رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 24 يناير، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: كَرَاهية سَرْدِ الصّيام

 

  • كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم  أعبَدَ النَّاسِ للهِ وأحرَصَهم على مَرضاتِه ومع هذا فقدْ علَّمَنا اليُسرَ في العبادةِ وأخْذَ النَّفْسِ بما تَستطيعُ وتَرْكَ التَّشديدِ عليها
  • الإسلامُ دِينُ الوسَطيَّةِ والسَّماحةِ في كلِّ الأُمورِ وقد حثَّ على الاقتِصاد وفِعلِ المُستطاعِ والاقتِصادُ في العِباداتِ يُبَقي بَعض القوَّةِ لغَيرِها
 

عن عبداللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضِيَ اللهُ عنهما- يَقُولُ: بَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَصُومُ أَسْرُدُ، وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ، وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلَا تُفْطِرُ؟ وَتُصَلِّي اللَّيْلَ؟ فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ حَظًّا، ولِنَفْسِكَ حَظًّا، ولِأَهْلِكَ حَظًّا، فَصُمْ وأَفْطِرْ، وصَلِّ وَنَمْ، وصُمْ مِنْ كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَوْماً، وَلَكَ أَجْرُ تِسْعَةٍ». قَالَ: إِنِّي أَجِدُنِي أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَال: «فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام»، قَال: وكَيْفَ كَانَ دَاوُدُ يَصُومُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَال: «كَانَ يَصُومُ يَوْماً، وَيُفْطِرُ يَوْماً، ولَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى». قَال: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ عَطَاءٌ: فَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الْأَبَدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -[-: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ»، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/815) باب: النّهي عن صَوم الدّهر لمَنْ تضرّر به، أو فوّت به حقّاً أو لم يُفطر العيدين والتّشريق، وبيان تفضيل صوم يومٍ وإفطار يوم، ورواه البخاري في الصوم (1977) باب: حقّ الأهل في الصوم.

في هذا الحَديثِ يَحْكي عبداللهِ بنُ عَمْرٍو بن العاص -رضِيَ اللهُ عنهما- أنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بلغه أَنِّي أَصُومُ أَسْرُدُ، أي: أصوم ولا أفطر. «وَأُصَلِّي اللَّيْلَ» أي: أُصلّي الليل كلّه ولا أنام.

قوله: «فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ»

         وفي رواية البخاري.: «أنْكَحَنِي أبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ، فَيَسْأَلُهَا عن بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِن رَجُلٍ! لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، ولَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أتَيْنَاهُ، فَلَمَّا طَالَ ذلكَ عليه، ذَكَرَ للنَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: الْقَنِي به، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقالَ: كيفَ تَصُومُ؟ فَأجابَه: أصُومُ كُلَّ يَومٍ. وَكَيْفَ تَختِمُ القُرآنَ؟ فَأجابَه: أخْتِم كُلَّ لَيلةٍ خَتمةً. فأشار عليه -صلى الله عليه وسلم - بأن يصومَ في كُلِّ شَهرٍ ثَلاثةَ أيَّامٍ، وأن يقرَأَ القُرآنَ في كُلِّ شَهْر خَتْمةً. فراجع عبداللهِ - رضي االله عنه - رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وذكر أنَّه يَقدِرُ على أكثَرَ من ذلك، فأشار عليه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأن يصومَ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الأُسبوعِ، فذكر عبداللهِ - رضي الله عنه - لرَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم - أنَّه يقدِرُ على أكثَرَ من ذلك، فَقالَ له -صلى الله عليه وسلم -: أفطِرْ يَومَينِ، وصُم يَومًا. فَقالَ عبداللهِ بنُ عَمْرٍو - رضي الله عنه -: أُطيقُ أكثَرَ مِن ذَلك، فقالَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم -: «صُم أفضَلَ الصَّومِ، صَومَ داوُدَ نَبيِّ اللهِ -عليه السَّلامُ-: صيامُ يَوْمٍ، وَإِفْطارُ يَومٍ، واقرَأْ في كُلِّ سَبْعِ لَيالٍ مَرَّةً». يعني: اختِمِ القُرآنَ مَرَّةً كُلَّ أُسبوعٍ؛ فتمَنَّى عبداللهِ بنُ عَمرٍو -رضِيَ اللهُ عنهما- بعدما كَبِرَ وضَعُفت قوَّتُه، أنْ لو كان قَبِلَ التخفيفَ مِن رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم -، فَكانَ يَقرَأُ على مَن تَيسَّرَ له من أهلِه السُّبْعَ مِن القُرْآنِ بِالنَّهارِ، والَّذي يُريدُ أن يَقْرَأه بِاللَّيْلِ يَعرِضه مِن النَّهارِ؛ ليَكونَ أخَفَّ عليه بِاللَّيلِ. وَإِذا أرادَ أن يَتَقَوَّى على الصِّيامِ أفْطَرَ أيَّاماً، وَأحْصى عَدَد الأيَّام التي أفطرها وَصامَ أيَّامًا مِثلَهنَّ؛ لئلَّا يَترُكَ شَيْئًا مات النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان عبداللهِ - رضي الله عنه - يفعَلُه. لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ قوله: «لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ»، أي: مَنْ صام الأبدِ، بأنْ هو سَرْدُ الصِّيامِ طوالَ أيَّامِ السَّنةِ، فلا صيام له، وأكّده ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات. وفي الرواية الأخرى: «فلا صَامَ ولا أفطَرَ»، وهذا إخبارٌ مِن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لا أجْرَ له في صِيامِه، فكأنَّه لم يَصُمْ أصلًا، أو هو دُعاءٌ مِن النَّبيِّ -[- على مَن فعَلَ هذه الطَّريقةِ في الصِّيامِ، وتشنيعٌ عليهم؛ وذلك لأنَّ صَومَ الدَّهرِ منهيٌّ عنه، ومُخالِفٌ لسُنَّةِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، وقد قال النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم  كما في الصَّحيحَينِ-: «لكنِّي أصومُ وأُفطِرُ... فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس منِّي». وقد وردت أحاديث في ذلك: فعن عبدالله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: قال رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ صامَ الأبدَ فلا صامَ ولا أفطَرَ»، أخرجه ابن ماجة (1705) واللفظ له، وأخرجه النسائي (2380)، وأحمد (16308) باختلاف يسير، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن صَام الدَّهرَ ضُيِّقَت عليه جهنَّمُ هكذا». وعقَد تِسعينَ. رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه الأرناؤوط. قال النووي -رحمه الله-: «ومعنى: «ضيقت عليه» أي: عنه، فلم يدخلها».قال ابن قدامة -رحمه الله-: «الذي يقوى عندي أن صوم الدهر مكروه وإن لم يصم هذه الأيام - يعني العيد والتشريق - فإنْ صامها قد فعل مُحرّما، وإنّما كره صوم الدهر لما فيه من المشقة والضّعف، وشبه التبتّل المنْهي عنه». «المغني» (3/53)، وكذا قال ابن تيمية من الحنابلة خلافا للمذهب، وهو اختيار اللجنة الدائمة للإفتاء (23/221)، وذهب ابن حزم إلى التحريم، فقال -رحمه الله-: «لا يحلّ صَومُ الدَّهر أصْلاً» انتهى. «المحلى» (4/41)..  

فوائد الحديث

 
  • كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أعبَدَ النَّاسِ للهِ، وأحرَصَهم على مَرضاتِه، ومع هذا فقدْ علَّمَنا اليُسرَ في العبادةِ، وأخْذَ النَّفْسِ بما تَستطيعُ، وتَرْكَ التَّشديدِ عليها، فيَجمَعُ الإنسانُ بيْن دُنياهُ وآخِرتِه.
  • الإسلامُ دِينُ الوسَطيَّةِ والسَّماحةِ في كلِّ الأُمورِ، وقد حثَّ على الاقتِصاد وفِعلِ المُستطاعِ، والاقتِصادُ في العِباداتِ؛ يُبَقي بَعضُ القوَّةِ لغَيرِها.
  • أنَّ أفْضلَ صَومِ التَّطوُّع هو صَوْمُ نَبيِّ الله داوُدَ -عليه السَّلامُ.
  • وفيه: بَيانُ رِفقِ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - بأُمَّتِه، وَشَفَقَتِه عليهم، وَإِرشادِه إيَّاهُم إلى ما يُصلِحهم، وَحَثِّه إيَّاهم على ما يُطيقونَ الدَّوامَ عليه، وَنَهْيهم عَن التَّعمُّقِ في العِبادةِ؛ لما يُخْشى مِن إِفْضائِه إلى المَلَلِ والسآمة.
  • وفيه: تقديمُ الواجِبِ من حَقِّ الأهلِ وكذا الولد، على التطَوُّعِ بالصِّيامِ والقيامِ.
  • وفيه: جواز الإخبارُ عن الأعمالِ الصَّالحةِ، والأورادِ، ومحاسِنِ الأعمالِ عند أَمْنِ الرِّياءِ.
  • وفيه: تفَقُّدُ الوالِدِ أحوالَ وَلَدِه وزوجتِه في بَيتِه.
  • وفيه: استخدامُ الكناياتِ في الكلامِ عَمَّا يُستقبَحُ ذِكْرُه، في قولها: «لم يطأ لنا فراشا..».
  • وفي الحديثِ: النَّهيُ عن صيامِ الدَّهرِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك