رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 17 يناير، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: كراهيةُ صِيام الجُمُعة مُنْفَرداً

 

  • النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم  كانَت له أحوالٌ مُتعدِّدةٌ في الصِّيامِ فأخبَرَ كلُّ صَحابيٍّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  بما عَلِم أو بما رأَى وجميعُ الأخبارِ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  في صَومِه صِحاحٌ
  • الحِكمةُ في النَّهيِ عن صِيامِ يوم الجُمعةِ منفردًا أنَّه يومُ دُعاءٍ وذِكرٍ وعِبادةٍ متنوّعة مِنْ الغُسلِ والتنظّف والتّطيّب والتَّبكيرِ إلى صّلاةِ الجُمعة وانْتظارِها واسْتماعِ الخُطبةِ والإكثارِ من الذِّكرِ بعْدَها
 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ»، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - قَال: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي، وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ». الحديثان رواهما مسلم في الصيام (2/801) باب: كراهية صيام يوم الجمعة منفرداً.

في هذين الحَديثين يَذكُرُ أبو هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهى عن صَومِ يَومِ الجُمُعةِ تَطوُّعًا مُنْفرِداً، إلَّا أنْ يَصومَ يَومًا قبْلَه، وهو يومُ الخميسِ، أو يومًا بعْدَه، وهو يومُ السَّبْتِ.

في الباب أحاديث أخرى

        عن محمدِ بنِ عبَّادٍ قال: سألتُ جابراً - رضي الله عنه -: «أنَهَى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن صَومِ يومِ الجُمُعةِ؟ قال: نعم». رواه البخاري (1984)، ومسلم (1143)، وعن جُوَيريةَ بنتِ الحارِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا-: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها يومَ الجُمُعةِ وهي صائمةٌ، فقال: «أصُمْتِ أمْسِ؟» قالت: لا، قال: «تُريدينَ أنْ تَصُومي غداً؟» قالت: لا، قال: «فأفطِري». رواه البخاري (1986). وأيضاً: هذا النَّهيُ مَحمولٌ على مَنْ لم تكُنْ له عادةٌ في الصيام، كمَن يَصومُ يوماً ويُفطِرُ آخَرَ، فوافق صيامه يوم الجمعة، أو نذَرَ أنْ يَصومَ يومَ شِفاءِ مَريضِه، فوافَقَ ذلك يومَ الجُمعةِ؛ فإنه لا يُنْهَ عنه.

الحِكمةُ في النَّهيِ عن صِيامِ يومَ الجُمعةِ

        والحِكمةُ في النَّهيِ عن صِيامِ يومَ الجُمعةِ: أنَّه يومُ دُعاءٍ وذِكرٍ وعِبادةٍ متنوّعة؛ مِنْ الغُسلِ والتنظّف والتّطيّب، والتَّبكيرِ إلى صّلاةِ الجُمعة وانْتظارِها، واسْتماعِ الخُطبةِ، والإكثارِ من الذِّكرِ بعْدَها، لقولِ اللهِ -تعالى-: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} (الجمعة: 10)، فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ، صِيَامُهَا وقِيَامُهَا». رواه الترمذي وصحّحه الشيخ الألباني -رحمه الله. وكذلك كثرة الصلاة على نبيّه - صلى الله عليه وسلم -، وقراءة سورة الكهف، وغيرِ ذلك مِن العباداتِ في يَومِها؛ فنُهي عن صِيامِه ليَكونَ ذلِك أعوَنَ له على هذه الوَظائفِ، وأدائِها بنَشاطٍ وقوّة، وانْشراحٍ لها، وتِلذّذٍ بها، مِن غَيرِ مَلَلٍ ولا سآمةٍ. وهو نَظيرُ النّهي عن صِيامِ الحاجِّ يومَ عَرَفةَ بعَرَفةَ؛ فإنَّ السُّنَّةَ له الفِطرُ لهذه الحِكم، وأنَّه يَحصُلُ له بفَضيلةِ الصَّومِ الَّذي قبْلَه أو بعْدَه، ما يُجبِرُ ما قدْ يَحصُلُ مِن فُتورٍ أو تَقْصيرٍ في وَظائفِ يومِ الجُمعةِ بسَببِ صَومِه.

خشية أن يفرض على الناس

       ويَحتمِلُ أنْ يكونَ نَهْيُه - صلى الله عليه وسلم - عن صَيامِ يومِ الجُمعةِ: خَشيةَ أنْ يَستمِرَّ النَّاسُ على صَومِه، فيُفرَضَ عليهم، كما خَشِيَ مِنْ فرض صَلاةِ اللَّيلِ، فقَطَعَه لذلك، وخَشِيَ أنْ يَلتزِمَ النَّاسُ مِن تَعظيمِ يومِ الجُمعةِ ما الْتَزَمَه اليهودُ والنَّصارى في يومِ السَّبتِ والأحدِ، مِن ترْكِ العَمَلِ والتَّعظيمِ، فأمَرَ بإفطارِه، ورَأى أنَّ قطْعَ الذَّرائعِ أعظَمُ أجراً مِن إتمامِ ما نَوى صَومَه للهِ، أو أنّه - صلى الله عليه وسلم - أمر بالفِطْر فيه؛ لأنَّه يومُ عِيدٍ للمُسلِمينَ.

كرَاهةُ إفرادِ يومِ الجُمُعةِ بالصَّومِ

وقد قال بكرَاهة إفراد يومِ الجُمُعةِ بالصَّومِ إلَّا أن يوافِقَ ذلك صَوماً جمهور العلماء: الشَّافِعيَّةُ، والحَنابِلة، وبعض الحَنَفيَّة، وهو قولُ بعض السَّلَف، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وابنُ القيم، والشوكاني، والشنقيطي.
  • قال ابن قدامة الحنبلي: «يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، إلا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْماً كَانَ يَصُومُهُ، مِثْلُ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْما، فَيُوَافِقُ صَوْمُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمَنْ عَادَتُهُ صَوْمُ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ، أَوْ آخِرِهِ، أَوْ يَوْمِ نِصْفِهِ». المغني (3 /53).
  • وقال النووي: «قَال أَصْحَابُنَا (يعني الشافعية): يُكْرَهُ إفْرَادُ يَوْمِ الجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ وَصَلَهُ بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ، بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ شِفَاءِ مَرِيضِهِ، أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ أَبَداً، فَوَافَقَ الجُمُعَةَ لَمْ يُكْرَهْ». «المجموع شرح المهذب» (6 /479).
  • وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: إنّ السنّة مضتْ بكراهة إفْراد رَجَب بالصّوم، وكراهة إفْراد يوم الجمعة ..اهـ. «الفتاوى الكبرى» (6 /180).
  • ويستثنى من هذا النّهي: ِمَنْ صَامَ يوماً قَبْله أَوْ بَعْده.
وكذلك إنْ اِتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا، كَمَنْ يَصُوم أَيَّام الْبِيضِ، أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ وإفطار يوم، أو وافق يوماً يستحب صومه كَيَوْمِ عَرَفَةَ، أو عاشوراء، لأن نيّته صيام عاشوراء وعرفة، وليس الجمعة. أو نَذَرَ صوم يَوْم قُدُوم زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْم شِفَائه، فوافق يوم الجمعة. انظر «فتح الباري» لابن حجر.
  • وفي الحديث: أنّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فصَّلَ أحكامَ صِيامِ التَّطوُّعِ، وأوضَحَ الكيفيَّةَ المُناسِبةَ لصِيامِ بَعضِ الأيَّامِ، ومِن ذلِك يومُ الجُمعةِ.

 باب: صَومُ ثلاثة أيامٍ مِنْ كلّ شَهْر

        عن مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ أَنَّهَا قالت: سَأَلْتُ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَقُلْتُ لَها: مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ. في هذا الحَديثِ تُخبِرُ التَّابعيَّةُ مُعاذةُ العَدويَّةُ أنَّها سألَتْ أُمَّ المؤمنينَ عائشةَ -رَضِي اللهُ عنها-: «أَكانَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصومُ مِن كلِّ شَهرٍ ثَلاثةَ أيَّامٍ؟» وذلك أنّ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم - كان قدْ رغَّب في صِيامِ ثَلاثةِ أيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهرٍ، كما في الصَّحيحينِ، فأجابتْها عائشةُ -رَضِي اللهُ عنها-: «نَعمْ» كان يَصومُها، وهذا أقلُّ ما كان يَقتصِرُ عليه مِن الصِّيامِ في الشَّهرِ.

تَحديد هَذه الأَيَّامِ

  • ثمّ سَألَتْ مُعاذةُ العَدويَّةُ عنْ تَحديدِ هَذه الأَيَّامِ، وهلْ كانت هَذه الثَّلاثةُ مِن أوَّلِ الشَّهرِ أو أَوسطِه أو آخِرِه، وهلْ كانتْ مُتَّصلةً أو مُنفصِلةً؟ فَأخبرَتْها عائشةُ -رَضِي اللهُ عنها- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَم يكُنْ يَهتمُّ بالتَّعيينِ، فقد تَجِدُه صائماً في أوَّلِ الشَّهرِ، ووَسطِه وآخِرِه.
قيل: ولَعلَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يُواظِبْ عَلى ثَلاثةٍ مُعيَّنةٍ؛ لئلَّا يُظَنَّ وجوب تَعيينُها.
  • وقدْ ورَد عندَ أبي داودَ: عن عبدَاللهِ بنِ مَسعودٍ - رضي الله عنه - قال: «كان رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصومُ -يعني مِن غُرَّةِ كلِّ شَهرٍ- ثَلاثةَ أيَّامٍ». أي: أوَّلَ الشَّهرِ، وغُرَّةُ الشَّيءِ: أوَّلُه. وقيل: إنَّه أراد الأيَّامَ البِيضَ مِن مُنتصَفِ الشَّهرِ، الَّتي يَكتمِلُ فيها القَمرُ، وهي: الثَّالثَ عشَرَ والرَّابعَ عشَرَ والخامِسَ عشَرَ مِنَ الشهر القمري؛ لأنَّ الغُرَّةَ تُطلَقُ أيضاً على البياضِ.
ولعلَّ الصَّحابيَّ عبدَاللهِ بنَ مسعودٍ راويَ الحديثِ، قدْ أخبَر عن الغالبِ فيما اطَّلَع علَيه مِنْ أحْوالِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، وأنَّه كان يَصومُ هذه الأيَّامَ.

أحوالٌ مُتعدِّدةٌ في الصِّيامِ

         وقد روَتْ عائشةُ -رَضِي اللهُ عنها كما في الصَّحيحينِ- أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُكثِرُ الصِّيامَ في غيرِ رمَضانَ، حتَّى يُقالَ: إنَّه لا يُفطِرُ، وكان يُفطِرُ حتَّى يُقالَ: إنَّه لا يَصومُ، ومع ذلك فقدْ كان يُخصِّصُ أيَّاماً للصِّيامِ، مِثْلَ غُرَرِ الشُّهورِ وأوساطِها، ومِثلَ يومِ الاثنينِ والخميسِ. فالحاصِلُ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَت له أحوالٌ مُتعدِّدةٌ في الصِّيامِ، فأخبَرَ كلُّ صَحابيٍّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بما عَلِم، أو بما رأَى، وجميعُ الأخبارِ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم - في صَومِه صِحاحٌ، وهو مِن بابِ التيسير والتَّوسُّعِة على الأمّة، لِمَن أراد أنْ يَصومَ كيْفَما شاء، معَ التَّحرِّي لسُنَّةِ النَّبيِّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، والبُعدِ عَن الأيَّامِ المَنهيِّ عَن صِيامِها.  

فوائد الحديث

  • بيانُ ما كان عليه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن إكثارِ الصَّومِ والاجتهادِ فيه.
  • أنّ النَّاسُ كانوا يَسألونَ زَوجاتِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن هَديِه -صلى الله عليه وسلم - فِيما أشْكَلَ عَليهِم، أو ما أَحبُّوا أنْ يَعلَموه مِنْ عباداته التي لا تظهر لهم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك