَّةِ صِيامِ النَّفلِ في النَّهارِ، لمَن لم يَأكُلْ أو يَشرَبْ شيئًا منذُ أذانِ الفجر. وهو مذهب الجمهور، أنّ صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل زوال الشمس. قالت عائشة -رضي الله عنها-: ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: «أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِماً؛ فَأَكَلَ». والحيس: بفتح الحاء المهملة، هو التّمر مع السّمن والأقط «اللَّبَنُ المُجفَّفُ». وقيل: يُضافُ إليه الدَّقيقُ. وقال الهروي: ثريدة من أخلاط، والأول هو المَشهور. فالنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمّا جاء إلى بَيتِ أُمِّ المُؤمنينَ عائشةَ -رضي الله عنها- أَخبرتْه بذلكَ، وأنَّها أخْفَت له جُزءاً مِن الطَّعامِ ليَأكُلَه؛ لِعِلْمِها بأنَّه كان يُريدُ أن يَأكُلَ.

تأويلٌ فاسد وتكلّفٌ بعيد

       قال النّووي: ويتأوله الآخرون على أنَّ سُؤاله - صلى الله عليه وسلم -: «هلْ عِنْدكم شيء؟» لكونه ضَعُف عن الصّوم، وكان نواه مِنَ الليل، فأراد الفِطْر للضّعف، وهذا تأويلٌ فاسد، وتكلّفٌ بعيد، وفي الرواية الثانية التّصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه، في أنَّ صومَ النافلة يجوز قطعه، والأكل في أثناء النّهار، ويبطل الصّوم، لأنه نَفْلٌ، فهو إلى خيرةِ الإنْسَان في الابتداء، وكذا في الدوام. قال: وممّن قال بهذا: جماعةٌ من الصحابة، وأحمد وإسحاق وآخرون، ولكنّهم كلهم والشافعي معهم متفقون على اسْتِحباب إتمامه. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز قطعه ويأثم بذلك، وبه قال الحسن البصري ومكحول والنخعي، وأوجبوا قضاءه على مَنْ أفطر بلا عذر، قال ابنُ عبد البر: وأجمعوا على ألا قضاء على من أفطره بعذر. والله أعلم. انتهى.

الصّائمُ المُتطَوّع أميرُ نَفْسِه

وأيضاً: يدلُّ لصحّة قول الجمهور: قول النّبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصّائمُ المُتطَوّع أميرُ نَفْسِه، إنْ شَاءَ صامَ، وإنْ شَاءَ أفْطَر». حديث صحيح، رواه أحمد والترمذي، عن أم هانئ -رضي الله عنها. - وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دُعِيَ أحَدُكم إلى طَعامٍ فَلْيُجبْ، فإنْ كانَ مُفْطراً فليأكل، وإنْ كانَ صَائماً فليُصَلّ». أي: فليَدع. أخرجه أحمد ومسلم عن أبي هريرة.

الفَرْض لا يجوز الخروج منه

قال الحافظ النووي رحمه الله: إنْ كان صومُه فرضاً؛ لمْ يَجُزْ له الأكل، لأنّ الفَرْض لا يجوز الخروج منه، وإنْ كان نفلاً، جازَ الفِطْرُ وتركه، فإنْ كان يَشُقُّ على صاحب الطعام صومه فالأفْضلُ الفطر، وإلا فإتمام الصوم. انتهى. وفي رواية لمسلم: قالَ طَلْحَةُ: فَحَدَّثْتُ مُجَاهِدًا بهذا الحَديثِ، فَقالَ: ذَاكَ بمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُخْرِجُ الصَّدَقَةَ مِن مَالِهِ، فإنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وإنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا. يقول طَلحةُ بنُ يَحيى الرَّاوي عن عائشةَ بنتِ طَلْحةَ: فحَدَّثتُ مُجاهدَ بنَ جَبرٍ المكِّيَّ، الإمامَ الحُجَّةَ بهذا الحَديثِ الَّذي حَّدَثَته عائشةُ بنتُ طَلحةَ، فَقال: ذاكَ بمَنزلةِ الرَّجلِ يُخرِجُ الصَّدقةَ مِن مالِه؛ فإنْ شاءَ أَمْضاها، وإِن شاءَ أَمْسكَها. أي: فَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذلكَ؛ لأنَّ لَه حُرِّيَّةَ الاختِيارِ في التَّطوُّعِ، وهوَ بمَنزلةِ الرَّجلِ الَّذي يَنْوي أنْ يُخرِجَ الصَّدقةَ مِن مالِه؛ فإنْ شاءَ أَنفذَها وأَعطاها لِمن كانَ يَنوي أنْ يُعطيَها لَه، وَإن أَرادَ أَمسَكَها ومَنَعها وَلم يُخرِجْها.  

فوائد الحديث

1- إفطارُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في صِيامِ التَّطوُّعِ في أيِّ وَقتٍ مِن اليَومِ. 2- والحَديثُ يُوضِّحُ جانباً مِن هَديِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في عَقدِه الصِّيامَ إذا لم يَجِدْ طعاماً في بيته، وفي إفطارِه إذا وَجَدَ الطَّعامَ، وهذا مِن يسر الإسلامِ وعَدمِ تَشدُّدِه، وتَعليمٌ مِن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للمُسلِمينَ لِيقتَدوا بهِ. 3- وفيه: ما كان عليه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن التَّقلُّلِ مِن الدُّنيا؛ زُهداً في مَلذَّاتِها الفانيةِ، وإيثاراً لِما عندَ اللهِ مِن نَعيمِ الآخرةِ. 4- وفيه: أنَّ مَن أخرَجَ شيئًا مِن مالِه للتَّصدُّقِ به، ثمَّ بَدا له ألَّا يَتصدَّقَ؛ فله ذلك.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك